بين العزوبية والزواج 


نسبة العازبين
"تُجمع العديد من الإحصاءات أن معدّل سن زواج الرجل في لبنان هو 31 عاماً وقد أجرت وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، بالتعاون مع إدارة الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي دراسة عام 2007، بعنوان: "الدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر"، تضمنت في الفصل الأول منها تشريحاً للواقع الديموغرافي اللبناني، مفصّلة معدّلات العزوبية لدى الذكور بحسب الفئة العمرية، والمنطقة الجغرافية.
فقد لاحظت الدراسة أن نسبة العزوبية لدى الذكور في الفئة العمرية ما بين 30 و34 عاماً تقدر ب 46.5% وتتباين هذه النسبة بحسب المناطق الجغرافية"1.

أسباب العزوبية
كان هذا جزءاً من تحقيق أجرته جريدة لبنانية بعنوان "الرجال العوانس"، وهو ما يفتح لنا باب البحث عن أسباب العزوبية الآخذة بالتوسّع، فهلموا معي نحاور هؤلاء حول أسباب عدم زواجهم، والتي قد تتعدد بحسب اختلاف الرؤى، وتباين الظروف.

فما هي أسباب عزوبيتهم؟
1- الحرية
"لماذا أتزوج؟ أليست العزوبية أفضل؛ فإنها تبقيني حراً".

2- راحة البال
"أتطالبونني بالزواج، لأشغل بالي، بينما أنا في عزوبيتي مرتاح البال".

3- الفرار من المسؤولية
"ما أحلى العزوبية أمام الزواج الذي يُحمِّلني أعباء أناس آخرين".

4- التدين
"إني أخاف أن يصرفني الزواج عن عبادتي لله، بل قد يورِّطني في ارتكاب الحرام في معاملتي مع زوجتي وأولادي".

5- الوضع المادي
"إن وضعي المادي لا يسمح لي بالزواج".

6- عدم وجود الصفات المطلوبة
"إني لا أجد كامل الصفات التي أحبها في شريك الحياة".
هذه المقولات قد تلخِّص لنا الأسباب الأساسية لعدم الزواج، واختيار العزوبية، وهي ما ينبغي أن نضعها أمام محكمة العقلاء وحكم الدين.

قاعدة النقاش
قبل الخوض في نقاش الأسباب الخمسة السابقة، لا بد من الاتفاق على الأساس والمدماك الذي من خلاله نكوِّن قناعاتنا. ومن خلال قراءة منطق العقلاء - وبغض النظر عن الدين- نلاحظ أن الإنسان العاقل يضع هدفاً لكل تحرك يقوم به، لكن هناك هدف عام يمثل الهدف الأعلى لكل الأهداف التفصيلية ألا وهو السعادة.
حتى أولئك المنحرفين في مسارهم الحياتي، فإنهم يتحركون على أساس توهم السعادة فيما يقومون به، بل حتى أولئك الذين يصلون إلى قناعة بالانتحار، فإنما يفعلون ذلك ليتخلصوا من الشقاء، لعلهم يرتاحون في الموت فيسعدون.

لا أظن أن عاقلاً يناقش في أن الهدف الأعلى لكل إنسان في حياته هو السعادة. ولكن كيف نصل إليها في هذا العالم الذي يحكمه التزاحم بين رغبات الفرد ورغبات الآخرين، مصالح الفرد ومصالح الآخرين، فرغبة الفرد أن يسمع صوت الموسيقى بمستوى عال، تتعارض مع رغبة جيرانه بالهدوء، ومصلحة الفرد أن يشتري السيارة بسعرٍ زهيد تتعارض مع مصلحة البائع في بيعها بسعر ٍ غالٍ.

بل التزاحم يقع بين نفس رغبات الفرد التي يعارض بعضها بعضاً دون أن يستطيع الإنسان أن ينالها جميعاً.
فالرغبة في جني المال قد تتعارض مع الرغبة في الدعة والراحة، فالأولى تقتضي في كثير من الأحيان التخلي عن الثانية.
والرغبة في الطعام الشهي قد تتعارض مع الرغبة في المحافظة على صحة الجسم، والابتعاد عن السمنة، فالثانية تقتضي في كثير من الأحيان التخلي عن الأولى.
وعليه كيف يحرز الإنسان خياره الصحيح الذي ينبغي أن يؤدي به إلى سعادته بين هذه التزاحمات.

الجواب: إن العاقل في مساره الحياتي يدرس الأمور بإيجابياتها وسلبياتها فيضع خانة للإيجابيات، وأخرى للسلبيات مع معاييره، وبعد النظر إليهم، وحساب نتيجة كل منهم، فإنه سيتبع النتيجة التي تحمل العلامة الأعلى، فيُقدِم على الموضوع الحائز على تلك العلامة، رغم وجود بعض السلبيات فيها. عندها عليه أن يعيش الطمأنينة والسكينة وبالتالي السعادة في خياره هذا.
هذا هو منطق العقلاء ومدرَج السعادة الإنسانية.

*كتاب دليل العروسين1-الشيخ أكرم بركات

1- جريدة الأخبار، العدد 1086، الصادر في 9 نيسان 2010.