مجلس حزن الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف
((مجالس عزاء))

مُذْ سَاءَنِيْ رِزْؤُكُمْ مَا سَرَّنِيْ عِيْدُ
تُلْقَى إلِيْكَ مِنَ الدُنْيَا المَقَالِيدُ
جَوْراً وَقَدْ حَلَّ في أَعْدَاكَ تَنْكِيدُ
أَخْيَارُهُ وَبَنُو الأًشْرَارِ قَدْ زِيدُوا
قَدْ جَرَّدَتْهُ الأَعَادِي وَهْوَ مَغْمُودُ
شَمْلَ الزَّماَنِ قَدْ جَلّاهُ تَبْدِيدُ
وَمِلْؤُهُنَّ منْ الأَرْزَاءِ تَسْهِيدُ
إِلَّا بِهْا مَأْتَمٌ لِلْسِبْطِ مَعْقُود1


أَمَا وَعَيْنَيْكَ إنَّ القَلْبَ مَكْمُودُ
مَا العِيْدُ إِلَّا بِيَوْمٍ فِيهِ أَنْتَ تُرَىَ
وَتَمْلَأُ الأَرَضَ قِسْطاً بَعْدَمَا مُلِئَتْ
يَا صَاحِبَ العَصْرَ إنَّ العَصْرَ نَقُصَتْ
وَصَارِمُ الغَدَرِ في أَعْنَاقِ شِيعَتِكُمْ
فُدِيْتَ صَبْرَكَ كَمْ تْغُضِي وَأَنْتَ تَرَى
وَذِيْ نَوَاظِرُنَا تَجْرِي مِدِامِعُهَا
وَاللهِ مَا انعَقَدَتْ يوماً مَحَافِلُنَا

شعبي:
قضوا يالمهدي هلك بالـطّــف قتــــل وبـــقوا فــوق رمال مرمى للنّبل
والنّــسا هَــمْ ربـطوهـن بــالحـبل ومـــن الضّرب سودن متونها

رحم الله الشّاعر في قوله، واصفاً الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف:
حَامِي الحَقِيقَةِ،مَحْمُودُ الطَّرِيقَةِ مَنْ سَادَ الخَلِيقَةَ مِنْ بَدْوٍ وَمِنْ حَضَرِ
يَأْتِي مِنَ البَيْتِ بِالرَّاياتِ يَقْدُمُــهُ مِنَ المَلائِكِ جَمْعٌ غَيْرُ مُسْتَتِرِ
عِيسَى المَسِيحِ لَهُ عَوْنٌ وحَاجِــبـُهُ والخُضْرُ خادِمُهُ في كُلِّ مُؤْتَمَرِ
مَوْلًى إِذَا سَارَ، سَارَ النَّصْرُ يَقْدُمُهُ مُؤَيَّداً بِالهُدَى، والنَّصْرُ والظَّفَرُ

وللشّيخ صالح بن العرندس قصيدة تنوف على المائة بيت، يقول عنها العلّامة الأمينيّ، في كتابه الكبير "الغدير": "ومن شعر شيخنا الصّالح، رائيّة اشتهر بين الأصحاب، أنّها لم تقرأ في مجلس، إلّا وحضره الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه". وفيها يقول:

إِمَامٌ أَبوُهُ المَرْتَضَى، عَلَمُ الهـــُدَى وَصِيُّ رَسُولِ اللهِ، وَالصِّنْوُ وَالصِّهْرُ
إِمامٌ بَكَتْهُ الإِنْسُ وَالجِنُّ وَالسَّمَا وَوَحْشُ الفَلَا وَالطَّيْرُ وَالبَرُّ وَالبَحْرُ

والشيخ صالح، كان من العلماء المتضلّعين في علم الأصول والفقه, وله مصنّفات, وقد أوقف شعره على رثاء أهل البيت عليهم السلام, ويطفح شعره بالولاء لهم عليهم السلام, لذا كان شعره دائراً على ألسنة الخطباء.

يقول الخطيب الشّيخ عبد الزّهرة الكعبيّ: كنت أبحث عن قصيدة الشّيخ بن العرندس الرّائيّة, فاستوقفني بائع كتب في كربلاء، عند ضريح سيّد الشّهداء عليه السلام، قد فرش كتبه إلى جانب الطّريق، بالقرب من الحرم الشّريف, التفت إليّ، وقال: هذا الكتاب يفيدك، وثمنه أن تقرأ لي أبياتاً رثائيّة منه, يقول الخطيب الشّيخ عبد الزّهرة: فتحت الكتاب، وإذا فيه ضالّتي المنشودة, قصيدة بن العرندس الرّائيّة, شاعر الحلّة الفيحاء, وكان للشّيخ عبد الزّهرة الكعبيّ كرامات ونظر من أهل البيت عليهم السلام, فولادته كانت في مولد الزّهراء, ووفاته كانت يوم شهادتها, ولذا سمّي عبد الزّهرة, يقول: بدأت أقرأ القصيدة، وإذا بسيّد جليل القدر، عليه سيماء الأولياء، وقف أمامي، وصاريستمع ويبكي, ودموعه على لحيته, وكلّما أقرأ الأبيات، كان يردّدها معي، ويبكي:
إِمامٌ بَكَتْهُ الإِنْسُ والجِنُّ وَالسَّما وَوَحْشُ الفَلاَ وَالطَّيْرُ وَالبَرُّ وَالبَحْرُ

إلى أن يقول:
أَيُقْتَلُ ظَمْآناً حُسَيْنٌ بِكَرْبَلا وفي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَنامِلِهِ بَحْرُ

اشتدّ به البكاء، ثمّ التفت إلى ضريح الحسينعليه السلام، قال: نعم, نعم هذا الحسين قتل عطشاناً, ما إن فرغت من القصيدة، حتّى غاب عن عيني، وبعدها التفتُّ أنّه يحمل سمات وشمائل الإمام المهديّ، وهو الّذي يحضر عند قراءة هذه القصيدة، لأنّها لم تقرأ في مجلس إلّا وحضره الإمام الحجّة.

ولا مصيبة عند إمام زماننا إلّا مصيبة جدّه الحسين عليه السلام، وفي زيارة النّاحية المقدّسة المرويّة عنه، يظهر لك عظيم المصاب، الّذي يحمله الإمام في صدره.

فتارة يخاطب جدّه الحسين عليه السلام بقوله: يا جدّاه, لَئِنْ أخّرتني الدّهور, وعاقني عن نصرك المقدور, ولم أكن لمن حاربك محارباً, ولمن نصب لك العداوة مناصباً, لأندبنّك صباحاً ومساءً, ولأبكينّ عليك بدل الدّموع دماً، حسرة على ما دهاك وتلهّفاً, حتّى أموت بلوعة المصاب, وغصّة الاكتئاب.

وتارة أخرى، يتفجّع عليه بقوله: السّلام على الشّفاه الذّابلات, السّلام على العيون الغائرات, السّلام على الجسوم الشّاحبات, السّلام على الأعضاء المقطّعات..

وثالثة يقرأ جزءاً من مصرع جدّه الحسين عليه السلام، بقوله: وهويت إلى الأرض صريعاً، تطؤك الخيول بحوافرها, وتعلوك الطّغاة ببواترها, قد رشح للموت جبينك, واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك، وأسرع فرسك شارداً, إلى خيامك قاصداً, محمحماً باكياً، فلمّا رأين النّساء جوادك مخزيّاً، ونظرن سرجه عليه ملويّاً، برزن من الخدور...، على الخدود لاطمات... وبالعويل داعيات، وبعد العزّ مذلّلات، وإلى مصرعك مبادرات، والشّمر جالس على صدرك، ومولع سيفه على نحرك، قابض شيبتك بيده، ذابح لك بمهنده، قد سكنت حواسك، وخفيت أنفاسك، ورفع إلى القنا رأسك.

عظّم الله لك الأجر سيّدي، يا صاحب الزّمان.
إِمَامَ العَصْرِ عَزَّ عَلَيْكَ مَا قَدْ رُزِيتَ بِهِ وَنَحْنُ بِهِ رُزِينا
وَأَعْظَمُها رَزايا الطّـَفِّ شــَجْواً غَدَاةَ السِّبْطُ قَدْ أَمْسَى رَهِينا

ويروى أنّه إذا ظهر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، قام بين الرّكن والمقام، وينادي بنداءات خمسة:

الأوّل: ألا يا أهل العالم، أنا الإمام القائم..
الثّاني: ألا يا أهل العالم، أنا الصّمصام2 المنتقم..
الثّالث: ألا يا أهل العالم، إنّ جدّي الحسين عليه السلام، قتلوه عطشاناً..
الرّابع: ألا يا أهل العالم، إنّ جدّي الحسين عليه السلام، طرحوه عرياناً..
الخامس: ألا يا أهل العالم، إنّ جدّي الحسين عليه السلام، سحقوه عدواناً3..

أحد الموالين رأى الإمام الحجّة صاحب العصر والزّمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في الرّؤيا، وسأله: سيّدي، من الّذي صلّى على الإمام الحسين عليه السلام. قال له الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف: اذهب، واسأل ولدنا السّيّد رضا الهنديّ. يقول الرّاوي: أصبح الصّباح، فذهبت إلى دار السّيّد رضا, طرقت عليه الباب, وأخبرته الخبر, فبكى, قلت: سيّد رضا, مِمَّ بكاؤك؟ قال: هذه الأبيات الّتي

نظمتها، لم أُطلع عليها أحداً:
صَلَّتْ عَلَى جِسْمِ الحُسَيْنِ سُيُوفُهُمْ فَغَدا لِــسَاجِدَةِ الظُّبا مِحْرابا
وَقَضَى لَهِيفاً لَمْ يَجِدْ غَيْرَ القَنا ظـِلّاً وَلاَ غَـــيْــرَ النَّجــِيعِ شـَرابا

نعم, بعد أن قضى شهيداً، أقبل القوم على سلبه عليه السلام, فلم يُبقوا للحسين عليه السلام شيئاً إلّا سلبوه, حتّى أن بجدل بن سليم الكلبيّ لعنه الله، لمّا لم يجد شيئاً يسلبه, نظر، وإذا بخاتم في خنصر الحسين عليه السلام، كلّما عالجه ليخرجه لم يتمكّن, لأنّ الدّماء والتّراب، قد جَمُدا عليه, فتناول سيفاً إلى جانبه، وصار يحزّ إصبع الحسين عليه السلام، إلى أن قطعه، وأخذ الخاتم4.

كأنّي بزينب تخاطبه:
يخايب خلّي اخويه احسين ساعه أغـــمــضــله ومــد للـموت باعه
ابــن الـنّـبـيّ الحــلـوه اطبــاعــــه دَخَلّي ابراح روح احسين تظهر

وبعد ذلك، نادى عمر بن سعد في أصحابه: ألا من ينتدب للحسين، فيوطئ الخيل ظهره وصدره؟ فانتدب منهم عشرة, فداسوا جسد الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم، حتّى رضّوا ظهره وصدره, وقالوا لابن زياد مفتخرين: نحن وطأنا بخيولنا ظهر الحسين عليه السلام حتّى طحنّا جناجن صدره...

هذا وأخته زينب واقفة تنظر، وتصرخ، وتقول: يا قوم, أما فيكم مسلم، يدفن هذا الغريب؟! كأنّي بها توجّهت نحو أهلها، ونادت:
يهلنه احسينكم رضـّوا اضــلوعــه اوشاف الـموت روعه بعد روعه
يصد لعياله اوتسـكب ادموعه يــخــافنها بــعد عينه تيسّر

ساعد الله قلبك يا بن الحسن، عندما تسمع صرخة عمّتك زينب, سيّدي متى تلبّي هذه الصّرخة؟ متى تنادي: يا لثارات الحسين!

وخذ بالــثّار يالـمذخور وترك


آه ينجل العسكر عيف النّوم واترك

صدر جــدّك بحرب الغاضريّة


علامه خيول امــيّه ادوس وتــرك

لِــــوَقْـــعَــةِ الـطَّفِّ الفَظِيعَهْ


(سيّدي) ماذا يُهِيجُكَ أَنْ صَبَرْت

بِـــأَمَضَّ مِنْ تِلْكَ الفَجِيعَه


أَتُــرَى تــَجِــيءُ فـــَجِـــيــعـــَةٌ

خـَيْلُ العِدَى طَحَنَتْ ضُلُوعَهْ


حَيْــثُ الحُســَيــْنُ عــَلَى الثــَّرَى

*مجالس الأئمة المعصومين(ع) 1, سلسلة مجالس العترة, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

1- القصيدة للّشيخ محسن الفاضلي
2- أي السيف القاطع.
3- إلزام النّاصب في إثبات الحجّة الغائب، الشّيخ عليّ اليزديّ الحائريّ ج 2، ص 246.
4- الظّاهر أنّ هذا الخاتم غير الخاتم الّذي أوصى به الإمام عليه السلام إلى ولده عليّ بن الحسين L، فجعل خاتمه في إصبعه، وفوّض إليه أمره، كما روي عن الإمام الصّادق عليه السلام.