نهج الامام علي في مواجهة انحراف الدولة 
((الحياة السياسية))
كان أَمَام الإمام علي عليه السلام: عدة طرق يمكن سلوكها إزاء الإنحراف والأحداث التي وقعت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نذكر منها:
1- إعلان الثورة وشهر السيف واسترداد الخلاصة بالقوة.
2- الإحتجاج بالنصوص على أحقيته بالإمامة.
3- الإكتفاء بالمعارضة والضغط والتوجيه وحماية الإسلام وتحصين الأمة ضد صدمة الإنحراف.

1- إعلان الثورة:
أما الطريق الأول: فلم يكن بالإمكان سلوكه لأن: علياً عليه السلام لو شهر سيفه وحاول تصفية الإنحراف الذي قام به التكتل الحاكم بالقوة فإن سلسلة من المعارضات الدموية الأخرى كانت سوف تنشأ داخل المجتمع الإسلامي.

أما التكتل الحاكم فلن يتراجع ويتنازل بل سيدافع وبكل قوة عن سلطته التي حصل عليها، فهو بعدما وصل إلى سدة الخلافة غير مبال بالنص الإلهي سوف يستميت في الدفاع عن سلطانه الذي وصل إليه ولن يتنازل عن مركزه الجديد بأدنى معارضة، ولذلك فقد يلجأ إلى المواجهة إذا ما فكر أحد الأطراف الثلاثة الأخرى بتجريده من منصب الخلافة.

وأما الأنصار، فهم وإن هددوا بالسيف على لسان زعيمهم سعد بن عبادة الذي خرج مخذولاً من السقيفة وهو يهدد ويقول رافضاً بيعة أبي بكر "لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي وأخضب سنان رمحي وأضرب بسيفي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني، ولو اجتمع معكم الجن والإنس ما بايعتكم" ولم يبايع حتى قتل غيلة في الشام في زمن خلافة عمر إلا أنهم لم يتجرءوا على مواجهة الحزب الحاكم لوحدهم، فيكونوا أول شاهر للسيف في وجه السلطان الجديد، إذ قد يخشون اتحاد المهاجرين أو اتحاد معظم المسلمين بمن فيهم الأمويون ضدهم، أو قد يعتبرون ذلك مما ليس له مسوغ شرعاً ولكنهم إذا ما رأوا علي بن أبي طالب عليه السلام والهاشميين قد شهروا سيوفهم، وإذا ما سمعوا صوتاً قوياً كصوت الهاشميين قد جهر بالثورة، فسوف يزول تهيبهم وسوف تسقط كل المحاذير المتقدمة ويندفعون في مواجهة السلطان الجديد ويمكن أن تكون النتيجة إجلاء عامة المهاجرين عن المدينة بالقوة بمن فيهم الهاشميون، تماماً كما هدد سعد بن عبادة فقد كان هذا التهديد بمثابة إعلان للحرب، ولعله كان ينتظر الفرصة السانحة لينتقم ولعل انتقامه سوف يكون من عامة المهاجرين إذ أن الإنقسام كان في السقيفة بين المهاجرين والأنصار.

وأما الأمويون فقد كانوا متأهبين للمعارضة الدموية وقد صرحوا بذلك لعلي عليه السلام حينما عرضوا عليه تزعم المعارضة لأبي بكر، فلو شهر علي السيف على أبي بكر وعمر فإن الأمويين سوف يشقون عصا الطاعة وقد يفصلون مكة عن المدينة محاولين استعادة سيطرتهم عليها.

إذن فقد كانت الثورة العلوية في تلك الظروف إعلاناً لمعارضة دموية تتبعها معارضات دموية أخرى ذات أهداف وأهواء شتى، وكان فيها تهيئة لظروف قد يستفيد منها المشركون والمنافقون والأمويون لتسديد ضربة قاتلة للإسلام، في الوقت الذي لن تنفع الثورة في إعادة الخلافة إلى علي عليه السلام بل ربما كانت الحرب الداخلية سوف تطول وتستمر وتصبح وبالاً على الإسلام والمسلمين.

فلم تكن ظروف المحنة لتسمح لعلي عليه السلام بأن يرفع صوته أو يشهر سيفه في وجه الحكم القائم بل الذي كان سوف يحصل هو تناحر قوى مختلفة وتقاتل مذاهب متعددة الأهداف والأغراض، مع ما كان سوف ينجم عن ذلك من تضييع للإسلام في اللحظة التي كان ينبغي للمسلمين أن يلتفّوا حول قيادة واحدة مهما كانت حفاظاً على الإسلام في مواجهة جيوش الردة وحالة الارتداد العامة عن الإسلام.

2- الإحتجاج بالنصوص:
وأما الطريق الثاني: وهو الإحتجاج بالنصوص على الإمامة فقد قرر علي عليه السلام تأجيل الإحتجاج بالنص إلى حين وذلك للأسباب التالية:
1- كان الوضع محموماً والأهواء ملتهبة فمن الممكن صدور رد فعل عالي يؤدي إلى نتائج سيئة قد تطيح بالنصوص التي هي الأمانة الغالية التي سوف تصل إلى الأجيال التالية وكان النبي قد أودعها في صدور المهاجرين والأنصار فإذا ما كذبها التكتل الحاكم وأنكرها فإنها يمكن أن تضيع إلى الأبد.

2- لو احتج علي عليه السلام بالنصوص كان سوف يثبت الإمامة الإلهية كمنصب وليس معناه إلا حرمان كل التكتلات الباقية من طموحها في السلطان إذا ما تقررت هذه النظرية وبالتالي سوف تنكر هذه النصوص التي لن تجد صوتاً يدافع عنها طالما الأمويون يطمحون إلى الملك وكان إثباتها يضر بهم في النهاية، والأنصار كذلك من مصلحتهم إنكارها لأنهم يناقضون أنفسهم إذا ما قبلوها، بل نجد أن عمراً يصارح ابن عباس بهذه الأفكار فيقول: "إن قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوة" ولعل الحصول على حليف ضد التكتل الحاكم مع تجاهل النص الإلهي كان أيسر كثيراً على علي بن أبي طالب عليه السلام من الحصول على حليف على أساس النصوص.

3- لو انتبه عمر إلى ما انتبه إليه الأمويون فيما بعد عندما استولوا على الخلافة وأسسوا مدرسة الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقطع النصوص من أصولها، إذن سوف يكون احتجاج علي بالنصوص تنبيهاً لعمر لخطرها.

4- حرص علي عليه السلام على عدم تدمير السنة فإن عمر عرّض بالرسول وقال إنه ليهجر وهو ما زال حياً فكيف بعد وفاته.

3- حماية الإسلام:
وأما الطريق الثالث: فهو الطريق الذي سلكه أمير المؤمنين عليه السلام إزاء الإنحراف بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
فمن الواضح أن الإمام علي عليه السلام لم يقتنع بما جرى بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسقيفة.. ولعدم قناعة الإمام عليه السلام بما جرى ظل مؤمناً بحقه في الخلافة، وقد وقف إزاء الإنحراف على خطين: 

الخط الأول: هو خط محاولة تسلم زمام الحكم ومحو أثار الإنحراف وإرجاع القيادة إلى موضعها الطبيعي.
الخط الثاني: هو خط حماية الإسلام وتحصين الأمة ضد الإنهيار بعد سقوط التجربة، وإعطائها (الأمة) من المقومات القدر الكافي لكي تبقى وتقف على قدميها وتعيش المحنة بقدم راسخة وبروح مجاهدة وبإيمان ثابت.

على الخط الأول: خط المعارضة ومحاولة تسلم زمام الحكم عمل علي عليه السلام في هذا الخط حتى قيل إنه أشد الناس رغبة في الحكم والولاية، وحتى اتهمه معاوية بأنه طالب جاه وسلطان، واتهمه بكل ما يمكن أن يتهم به شخص يطالب بالزعامة.

وقد بدأ هذا العمل عقيب وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة، حيث قام عليه السلام بعدة خطوات في هذا المجال نذكر منها: 
أ- معارضة التكتل الحاكم ورفض نتائج السقيفة وبيان أنه أحق بالأمر من أولئك الذين استولوا على الخلافة.
فقد رفض علي عليه السلام في البداية مبايعة أبي بكر، وظل ممتنعاً ستة شهور1 مسجلاً بذلك معارضته لما جرى.. وامتنع عن البيعة قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي عليه السلام، منهم العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير، والمقداد، وسلمان، وأبو ذر، وعمّار، والبراء بن عازب وغيرهم2.

وتحصنوا في بيت فاطمة عليها السلام، فبعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم بالقوة، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيتهم فاطمة عليها السلام، فقالت: "يا ابن الخطاب، أجئت لتحرق دارنا"؟!

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة3.
وحرصاً من علي عليه السلام على عدم وقوع أية مواجهة قد تؤدي إلى فتنة وحرب داخلية ليست في مصلحة الإسلام والمسلمين، انقاد علي عليه السلام وذهب معهم حيث أبو بكر إلا أنه ظل ممتنعاً عن البيعة ومعلناً أحقيته بالإمامة، وعندما قيل له: بايع قال عليه السلام: "أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم. وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأعطوكم المقادة وسلّموا إليكم الإمارة، وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فأنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون".

فقال عمر: إنك لست متروكاً حتى تبايع!
فقال عليه السلام: "إحْلِبْ حَلَباً لك شطره، والله ما حرصك على إمارته اليوم إلا ليؤثرك غداً".
فقال له أبو بكر: إن لم تبايعني لم أكرهك.

ثم قال علي عليه السلام: "يا معشر المهاجرين، الله الله لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم، أما كان منا القارئ لكتاب الله، الفقيه لدين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية؟ والله إنه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً"4.

ب- محاولة إيجاد تعبئة وتوعية فكرية عامة في صفوف المؤمنين، وإشعارهم بأن الوضع الذي نشأ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وضع منحرف ينبغي تغييره.
فقد ذكر المؤرخون أن علياً عليه السلام كان يجول وفاطمة عليها السلام على بيوت المسلمين ورجالات المدينة سراً يعظهم ويعبئهم ويذكرهم ببراهين الحق واياته ويسألهم النصرة. 
وقد أشار معاوية إلى ذلك في كتابه إلى علي عليه السلام حيث يقول: "وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلاً على حمار ويدك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر الصديق، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك، ومشيت إليهم بامرأتك، وأدللت إليهم بابنيك، واستنصرتهم على صاحب رسول الله، فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة.."5.

ج- حركة السيدة فاطمة عليها السلام في المطالبة بفدك، ومواقفها من موضوع الخلافة.
فنحن نعلم أنه لم يكن دافع السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام هو المطالبة بمزرعة مهما كان وزنها الإقتصادي ومهما كانت غلاّتها ونتاجها، بل كان سعياً نحو هدف سام يقترب من المطالبة باسترداد حق الإمامة المغتصب ومن محاولة تقويم انحراف خطير وقعت فيه الأمة.. وتهديم البنيان الذي بني يوم السقيفة.

فهذه خطبتها أمام أبي بكر وجمع من المهاجرين والأنصار تركز فيها على شخصية علي عليه السلام من خلال مواقفه الجهادية. وعلى حق أهل البيت عليه السلام ومقامهم، وأن المسلمين أساءوا الإختيار وتركوا الكتاب والسنة وأسندوا الأمر إلى غير أهله. وكذلك خطبتها في نساء المهاجرين والأنصار.

ولذلك نجد أن جواب أبي بكر بعد ما انتهت الزهراء عليها السلام من خطبتها وخرجت من المسجد ركز فيه على علي عليه السلام حيث هاجمه ونطق فيه بكلام يعبر عن الغضب ولم يذكر فيه شيئاً عن الإرث والنحلة. مما يدل على أن خطوة السيدة الزهراء عليها السلام هذه كانت خطوة تصعيد سياسي في مواجهة الإنحراف، وأن الذي كان يقود هذه المواجهة في الحقيقة هو علي عليه السلام.

إذن فقد كان علي عليه السلام يحاول إزالة الإنحراف وتسلم زمام الحكم وتعبئة المسلمين في هذا الخط، إلا أن هذه المحاولة وهذه التعبئة لم تنجح لأسباب بعضها يرتبط بشخص علي عليه السلام، وبعضها الاخر يرتبط بانخفاض وعي المسلمين أنفسهم، فهم لم يدركوا أخطار ما حصل في السقيفة ولم يدركوا أن يوم السقيفة كان هو اليوم الذي سوف ينفتح منه كل ما انفتح من بلاء للإسلام والمسلمين، بل رأوا وجوهاً ظاهرة الصلاح قد تصدت لزعامة المسلمين ولقيادتهم، وتخيلوا أن من الممكن في ظل هكذا قيادة أن يطبق الإسلام وأن تحفظ الأمة6.

ويرى المؤرخون أن علياً عليه السلام لم يقدم على مصالحة أبي بكر إلا بعد وفاة فاطمة عليها السلام وانصراف وجوه الناس عنه، وعدم وجود الناصر7 ويقول البلاذري: لما ارتدّت العرب مشى عثمان إلى علي فقال: يا ابن عم، إنه لا يخرج أحدٌ إلى قتال هذا العدو وأنت لم تبايع، فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر فبايعه8.

بعد هذا، سكت أمير المؤمنين عليه السلام ولم يبد على مسرح الصراع المكشوف في أيام أبي بكر وعمر وقد تعامل عليه السلام مع الخلافة في هذه المرحلة حسب ما تحكم به المصلحة الإسلامية حفظاً وصوناً لوحدة المسلمين من التمزق والضياع، وتحقيقاً للمصالح الإسلامية العليا التي جاهد من أجلها.

وقد تصدى في هذا الإطار لتوجيه الحياة الإسلامية وفقاً لما تقتضيه رسالة الله تعالى في الحقول التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومن أجل ذلك فإن الباحث التاريخي في حياة الإمام عليه السلام لا يلبث إلا أن يلتقي مع مئات المواقف والأحداث في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، التي لا تجد غير الإمام عليه السلام مدبراً لها ومعالجاً وقاضياً بأمر الشريعة فيها.

وللإمام عليه السلام تعليق بهذا الصدد يقول: "فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليّ‏َ أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب أو كما ينقشع السحاب فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه"9.

وبعد أن تم الأمر لعثمان بشورى عمر، قال علي عليه السلام: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن إلا جورٌ عليّ خاصة"، وبذلك فقد أعلن السكوت بشرط أن تسلم أمور المسلمين وأما إذا تعدى الأمر حدوده الشخصية وأصبح يطال الإسلام والمسلمين فسوف يكون الأمر مختلفاً.

وبذلك الشعار برزت أيضاً رسالية علي عليه السلام الذي بقي ملتزماً بالسكوت إلى أن بدأ الإنحراف العثماني وأسفر بشكل مفضوح، وهنا أسفر علي عليه السلام عن معارضته وأخذ بمواجهة عثمان.
وأما على الخط الثاني: فقد كانت الأمة تواجه خطراً محدقاً من جهة أن التجربة الإسلامية قصيرة العمر وسوف تسرع القيادة المنحرفة في إفنائها ومن جهة أن تطبيقات التجربة كانت سوف تأتي مشوهة على يدي هذه القيادة.

فجاهد الإمام على الجبهتين فحاول إطالة عمر التجربة الإسلامية الصحيحة وإفساح المجال لها لتثبيت جدارتها كما حاول تحطيم التجربة المنحرفة وتحجيمها. وقد كان له عليه السلام أسلوبان:

الأسلوب الأول: 
فقد واجه قادة التجربة المنحرفون قضايا ومشاكل كثيرة وكانوا لا يحسنون مواجهتها ولا حلها، ولو حاولوا لوقعوا في أشد الأضرار والأخطار ولأوقعوا المسلمين في أشد التناقضات ولأصبحت التجربة أقرب إلى الموت والفناء وأسرع إلى الهلاك.. وهنا كان الإمام عليه السلام يتدخل تدخلاً إيجابياً موجهاً في سبيل إنقاذ التجربة من المزيد من الضياع ومن السير في الضلال..

فكان مثلاً يعين تلك القيادات التي تولت التجربة على مواجهة المشاكل العقائدية التي كانت تثيرها الأديان الأخرى التي بدأت تعاشر المسلمين ولم تكن تلك القيادات بمستوى القدرة على حلّها..
ونجده يتدخل حينما وقع البحث بين المسلمين بعد فتح العراق في أنه هل توزع أراضي العراق على المجاهدين أم تبقى ملكاً عاماً للمسلمين؟ وكان هناك اتجاه واضح كبير بينهم إلى الحل الأول ومعنى ذلك تشريع قاعدة عامة سوف تعطي إيران وسوريا ومصر والعراق وإفريقيا وأوروبا وكل البلاد التي سوف تفتح بعد ذلك لالاف من المجاهدين المسلمين وبذلك سوف ينشأ إقطاع لا نظير له في التاريخ.. وبقي عمر متحيراً لأنه لا يعرف ماذا يصنع لأنه لا يعرف الأصلح في هذه المسألة فتدخل علي بن أبي طالب عليه السلام وحسم الخلاف وبيّن وجهة النظر الإسلامية فأخذ عمر بنظر الإمام وأنقذ الإسلام من الدمار الكبير... 

وكذلك عندما أراد عمر إعلان النفير العام والخروج من المدينة مع جميع المسلمين فيها إلى الجهاد فأسرع علي عليه السلام إلى المسجد وقال له لا تنفر نفيراً عاماً..
وحذره من ذلك وبيّن له أخطاره وأن العاصمة الإسلامية سوف تفرغ وتهدد حينئذٍ بالغزو من قِبَل المشركين والكافرين، وبهذا يمكن أن يقضى على الدولة الإسلامية، فامتنع عمر عن إعلان النفير العام..

بذلك طوّل علي عليه السلام عمر التجربة الإسلامية ومنع القيادة المنحرفة من تقصير عمرها ودفعها نحو الضياع واليأس..

الأسلوب الثاني:
فقد كان معارضة القيادات المنحرفة وتهديدها من أجل منعها من المزيد من الإنحراف ولكن على سبيل التوجيه. فالأسلوب الأول كان يفترض الحاكم ضالاً وفارغاً دينياً فيحتاج إلى توجيه وأما الأسلوب الثاني فالحاكم فيه ضال وخطير لا يقبل التوجيه فيحتاج إلى المواجهة والمعارضة لأجل إيقافه عند حده ومنعه من التمادي في الإنحراف.

ففي إحدى المرات صعد عمر على المنبر وقال: ماذا كنتم تعملون لو أنا صرفناكم عما تعلمون إلى ما تنكرون؟ كان يريد أن يقدّر الموقف فيما لو ارتكب ما يصرف الأمة عما تعلم إلى ما تنكر أي فيما لو انحرف انحرافاً عن الرسالة بحيث تراه الأمة وتكشفه، فهنا يريد استطلاع موقف الأمة وماذا سيكون رد فعلها، فلم يقم له إلا علي عليه السلام له: لو فعلت ذلك لعدّلناك بسيوفنا..

فالبرغم من أن الشعار العام للإمام عليه السلام في زمن عمر وأبي بكر لم يكن التنزّل إلى مستوى استعمال السيف إلا أنه من أجل ضبط هذا الحاكم كان يلوّح بالسيف فقط ولكنه في زمن عثمان يقود المعارضة بعد أن كشّر الإنحراف عن أنيابه فأخذ يعلن معارضته ليتحول إلى عنصر استقطاب لامال المسلمين ومشاعرهم واتجاههم نحو حكم صحيح، وقد كان هو المرشح الأساسي والوحيد لذلك..

1- راجع معالم المدرستين ج 1، ص‏172 171 عن مصادر كثيرة.
2- المصدر: ج 1، ص‏161.
3- المصدر: ج 1، ص‏167.
4- المصدر نفسه: ج‏1، ص‏169.
5- المصدر ج 1، ص‏1، ص‏171 170.
6- راجع في هذا الصدد: أهل البيت عليه السلام وحدة هدف وتنوع أدوار، ص‏81 وما بعدها. 
7- معالم المدرستين: ج 1، ص‏172.
8- أنساب الأشراف: ج 1، ص‏587.
9- نهج البلاغة/تبويب، د. صبحي الصالح، ص‏451.