نقاش الأسباب الثلاثة للعزوبية 


الراحة، الحرية، الفرار من المسؤولية
على هذه القاعدة ندخل في نقاش الأسباب الثلاثة الأولى لعدم الزواج. وهنا لن أقول: إن الكلام عن شعور المتزوج بنوع من التقييد، وعدم الحرية التي كانت أيام العزوبية غير صحيح، بل هذا الكلام يحمل شيئا ًَ من الواقعية.

ولن أقول: إن الزواج لن يؤدي إلى انخفاض في مستوى راحة البال نسبة إلى العزوبية.
ولن أقول: إن الزواج لن يحمِّل المتزوج أعباء جديدة من المسؤولية.
لكن أقول: فلتوضع هذه الأمور في خانة سلبيات الزواج، وإلى جانبها فلتملأ خانة سلبيات العزوبة، التي منها حالة القلق الداخلي الحالي، والشعور بالوحدة في كثير من مراحل الحياة، وحالة القلق في المستقبل حينما يكبر الإنسان ولا يجد أحداً إلى جانبه يهتم به. ولعل حالة القلق الذاتي هي التي يشير إليها الرسول الأكرم صلى الله عليه واله حينما سأل أحدهم: "ألك زوجة؟" فقال: لا يا رسول الله، فسأله النبي صلى الله عليه واله : "فأنت موسر؟"، فأجاب: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : "تزوَّج وإلا فأنت من المذبذبين"1.

ثم لنملأ خانة إيجابيات الزواج بما فيه من ملأ الحالة العاطفية باعتدال، والاهتمام المحبَّب من قبل الحبيب، إضافة إلى الشعور باستمرار تواجد الذات في الحياة عبر الأولاد الذين يضفون جمالاً في الحياة لا يمكن أن يوصف.

وهذا كله فضلاً عن قضية أساسية في حياة الإنسان المؤمن ألا وهي رضا الله تعالى، فالعزوبة قد تؤدي إلى الدخول فيما حرّم الله عز وجل، والزواج يحقق ذلك الرضا الذي ألبسه النبي صلى الله عليه واله ثوب الثواب لمن أقدم على هذه الخطوة.

تشجيع النبي الأكرم على الزواج
وهذا نلاحظه في الروايات التالية الواردة عن رسول الله صلى الله عليه واله :"ركعتان يصليهما المتزوّج أفضل من سبعين ركعة يصليها غير المتزوّج"2.
"ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من رجل عَزَب يقوم ليله ويصوم نهاره"3.
"المتزوج النائم أفضل عند الله من الصائم القائم العَزَب"4.
"من سرَّه أن يلقي الله طاهراً مطهرَّاً فليلقه بزوج"5.

مناقشة السبب الرابع (التدين)
قد يفكّر البعض أن العزوبية تفرّغه أكثر لعبادة الله تعالى، وقد تبعده عن ارتكاب المحرّم في العلاقة مع الزوجة، أو بعد ذلك مع الأولاد. إلا أن هذا التفكير خارج عن المنهج القويم الذي أكَّده الإسلام، والقائم على أساس أنّ الذي يحدِّد تدين الإنسان ورقيَّه هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله ، حتى لا يقع الإنسان في مشكلة إبليس الذي قال لله تعالى: يا ربّ، أعفني من السجود لآدم، وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرَّب،... فإذا بالله تعالى يجيبه: "لا حاجة لي إلى عبادتك؛ لأني أريد أن أُعبد من حيث أريد، لا من حيث تريد"6.

من هذا المنطلق نكتفي في الرد على هذا السبب بذكر قصة تلك المرأة التي قالت للإمام الباقر عليه السلام : إني متبتلة، فقال عليه السلام لها: "وما التبتل عندك؟" قالت: لا أريد التزويج أبد، قال عليه السلام : "ولِمَ؟" قالت: ألتمس في ذلك الفضل ، فأجابها عليه السلام : "انصرفي، فلو كان في ذلك فضل، لكانت فاطمة أحق به منك، إنه ليس أحد يسبقها إلى الفضل"7.

مناقشة السبب الخامس (الوضع المادي)
ولعل هذا السبب مع تأخيرنا لعرضه يحمل أعلى نسبة في أسباب عدم الزواج بين شباننا الأعزَّاء.
وحتى نكون موضوعيين، فإن تفكير الشاب في الزواج لا بد أن يحمّله مسؤولية البحث والسعي عن موارد الرزق والجد في ذلك؛ لأنه بزاوجه سيُصبح مسؤولاً أمام الله تعالى والناس عن الإنفاق على الزوجة، وبعد ذلك على الأولاد إن قدّر الله تعالى هذا الأمر.

ولكن مع ذلك أدعو إلى التأمل في النقطتين التاليتين:
لا بدَّ لنا جميعاً أن نراجع حساباتنا فيما له دخل في التعقيدات المادية في الزواج من تكاليف العرس إلى نوعية الأثاث الخ، فضلاً عن غلاء المهور، وهذا ما يخفِّف من تعثُّر الزواج بالوضع المادي.
وأمامنا جميعاً ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله :"إن من يمن المرأة تيسير خطبته، وتيسير صداقها"8.
"من بركة المرأة خفّة مؤونتها..."9.

إن التفكير في قضية الزواج على أساس الحسابات الرياضية الدقيقة في المدخول المالي والمصروف، قد يعرقل أمر الزواج، ويعقِّد أمر المُقدِم عليه، بل إن هذا التفكير قد نجده يخالف الروحية الواردة في أحاديث رسول الله صلى الله عليه واله وأهل البيت عليهم السلام والتي تدعو إلى نوع من التساهل في التفكير المادي في مقدِّمات الزواج، وذلك باعتبار أن قضية الرزق لا يمثِّل الإنسان وسعيه العلة التامة لها وعلى المؤمن أن لا يغفل عن كون الله تعالى هو الرازق للإنسان، من هنا ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله : "من ترك التزويج مخافة العيلة، فقد ساء ظنّه بالله، إن الله عزّ وجل يقول: ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾10.

بل نلاحظ في جملة من الأحاديث أن نفس الزواج قد يكون سبباً من أسباب الرزق، فعن النبي الأعظم صلى الله عليه واله :"التمسوا الرزق بالنكاح"11.
وعنه صلى الله عليه واله : "اتخذوا الأهل؛ فإنّه أرزق لكم"12.

مناقشة السبب السادس (عدم وجود كل الصفات المطلوبة)
صحيح أن الأفضل للإنسان أن يجد المواصفات الإيجابية الكاملة في الزوج لكن عليه أن يكون واقعياً في اختياراته؛ إذ من النادر أن تكتمل جميع المواصفات الإيجابية شكلاً ومضموناًً في إنسان واحد، وكما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديثه عن اجتماع الصفات الكمالية في شخص واحد عادة:
".. فتام الرُّواء 13 ناقص العقل، ومادّ القامة قصير الهمّة، وزاكي العمل 14 قبيح المنظر، وقريب القعر15 بعيد السبر 16 ، ومعروف الضريبة منكر الجليبة 17 "18.

*كتاب دليل العروسين1-الشيخ أكرم بركات

1- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تصحيح محمد مهدي الموسوي الخرساني، (لا، ط)، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1396 هـ، ج100، ص 221. (وقد
ورد في بعض النصوص «المذنبين» بدل المذبذبين).
2- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط2، بيروت، 2003، ج20، ص20.
3- المصدر السابق، ص18.
4- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج100، ص221.
5- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج20، ص43.
6- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج11، ص141.
7- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج2، ص165.
8- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ط2، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، 1413هـ، ج2، ص279.
9- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج20، ص112.
10- النور، 32.
11- الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج20، ص42.
12- المصدر السابق، ص15.
13- الرواء: المنظر الجميل.
14- حسن العمل.
15- قصير القامة.
16- أي صاحب فطنة ولب (أي إذا سيرته واختبرته وجدته فطناً).
17- هي الخلق الذي يتكفله الإنسان، ويستجلبه مثل أن يكون جباناً بالطبع فيتكلف الشجاعة.
18- نهج البلاغة، إعداد الشريف الرضي، (لا، ط)، بيروت، دار التعارف، (لا، ت)، ص 227.