عبد اللّه الأفطح والإمامة


كان عبد اللّه اكبر ولد الصادق عليه السلام بعد إِسماعيل، ومن ثمّ اشتبه الأمر على فئة فقالوا بإمامته، لأن الإمامة في الأكبر وجهلوا أنها في الأكبر ما لم يكن ذا عاهة، وعبد اللّه كان أفطح الرجلين، ولذا سُمي الأفطح، والقائلون بإمامته - الفطحيّة -.

وكان متّهماً في الخلاف على أبيه في الاعتقاد، ويقال أنه يخالط الحشويّة ويميل الى مذهب المرجئة، ولذلك لم تكن منزلته عند أبيه كمنزلة غيره من ولده في الإكرام.1

ولربّما عاتبه أبوه ولامَه ووعظه، ولكن ما كان ليجدي معه ذلك الوعظ والعتب، وقد قال له يوماً: ما منعك أن تكون مثل أخيك فواللّه إِني لأعرف النور في وجهه، فقال عبد اللّه: لِمَ أليس أبي وأبوه واحداً ؟ واُمّي واُمّه واحدة، فقال له الصادق عليه السلام: إِنه من نفسي وأنت ابني.2

وكفى بهذا الحديث دلالة على فضل إسماعيل وعلوّ مقامه عند اللّه وعند أبيه، وعلى جهل عبد اللّه وانحطاط منزلته عند اللّه وعند أبيه.

وادّعى عبد اللّه الإمامة بعد أبيه محتجّاً بأنه اكبر اخوته، ولقد أنبأ الصادق ولده الكاظم عليهما السلام بأن عبد اللّه سوف يدَّعي الإمامة بعده ويجلس مجلسه، وأمره ألا ينازعَهُ ولا يكلّمه لأنه أول أهله لحوقاً به، فكان الأمر كما أنبأ عليه السلام.3

ولما ادّعى الإمامة تبعه جماعة من أصحاب الصادق عليه السلام ورجع اكثرهم بعد ذلك الى القول بإمامة موسى الكاظم عليه السلام، لمّا تبيّنوا ضعف دعواه، وقوَّة الحجّة من أبي الحسن عليه السلام ودلالة إِمامته.

وممّن دخل عليه مستعلماً صحّة دعواه هشام بن سالم ومؤمن الطاق، والناس مجتمعون حوله محدقون به، فسألاه عن الزكاة في كم تجب ؟ فقال: في مائتين خمسة، قالا: ففي مائة ؟ قال: درهمان ونصف، فقالا له: فواللّه ما تقول المرجئة هذا، فرفع يده الى السماء فقال: لا واللّه ما أدري ما تقول المرجئة، فعلما أنه ليس عنده شيء، فخرجا من عنده ضلالاً لا يدريان أين يتوجّهان فقعدا في بعض أزقّة المدينة باكيين حيرانين وهما يقولان: لا ندري الى من نقصد الى من نتوجّه الى المرجئة، الى القدريّة، الى الزيديّة، الى المعتزلة، الى الخوراج، فبينا هما كذلك إِذ رأى هشام شيخاً لا يعرفه يؤمي اليه بيده، فخاف أن يكون من عيون المنصور، لأنه كان له جواسيس وعيون بالمدينة ينظرون على من اتّفق شيعة جعفر عليه السلام فيضربون عنقه، فقال لمؤمن الطاق: تنحَّ عني فإني أخاف على نفسي وعليك، وإِنما يريدني ليس يريدك، فتنحَّ عني لا تهلك وتعين على نفسك، فتنحّى أبو جعفر غير بعيد، وتبع هشام الشيخ، فما زال يتبعه حتّى أورده باب أبي الحسن موسى عليه السلام، ثمّ خلاه ومضى، فاذا خادم بالباب، فقال له: ادخل رحمك اللّه، فلمّا دخل قال له أبو الحسن عليه السلام ابتداءً: إِليّ إِليّ إِليّ، لا إِلى المرجئة، ولا الى القدريّة، ولا الى الزيديّة، ولا الى المعتزلة، ولا الى الخوارج.

ثمّ خرج هشام من عند الكاظم عليه السلام ولقي أبا جعفر مؤمن الطاق فقال له: ماعندك ؟ قال: الهدى، فحدّثه بالقصّة، ثمّ لقي المفضّل بن عمر وأبا بصير فدخلوا عليه وسلّموا وسمعوا كلامه وسألوه ثمّ قطعوا عليه، ثمّ لقي هشام الناس أفواجاً فكان كلّ من دخل عليه قطع عليه إِلا طائفة مثل عمّار الساباطي وأصحابه، فبقي عبد اللّه لا يدخل عليه إِلا قليل من الناس، فلمّا علم عبد اللّه أن هشاماً هو السبب في صدّ الناس عنه أقعد له بالمدينة غير واحد ليضربوه وبقي عبد اللّه مصرّاً على دعوى الإمامة الى أن مات، وما كانت أيامه بعد أبيه إِلا سبعين يوماً، فلمّا مات رجع الباقون الى القول بإمامة أبي الحسن عليه السلام إِلا شاذاً منهم وهم الذين لزمهم لقب الفطحيّة، وإنما لزمهم هذا اللقب لقولهم بإمامة عبد اللّه وهو أفطح الرجلين أو أفطح الرأس، وانقطع أثر هذه الطائفة بعد ذلك العهد بقليل، وكان آخرهم بنو فضال.4

1- إرشاد الشيخ المفيد : 285.
2- الكافي، كتاب الحجّة، باب النصّ على الامام الكاظم عليه السلام : 1/310/10.
3- بحار الأنوار : 47/261.
4- كتاب الامام الصادق /محمد حسين المظفر ج2ج214_215.