المهر 


من أركان عقد الزواج ذكر المهر المتفق عليه، والذي لم يحدِّده الإسلام تحديداً إلزامياً، بل تركه لتوافق الطرفين، ففي حديث عن الإمام الصادق عليه السلام حينما سأله صاحبه عن المهر، أجاب عليه السلام : "ما تراضى عليه الناس "1.
لكنه مع ذلك أكَّد على أن لا يشكِّل المهر عقبة أمام طالب الزواج من هنا دعا رسول الله إلى تيسير المهر فعنه صلى الله عليه واله : "أفضل نساء أمتي... أقلهنّ مهرا"2 أي مهرها. وعَنه صلى الله عليه واله : "من بركة المرأة قلّة مهرها"3.

وتيسير الخطبة والمهر، وخفة المؤونة عناوين توجيهية للفتاة وأهلها بعدم تعقيد أمر الزواج بطلبات تربك وتنهك المتقدم لطلب يد الفتاة، بل قد تصدّه عن تكملة خطوة الزواج، فينتهي الأمر. وذلك بسبب طلب أمور تثقل عليه كنوعية الشقة وجودة الأثاث، إضافة إلى المهر الغالي.

مهر السُنَّة
استفاضت الروايات عند الشيعة وأهل السنة أن مهر زوجات النبي ومهر ابنته الزهراء عليها السلام بلغ اثنتي عشر ونصف(12.5) أوقية من الفضة أي ما يعادل أو يقارب خمسمائة درهم.

نعم ورد استثناء لإحدى زوجات النبي صلى الله عليه واله وهي أم حبيبة وهي من النساء المهاجرات إلى الحبشة والتي وكّل الرسول صلى الله عليه واله النجاشي أن يخطبها له ويعقد عليها بالوكالة عقد الزواج، فحينها عيّن النجاشي مهرها بأربعة آلاف درهم ودفعه من جانبه، فلم يعترض النبي صلى الله عليه واله على ذلك4.
أما خارج هذا الاستثناء فالإمام علي عليه السلام يؤكد كما ورد عنه أنه "ما نكح رسول الله صلى الله عليه واله امرأة من نسائه إلا على اثنتي عشر أوقية ونصف الأوقية من فضة، وعلى ذلك أنكحني فاطمة"5.

ويخبرنا الإمام علي عليه السلام في رواية أخرى قصة مهره بقوله: "لما تزوجت فاطمة عليها السلام قلت: يا رسول الله، ما أبيع فرسي أو درعي؟
قال صلى الله عليه واله : "بع درعك. فبعتها باثنتي عشر أوقية، فكان ذلك مهر فاطمة"6.
وبما أنَّ تحديد مهر السُنَّة محل ابتلاء عملي للمؤمنين، فقد سأل الإمامين الباقر والصادقL أصحابه عن تحديده في العملة الشائعة في زمنهما وهي العملة الأموية، فكان جوابهما أن كل أوقية تعادل أربعين درهماً بنفس الدرهم الشائع في ذلك العصر، ولحسن الحظ فإن وزن ذلك الدرهم معروف ومحدَّد، ويبلغ حوالي ثلاثة غرامات من الفضة الخالصة وبالدقة 2.985 غرام. وعليه فإن مهر السنة هو 500 درهم ×3 غرام = 1500 غرام فضة خالصة. وهذا المقدار هو قليل على كل حال.

لذا يرى البعض أن القدرة الشرائية لمبلغ خمسمائة درهم من الفضة في صدر الإسلام كانت أكثر من الآن بكثير، من هنا يتجه هذا البعض إلى أحد الخيارين:
الخيار الأول: أن نحسب المهر على أساس الدينار الذهبي في صدر الإسلام، ففي ذلك العصر كانت كل عشرة دراهم تعادل ديناراً واحد، وعليه فـ 500 درهم تعادل 50 ديناراً. وبما أن الدينار يساوي في قيمته المثقال الشرعي الذي يعادل 4.265 غرام ذهب، فيكون مهر الزهراء عليها السلام : 50×4.265=213.25 غرام ذهب.

الخيار الثاني: أن نحسب القيمة الشرائية لمهر السنة بحسب ما اشتراه الإمام علي عليه السلام بثمن درعه وهو مذكور في المصادر التاريخية، فقد كان من جملة ذلك، فستان، خمار، ملحف، بساط من حصير...إلخ.
وعلى كلٍّ فهو لا يمثِّل مبلغاً كبير، لأنه عبارة عن التجهيز والأثاث الضروري البسيط لبيت صغير.

البعد المعنوي لمهر السنَّة
إضافة إلى ما يحمله مهر السنّة من تيسير وتسهيل للزواج، فإن له بعداً معنوياً أشار إليه الإمام الكاظم عليه السلام حينما سئل عن مهر السنَّة كيف صار خمسمائة فقال: إن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه أن لا يكبره مؤمن مائة تكبيرة، ويسبحه مائة تسبيحة، ويحمده مائة تحميدة، ويهلله مائة تهليلة، ويصلي على محمد وآله مائة مرة، ثم يقول: "اللهم زوجني من الحور العين" إلا زوجه الله حوراء عيناء، وجعل ذلك مهره، ثم أوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه واله" أن سن مهور المؤمنات خمسمائة درهم، ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه واله ، وأيما مؤمن خطب إلى أخيه حرمته فبذل له خمسمائة درهم، فلم يزوجه فقد عقه، واستحق من الله أن لا يزوجه حوراء"7.

المهر بين المالية والتعليم
لم يشترط الإسلام أن يكون مهر السنَّة نقداً أو عيناً مالية، بل جوّز أن يكون نوعاً من خدمة الآخر كالتعليم، وقد حصل هذا النوع من المهر في عقد الزواج في زمن رسول الله صلى الله عليه واله حينما جاءته امرأة فقالت: زوجني، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : "من لهذه؟" فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، زوجنيه، فقال صلى الله عليه واله : "ما تعطيها؟" فقال: ما لي شيء، قال: "لا"، فأعادت، فأعاد رسول الله صلى الله عليه واله الكلام، فلم يقم أحد غير الرجل، ثم أعادت فقال رسول الله صلى الله عليه واله في المرة الثالثة: "أتحسن من القرآن شيئاً؟" قال: نعم، قال صلى الله عليه واله : "قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه"8.

*كتاب دليل العروسين1-الشيخ أكرم بركات

1- الكليني، محمد بن يعقوب، فروع الكافي، ج5، ص378.
2- الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، ص 308.
3- المصدر السابق، ص 308.
4- انظر: الريشهري، محمد، تعزيز الأسرة، ط.1، طهران، مشعر، 1430ه، ص78.
5- المغربي، أبو حذيفة، دعائم الإسلام، تحقيق آصف فيضي، ط2، مصر، دار المعارف، (لات)، ج2، ص 220.
6- الهندي، المتقي، كنز العمال، ج13، ص 79.
7- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج21، ص245.