الدور الرسالي في مكة 
((البعثة))
لقد مرّ تبليغ الرّسالة الإسلامية على يدي النبيّ العظيم بثلاثة أدوار على الأقل حتى تهيّأت الظروف لتأسيس أوّل دولة إسلامية مباركة وهي كما يلي

1 ـ دور إعداد القاعدة الأولى للرسالة الإسلامية. واصطلح البعض على هذا الدور بدور الخفاء أو دور الدعوة الخاصة.
2 ـ دور الدعوة المحدودة بالأقربين والصراع المحدود مع الوثنية.
3 ـ دور الصراع الشامل.

تحرك النبيّ صلَّى الله عليه وآله داعياً إلى الإسلام بعد أن أمره الله تعالى بالقيام والإنذار ساعياً لبناء كتلة إيمانية تكون بؤرة نور وإشعاع لهداية المجتمع واستمر الحال هكذا حوالي ثلاث سنين مسدداً بالغيب معصوماً من الزلل.
وكان التحرك الرسالي هذا محفوفاً بالمخاطر والصعوبات ولكنه كان متقناً متكاملاً.
وكان من أسلوب الرسول صلَّى الله عليه وآله في هذه المرحلة من الدعوة أن ينوّع الاختيار من حيث الانتماء القبلي والموقع الجغرافي والعمر لأتباعه ليوضح شمولية الرسالة ويضمن لها الانتشار في المجتمع إلى أقصى ما يمكن; فاستجاب له ـ في بداية البعثة ـ المستضعفون والفقراء إذ كانت الرسالة الإسلامية منطلقاً نحو التسامي والحياة الكريمة والأمان، كما استجاب له من الأشراف من كان ذا نفس طيّبة وعقل منفتح ورغبة ففي السلوك النزيه.

ولم يتحسّس جبابرة قريش خطورة الرسالة وحسبوا أن الأمر لا يعدو تكهّنات وتأملات لها سوابق اندثرت; فلم يشدّدوا على محاربتهم للرسالة للقضاء عليها في مهدها.
وفي هذا الوقت القصير استطاع الرسول صلَّى الله عليه وآله أن يصوغ من النفوس التي آمنت برسالته عناصر فعالة تحمل قيم الرسالة لتنطلق بها للناس، وهم أشد حرصاً على إسلامهم وأكثر يقيناً بإيمانهم مستنكرين بذلك ما كان عليه آباؤهم من شرك وخلق منحرف حتى تزايد الاستعداد لديهم لتحمل آثار الجهر بالرسالة.
ويروى أن النبيّ صلَّى الله عليه وآله وأصحابه ـ في هذه الفترة ـ كانوا إذا جاء وقت العصر تفرقوا في الشِعاب فصلّوا فرادى ومثنى، فبينما رجلان من المسلمين يصليان في بعض شعاب مكة اِذ ظهر عليهما رجلان من المشركين ـ كانا فاحشين ـ فناكراهما وعابا عليهما ما يصنعان ثم تضاربوا، وانصرفا .
ولتجنب هذا النوع من المواجهات استعان النبي ببعض الدور للتخفي لممارسة العبادة والاتصال المنتظم به صلَّى الله عليه وآله بعيداً عن أنظار قريش فكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم خير ملجأ للمسلمين حينئذ 1.

1-اعلم الهداية ج 1 ص 78_79.