فاطمة عليها السلام وعلاقتها بالحسين عليه السلام
((حياة السيدة الزهراء(ع)))
للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام عدة أولاد منهم الحسن والحسين عليهم السلام، علما ان علاقتها كانت بهذين الولدين تفوق علاقة أكثر الامهات في تاريخ البشرية وذلك نابع من كونهم ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اضافة إلى كونهم النسل الطاهر لها، وبمقتضى علاقة الام بأبنائها ولقد حدثنا التاريخ عن نشوء هذه العلاقة بين الام من جهة وبين ابنائها ومن خلال الاحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام من جهة اخرى، والذي نريد التركيز عليه هنا في هذا الموضوع الختامي لكتابنا هذا هو علاقة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام بولدها الحسين عليها السلام ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان يلقمه حباً وحجراً دافأ خلال حياته الشريفة، كيف لا وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إلى الحسين بأنه حامل فكره على مدى الزمن حياةً وشهادةً لكي يضيء من خلال ذلك للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية عبر مرّ العصور، وعلى أي حال فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استمد من وراء الغيب علمه بأن بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام سوف يتفرع منها الغصن والثمرة الطيبة لأئمة أهل البيت عليهم السلام والذين يعملون اعباء الإمامة ويدعون الناس عبر مرّ الالسنين والاعوام إلى طريق الهداية والتقوى والصلاح في الدين والدنيا والاخرة لذا كان الرسول يولي اهتماماً بالغاً ببضعته الطاهرة عليها السلام وبولديها الحسن والحسين عليهم السلام، وفي الموضوع وعلى هذا الاساس سوف نولي اهتماما بارزاً من خلال النصوص بحياة الصديقة الشهيدة وعلاقتها انذاك بولدها الحسين عليه السلام مستمدين ذلك من آثار الرسول وأهل بيته وكلماتهم النورانية التي نشروها خلال سيرة حياتهم الشريفة والتي كلها دروس وعبر للمؤمنين على مر العصور والازمان.
الولادة الميمونة
مضت عدة ايام على ولادة الإمام الحسن عليه السلام وامتلأ البيت النبوي سروراً وفرحاً ولم تمض الايام القليلة حددها المؤرخين باثنين وخمسين يوماً حتى علقت سيدة النساء بحمل جديد ظل يتطلع إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسائر المسلمين بفارغ الصبر وكلهم رجاء وأمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر ليضيء في سماء الأمة الاسلامية ويكون امتداداً لحياة المنقذ العظيم 1 . ورأت السيدة ام الفضل بنت الحارث2 في منامها رؤية غريبة لم تهتد إلى تأويلها، فهرغت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلة له:" إني رأيت حلماً منكراً كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري؟..." فأزاح النبي مخاوفها وبشرها بخير قائلاً:" خيراً رأيت، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك..." ومضت الايام سريعاً فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل كما أخبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم 3 .
إخبار فاطمة بقتل الحسين عليه السلام
عن ابي عبدالله عليه السلام: ان جبرئيل عليه السلام نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام، ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليها السلام تقتله أمتك من بعدك.
فقال: يا جبرئيل، وعلى ربي السلام، لاحاجة لي في مولود تقتله امتي من بعدي، قال: فعرج جبرئيل إلى السماء، ثم هبط فقال له مثل ذلك.
فقال: يا جبرئيل وعلى ربي السلام، لاحاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي، فعرج جبرئيل إلى السماء، ثم هبط فقال له: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام، ويبشرك انه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: قد رضيت، ثم أرسل إلى فاطمة عليها السلام أن الله" تبارك وتعالى" يبشرك بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي، فأرسك إليه: أن لاحاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك، من بعدك. فأرسل اليها ان الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية فأرسلت: أني قد رضيت،" حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحاً ترضيه وأصلح لي في ذريتي إني تبت اليك واني من المسلمين"4 .
وايضا عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان الحسين مع أمه صلى الله عليه وآله وسلم تحمله، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك واهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من اعان عليك.
قالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبة، أيّ شيء تقول؟
قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الاذى والظلم والغدر والبغي وهو يومئذ في عصبة، كأنهم نجوم السماء يتهاوون إلى القتل، وكأني أنظر بالى معسكرهم وإلى موضع رحالهم، وتربتهم، قالت يا أبة، وأبة، واين الوضع الذي تصف؟
قال الموضع يقال له:" كربلاء" وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة.
يخرج عليهم شرار امتي، ولو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار.
قال يا أبة، فيقتل؟ قال: نعم يا بنتاه، وما قتل قتلته أحد كان قبله، وتبكيه السماوات والأرضين والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض منقذ، ويأتيه من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، اولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم ـ إذا وردوا علي ـ بسيماهم. وكل أهل دين يطلبون ائمتهم وهم يطلبوننا ولا يطلبون غيرنا، وهم قوّام الأرض وبهم ينزل الغيث.
فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبة إنا لله، وبكت.
فقال لها: يا بنتاه، إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً، فما عندالله خير من الدنيا وما فيها، قتلة أهون من ميتة ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ومن لم يقتل سوف يموت.
يا فاطمة محمد، أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر، فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض، فيسقي منه أوليائه ويذود عنه أعدائه؟..
أما ترضين أن يكون بعلك مشيم النار بأمر النار، فتطيعه يخرج منها من يشاء، ويترك من يشاء. أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وما تأمرين به وينظرون إلى بعلك، قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله، فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتلك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق وامرت النار أن تطيعه؟
اما ترضين ان تكون الملائكة تبكي لأبنك ويأسف عليه كل شيء؟
اما ترضين ان يكون من أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ولم يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وأن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ولم يزل في حفظ الله وأمنه، حتى يفارق الدنيا.
قال يا أبة، سلمت ورضيت وتوكلت على الله فمسح على قلبها ومسح على عينيها وقال: إنّي وبعلك وانت وابنيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك 5 .
أول مأتم للحسين عليه السلام
عندما بشر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادة الحسين من ابنته الزهراء عليها السلام فرح فرحاً شديداً ولكن سرعان ما تبدد هذا الفرح وتحول إلى حزن وذلك عندما أخبر جبرئيل الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن ولده هذا سوف يقتل من قبل امته في أرض تسمى كربلاء في العراق، ولكن الله سبحانه وتعالى على أثر شهادته وكرامةً له يجعل من صلبه تسعة من الأئمة الطاهرون المطهرون آخرهم قائمهم" عج" يملأ الله به الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ولذلك كان أول مأتم عزاء حقيقي في تأريخ هذه الأمة عندما ولد الحسين عليه السلام حيث بكته أمه الزهراء وأباه أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى ذلك أشار التأريخ عبر رواياته وتاريخه الحافل، حيث يقول الشيخ التستري في كتابه الخصائص الحسينية" ان أول مأتم للحسين اقيم في عهد هذه الأمة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" فلو نظرنا إلى قوله هذا نجد هناك قرينة واضحة البيان وهي" في عهد هذه الأمة" دالة على انه كانت هناك مآتم في غير عهد هذه الأمة.
اذن كانت هناك مآتم عزاء على الحسين عليه السلام من قبل الأنبياء والرسل الذين سبقوا خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكن كيف اقاموا هؤلاء الأنبياء المآتم على الحسين، وكيف بكواعليه؟ هذا ما نجده واضحاً من خلال استقراء التاريخ حيث يخبرنا التاريخ أن ذلك كان ناتج من أخبار الله تعالى لهم بما يجري على الحسين وان يجعلوه وسيلة لقربة وان يدعوا على قاتليه باللعنة وسوء العذاب وهذا ما تراه في كتاب عوالم الإمام الحسين واضحاً وجلياً، اذن كان أول مأتم في عهد امه الزهراء حيث بكت عليه وناحت لأجله لذا لابد لنا ان نقوي علاقتنا مع الحسين لما له من تأثير كبير في زيادة علاقتنا بالصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام.
حب فاطمة عليها السلام للحسين عليه السلام
روي أنه دخل الحسن والحسين عليهما السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فشم الحسن في فمه الشريف وشم الحسين في نحره فقام الحسين واقبل إلى أمه فقال لها: اماه شمي فمي هل تجدين فيه رائحة يكرهها جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشمته في فمه فإذا هو أطيب من المسك ثم جاءت به إلى ابيها فقالت له: ابه لم كسرت قلب ولدي الحسين فقال صلى الله عليه وآله وسلم مم؟ قالت: تشم اخاه في فمه وتشمه في نحره فلما سمع بكى وقال: بنيه اما ولدي الحسن فإني شممته في فمه لأنه يسقى السم فيموت مسموماً واما الحسين عليه السلام فإني شممته في نحره لأنه يذبح منالوريد إلى الوريد فلما سمعت فاطمة بكت بكاء شديداً وقالت: أبه متى يكون ذلك؟ فقال: بنية في زمان خال مني ومنك ومن أبيه وأخيه فأشتد بكاؤها ثم قالت: ابه فمن يبكي عليه ومن يلتزم بأقامة العزاء عليه؟ فقال لها: بنية فاطمة أن نساء أمتي يبكين عل نساء أهل بيتي ورجالهم يبكون على ولدي الحسين وأهل بيته ويجددون عليه العزاء جيلاً بعد جيل فاذا كان يوم القيامة انت تشفعين للنساء وانا اشفع للرجال وكل من يبكي على ولدي الحسين أخذنا بيده وادخلناه الجنة.
الحسين عليه السلام وحجر فاطمة عليها السلام
وعنت سيدة نساء عليها السلام بتربية وليدها الحسين فغمرته بالحنان والعطف لتكون له بذلك شخصيته الإستقلالية والشعور بذاتياته كما غذته بالآداب الإسلامية، وعودته على الإستقامة والإتجاه المطلق نحو الخير والصلاح، كيف لا، وهي ربيبة الوحي وسليلة التقوى فهي أم أبيها، وزوجة أمير المؤمنين، كيف لا ونحن نعلم ان الأم الطاهرة هي المدرسة الأولى للطفل فيها ينشأ وإليها يغدوا وعليها يربوا، وكما قيل:
الأم مـدرسة إذا اعــددتها اعددت شعباً طيب الأعـراق
الأم روض تعــهده الحـيا بـالري أورق ايـما ايـراق
الأم استاذ الأسـاتذة الالـى شغلت مآثرهم مدى الآفـاق.
هكذا هي الام فهي شمعة مقدسة تضيء ليل الحياة بتواضع ليل الحياة بتواضع ورقة وفائدة،فهي التي تصنع الحياة وهي الكنز الحقيقي الذي لا اضمحلال له، وكما قيل: مدرستي الأولى على صدر امي، وإني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجوا أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي الملاك فالأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها، وهكذا كانت الزهراء الام المثالية التي تربى في حجرها الحسين عليه السلام وغذته بالاخلاق الحميدة والخصال الرفيعة وإلى ذلك يقول العلائلي في كتابه الإمام الحسين ص 289:" والذي انتهى إلينا من مجموعة أخبار الحسين ان امه عنيت ببث المثل الإسلامية الإعتقادية لتشييع في نفسه فكره الفضيلة على أتم معانيها، وأصح أوضاعها ولا بدع فأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف على توجيهه أيضاً في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالإستقلال، فالسيدة فاطمة نمت في نفسها فكرة الخير، والحب المطلق والواجب ومددت في جوانحه وخوالجه افكار الفضائل العليا بأن وجهت المباديء الأدبية في طبيعته الوليدة، من أن تكون هي نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع، وبذلك يكون الطفل قد رسم بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المباديء الأدبية على شخص والدته وقصرها عليها وما تجاوز بها إلى سواها من الكوائن، ورسمت له والدته دائرة غير متناهية حينجعلت فكرة الله نقطة الارتكاز، ثم أدارت المباديء الأدبية والفضائل عليها فاتسعت نفسه لتشمل وتستغرق العالم بعواطفها المهذبة، وتأخذه بالمثل الأعلى للخير والجمال..." لقد نشأ الحسين في تلك الأسرة الطبيعية الأعراف الطاهرة من الأدناس وفي حجر سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وقد صار بهذه التربية المثل الأعلى للأجيال حيث رسم الشهادة في جبين الإسلام كتضحية من أجل الأهداف التربوية التي تغذاها من حجر امه ومن ضمير جده ورعاية أبيه المرتضى، أجل إنّه الحسين الكبير ذلك الفذ من الأفذاذ الذي علموا البشرية وعلموا الأجيال كل طرق الخير والصلاح لا خير في أن يقول غاندي محرر الهند" تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر".
فاطمة عليها السلام يوم القيامة
للصديقة فاطمة عليها السلام يوم القيامة مواقف عديدة تقف فيها ضد قتلة الحسين وأنصارهم، فمنها عندما تأتي يوم القيامة وتقف في عرصات المحشر، فيأتيه الخطاب من الباري عزوجل... يا فاطمي: سلي حاجتك، فتقول يا رب... يارب أرني الحسين... فيأتيها الحسين عليه السلام وأوداجه تشخب دماً، وهو يقول: يا رب، خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني، عند ذلك تقف سلام الله عليها مؤقتا موقفا شريفا من مواقف يوم القيامة، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين عليه السلام بيدها ملطخا بدمه:
لابـد ان تـرد القـيامة فـاطم وقميصها بــدم الحسين ملطخ
ويل لمـن شـفعاؤه خـصمائه والصـور فـي القـيامة يـنفخ
وتقول يا رب، هذا قميص ولدي، وقد علمت ماصنع به، يا عدل، احكم بيني وبين قاتل ولدي... أنت الجبار العدل اقضي بيني وبين من قتل ولدي... فيغضب عند ذلك الجليل، وتغضب لغضبه جهنم والملائكة اجمعون... فيأتيها النداء من قبل الله عزوجل: يا فاطمة ! لك عندي الرضا فتقول يا رب انتصر لي من قاتله، فيأمر الله تعالى عنقا من النار فتخرج من جهنم، فتلتقط من جهنم قتلة الحسين بن علي عليه السلام كما يلتقط الطير الجيد من الحب الرديء، ثم يعود العنق بهم إلى النار فيعذبون فيها بأنواع العذاب، ولها مواقف آخر مع انصار الحسين واصحابه وشيعته وفيمن بكى عليه في الدنيا وأقام العزاء لمصابه الجليل حيث ورد في الأخبار الشريفة، انها تأتي يوم القيامة، فتقول ي رب حاجتي أن تغفر لي، ولمن نصر ولدي الحسين عليه السلام.
اللهم اشفعني فيمن بكى على مصيبته... الهي أنت المنى وفوق المنى، أسألك أن لا تعذب محبي ومحب عترتي بالنار... إلهي وسيدي ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد... فيأتيها الخطاب... يا فاطمة قد غفرت لشيعتك... وشيعة ولدك الحسين... يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن اخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار... فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين، فتسير فاطمة ومعها شيعتها، وشيعة ولدها الحسين عليه السلام وشيعة آمير المؤمنين عليه السلام آمنة روعاتهم، مستورة عوراتهم، قد ذهبت عنهم الشدائد، وسهلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظماً الناس وهم لا يظمأون... عند ذلك تصر فاطمة عليها السلام وتسير إلى الجنة...
فتكون أول من تكسى ويستقبلها من الفردوس، اثنتا عشر ألف حوراء لم يستقبل أحداً قبلها ولا أحد بعدها على نجائب من ياقوتة اجنحتها وأزمتها اللؤلؤ عليها، حائل من درّ... فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس... فيباشر بها أهل الجنان... فتجلسى على كرسي من نور ويجلس حولها، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلى أحد بعد فتقول: قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته، وأباحني جنته، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي، وحفظهم من بعدي، فيوحي الله إلى الملك من غير أن يزول من مكانه: أن سرّها وبشرها أني قد شفعتها في ولدها ومن ودّهم بعدها وحفظهم فيها... فتقول عليها السلام: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن وأقر عيني ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم﴾.
* هذه المضامين ملخص احاديث من الكتب التالية: تفسيرفرات: 169، ينابيع المودة: 260، مجالس المفيد: 84، عيون اخبار الرضا: 2 / 8 ح 12، امالى الصدوق: 25 ح 4، علل الشرائع 1 / 179 ح 6، دلائل الامامة: 57، تأويل الايات: 2 /483 ح 12، روضة الواعظين: 179، مناقب ابن شهر آشوب: 3 / 107 بشارة المصطفى: 22. أنظر الأسرار الفاطمية / محمد فضل المسعودي البحث السادس عشر.
1-حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي: 1 / 25.
2-راجع ترجمتها في الطبقات الكبرى: 8 / 278، والاصابة: 4 / 464.
3-مستدرك الصحيحين: 3 / 127 عن حياة الإمام الحسين للقريشي: 26.
4-كامل الزيارات: 56/ الكافي: 1 /464 ح 4، اثبات الهداية: 1 / 414 ح 13.
5-تفسير فرات الكوفي: 171، عنه البحار: 44 | 264 ح 22.
((حياة السيدة الزهراء(ع)))
للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام عدة أولاد منهم الحسن والحسين عليهم السلام، علما ان علاقتها كانت بهذين الولدين تفوق علاقة أكثر الامهات في تاريخ البشرية وذلك نابع من كونهم ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اضافة إلى كونهم النسل الطاهر لها، وبمقتضى علاقة الام بأبنائها ولقد حدثنا التاريخ عن نشوء هذه العلاقة بين الام من جهة وبين ابنائها ومن خلال الاحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام من جهة اخرى، والذي نريد التركيز عليه هنا في هذا الموضوع الختامي لكتابنا هذا هو علاقة الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام بولدها الحسين عليها السلام ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان يلقمه حباً وحجراً دافأ خلال حياته الشريفة، كيف لا وكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إلى الحسين بأنه حامل فكره على مدى الزمن حياةً وشهادةً لكي يضيء من خلال ذلك للناس حياتهم الفكرية والاجتماعية والسياسية عبر مرّ العصور، وعلى أي حال فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استمد من وراء الغيب علمه بأن بضعته الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام سوف يتفرع منها الغصن والثمرة الطيبة لأئمة أهل البيت عليهم السلام والذين يعملون اعباء الإمامة ويدعون الناس عبر مرّ الالسنين والاعوام إلى طريق الهداية والتقوى والصلاح في الدين والدنيا والاخرة لذا كان الرسول يولي اهتماماً بالغاً ببضعته الطاهرة عليها السلام وبولديها الحسن والحسين عليهم السلام، وفي الموضوع وعلى هذا الاساس سوف نولي اهتماما بارزاً من خلال النصوص بحياة الصديقة الشهيدة وعلاقتها انذاك بولدها الحسين عليه السلام مستمدين ذلك من آثار الرسول وأهل بيته وكلماتهم النورانية التي نشروها خلال سيرة حياتهم الشريفة والتي كلها دروس وعبر للمؤمنين على مر العصور والازمان.
الولادة الميمونة
مضت عدة ايام على ولادة الإمام الحسن عليه السلام وامتلأ البيت النبوي سروراً وفرحاً ولم تمض الايام القليلة حددها المؤرخين باثنين وخمسين يوماً حتى علقت سيدة النساء بحمل جديد ظل يتطلع إليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسائر المسلمين بفارغ الصبر وكلهم رجاء وأمل في أن يشفع الله ذلك الكوكب بكوكب آخر ليضيء في سماء الأمة الاسلامية ويكون امتداداً لحياة المنقذ العظيم 1 . ورأت السيدة ام الفضل بنت الحارث2 في منامها رؤية غريبة لم تهتد إلى تأويلها، فهرغت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائلة له:" إني رأيت حلماً منكراً كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري؟..." فأزاح النبي مخاوفها وبشرها بخير قائلاً:" خيراً رأيت، تلد فاطمة ان شاء الله غلاماً فيكون في حجرك..." ومضت الايام سريعاً فوضعت سيدة النساء فاطمة ولدها الحسين فكان في حجر أم الفضل كما أخبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم 3 .
إخبار فاطمة بقتل الحسين عليه السلام
عن ابي عبدالله عليه السلام: ان جبرئيل عليه السلام نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام، ويبشرك بمولود يولد من فاطمة عليها السلام تقتله أمتك من بعدك.
فقال: يا جبرئيل، وعلى ربي السلام، لاحاجة لي في مولود تقتله امتي من بعدي، قال: فعرج جبرئيل إلى السماء، ثم هبط فقال له مثل ذلك.
فقال: يا جبرئيل وعلى ربي السلام، لاحاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي، فعرج جبرئيل إلى السماء، ثم هبط فقال له: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام، ويبشرك انه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: قد رضيت، ثم أرسل إلى فاطمة عليها السلام أن الله" تبارك وتعالى" يبشرك بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي، فأرسك إليه: أن لاحاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك، من بعدك. فأرسل اليها ان الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية فأرسلت: أني قد رضيت،" حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحاً ترضيه وأصلح لي في ذريتي إني تبت اليك واني من المسلمين"4 .
وايضا عن ابي عبدالله عليه السلام قال: كان الحسين مع أمه صلى الله عليه وآله وسلم تحمله، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: لعن الله قاتلك، ولعن الله سالبك واهلك الله المتوازرين عليك، وحكم الله بيني وبين من اعان عليك.
قالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبة، أيّ شيء تقول؟
قال: يا بنتاه، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الاذى والظلم والغدر والبغي وهو يومئذ في عصبة، كأنهم نجوم السماء يتهاوون إلى القتل، وكأني أنظر بالى معسكرهم وإلى موضع رحالهم، وتربتهم، قالت يا أبة، وأبة، واين الوضع الذي تصف؟
قال الموضع يقال له:" كربلاء" وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة.
يخرج عليهم شرار امتي، ولو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه وهم المخلدون في النار.
قال يا أبة، فيقتل؟ قال: نعم يا بنتاه، وما قتل قتلته أحد كان قبله، وتبكيه السماوات والأرضين والملائكة والوحش والنباتات والبحار والجبال، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض منقذ، ويأتيه من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم، اولئك مصابيح في ظلمات الجور، وهم الشفعاء وهم واردون حوضي غداً، أعرفهم ـ إذا وردوا علي ـ بسيماهم. وكل أهل دين يطلبون ائمتهم وهم يطلبوننا ولا يطلبون غيرنا، وهم قوّام الأرض وبهم ينزل الغيث.
فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام: يا أبة إنا لله، وبكت.
فقال لها: يا بنتاه، إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً، فما عندالله خير من الدنيا وما فيها، قتلة أهون من ميتة ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ومن لم يقتل سوف يموت.
يا فاطمة محمد، أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر، فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب؟ أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض، فيسقي منه أوليائه ويذود عنه أعدائه؟..
أما ترضين أن يكون بعلك مشيم النار بأمر النار، فتطيعه يخرج منها من يشاء، ويترك من يشاء. أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وما تأمرين به وينظرون إلى بعلك، قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله، فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتلك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجته على الخلائق وامرت النار أن تطيعه؟
اما ترضين ان تكون الملائكة تبكي لأبنك ويأسف عليه كل شيء؟
اما ترضين ان يكون من أتاه زائراً في ضمان الله، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ولم يخل من الرحمة طرفة عين، وإذا مات مات شهيداً، وأن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ولم يزل في حفظ الله وأمنه، حتى يفارق الدنيا.
قال يا أبة، سلمت ورضيت وتوكلت على الله فمسح على قلبها ومسح على عينيها وقال: إنّي وبعلك وانت وابنيك في مكان تقرّ عيناك ويفرح قلبك 5 .
أول مأتم للحسين عليه السلام
عندما بشر جبرئيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولادة الحسين من ابنته الزهراء عليها السلام فرح فرحاً شديداً ولكن سرعان ما تبدد هذا الفرح وتحول إلى حزن وذلك عندما أخبر جبرئيل الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن ولده هذا سوف يقتل من قبل امته في أرض تسمى كربلاء في العراق، ولكن الله سبحانه وتعالى على أثر شهادته وكرامةً له يجعل من صلبه تسعة من الأئمة الطاهرون المطهرون آخرهم قائمهم" عج" يملأ الله به الأرض عدلا وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ولذلك كان أول مأتم عزاء حقيقي في تأريخ هذه الأمة عندما ولد الحسين عليه السلام حيث بكته أمه الزهراء وأباه أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى ذلك أشار التأريخ عبر رواياته وتاريخه الحافل، حيث يقول الشيخ التستري في كتابه الخصائص الحسينية" ان أول مأتم للحسين اقيم في عهد هذه الأمة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" فلو نظرنا إلى قوله هذا نجد هناك قرينة واضحة البيان وهي" في عهد هذه الأمة" دالة على انه كانت هناك مآتم في غير عهد هذه الأمة.
اذن كانت هناك مآتم عزاء على الحسين عليه السلام من قبل الأنبياء والرسل الذين سبقوا خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكن كيف اقاموا هؤلاء الأنبياء المآتم على الحسين، وكيف بكواعليه؟ هذا ما نجده واضحاً من خلال استقراء التاريخ حيث يخبرنا التاريخ أن ذلك كان ناتج من أخبار الله تعالى لهم بما يجري على الحسين وان يجعلوه وسيلة لقربة وان يدعوا على قاتليه باللعنة وسوء العذاب وهذا ما تراه في كتاب عوالم الإمام الحسين واضحاً وجلياً، اذن كان أول مأتم في عهد امه الزهراء حيث بكت عليه وناحت لأجله لذا لابد لنا ان نقوي علاقتنا مع الحسين لما له من تأثير كبير في زيادة علاقتنا بالصديقة الطاهرة فاطمة عليها السلام.
حب فاطمة عليها السلام للحسين عليه السلام
روي أنه دخل الحسن والحسين عليهما السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فشم الحسن في فمه الشريف وشم الحسين في نحره فقام الحسين واقبل إلى أمه فقال لها: اماه شمي فمي هل تجدين فيه رائحة يكرهها جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشمته في فمه فإذا هو أطيب من المسك ثم جاءت به إلى ابيها فقالت له: ابه لم كسرت قلب ولدي الحسين فقال صلى الله عليه وآله وسلم مم؟ قالت: تشم اخاه في فمه وتشمه في نحره فلما سمع بكى وقال: بنيه اما ولدي الحسن فإني شممته في فمه لأنه يسقى السم فيموت مسموماً واما الحسين عليه السلام فإني شممته في نحره لأنه يذبح منالوريد إلى الوريد فلما سمعت فاطمة بكت بكاء شديداً وقالت: أبه متى يكون ذلك؟ فقال: بنية في زمان خال مني ومنك ومن أبيه وأخيه فأشتد بكاؤها ثم قالت: ابه فمن يبكي عليه ومن يلتزم بأقامة العزاء عليه؟ فقال لها: بنية فاطمة أن نساء أمتي يبكين عل نساء أهل بيتي ورجالهم يبكون على ولدي الحسين وأهل بيته ويجددون عليه العزاء جيلاً بعد جيل فاذا كان يوم القيامة انت تشفعين للنساء وانا اشفع للرجال وكل من يبكي على ولدي الحسين أخذنا بيده وادخلناه الجنة.
الحسين عليه السلام وحجر فاطمة عليها السلام
وعنت سيدة نساء عليها السلام بتربية وليدها الحسين فغمرته بالحنان والعطف لتكون له بذلك شخصيته الإستقلالية والشعور بذاتياته كما غذته بالآداب الإسلامية، وعودته على الإستقامة والإتجاه المطلق نحو الخير والصلاح، كيف لا، وهي ربيبة الوحي وسليلة التقوى فهي أم أبيها، وزوجة أمير المؤمنين، كيف لا ونحن نعلم ان الأم الطاهرة هي المدرسة الأولى للطفل فيها ينشأ وإليها يغدوا وعليها يربوا، وكما قيل:
الأم مـدرسة إذا اعــددتها اعددت شعباً طيب الأعـراق
الأم روض تعــهده الحـيا بـالري أورق ايـما ايـراق
الأم استاذ الأسـاتذة الالـى شغلت مآثرهم مدى الآفـاق.
هكذا هي الام فهي شمعة مقدسة تضيء ليل الحياة بتواضع ليل الحياة بتواضع ورقة وفائدة،فهي التي تصنع الحياة وهي الكنز الحقيقي الذي لا اضمحلال له، وكما قيل: مدرستي الأولى على صدر امي، وإني مدين بكل ما وصلت إليه وما أرجوا أن أصل إليه من الرفعة إلى أمي الملاك فالأم التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها، وهكذا كانت الزهراء الام المثالية التي تربى في حجرها الحسين عليه السلام وغذته بالاخلاق الحميدة والخصال الرفيعة وإلى ذلك يقول العلائلي في كتابه الإمام الحسين ص 289:" والذي انتهى إلينا من مجموعة أخبار الحسين ان امه عنيت ببث المثل الإسلامية الإعتقادية لتشييع في نفسه فكره الفضيلة على أتم معانيها، وأصح أوضاعها ولا بدع فأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف على توجيهه أيضاً في هذا الدور الذي يشعر الطفل فيه بالإستقلال، فالسيدة فاطمة نمت في نفسها فكرة الخير، والحب المطلق والواجب ومددت في جوانحه وخوالجه افكار الفضائل العليا بأن وجهت المباديء الأدبية في طبيعته الوليدة، من أن تكون هي نقطة دائرتها إلى الله الذي هو فكرة يشترك فيها الجميع، وبذلك يكون الطفل قد رسم بنفسه دائرة محدودة قصيرة حين أدار هذه المباديء الأدبية على شخص والدته وقصرها عليها وما تجاوز بها إلى سواها من الكوائن، ورسمت له والدته دائرة غير متناهية حينجعلت فكرة الله نقطة الارتكاز، ثم أدارت المباديء الأدبية والفضائل عليها فاتسعت نفسه لتشمل وتستغرق العالم بعواطفها المهذبة، وتأخذه بالمثل الأعلى للخير والجمال..." لقد نشأ الحسين في تلك الأسرة الطبيعية الأعراف الطاهرة من الأدناس وفي حجر سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وقد صار بهذه التربية المثل الأعلى للأجيال حيث رسم الشهادة في جبين الإسلام كتضحية من أجل الأهداف التربوية التي تغذاها من حجر امه ومن ضمير جده ورعاية أبيه المرتضى، أجل إنّه الحسين الكبير ذلك الفذ من الأفذاذ الذي علموا البشرية وعلموا الأجيال كل طرق الخير والصلاح لا خير في أن يقول غاندي محرر الهند" تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر".
فاطمة عليها السلام يوم القيامة
للصديقة فاطمة عليها السلام يوم القيامة مواقف عديدة تقف فيها ضد قتلة الحسين وأنصارهم، فمنها عندما تأتي يوم القيامة وتقف في عرصات المحشر، فيأتيه الخطاب من الباري عزوجل... يا فاطمي: سلي حاجتك، فتقول يا رب... يارب أرني الحسين... فيأتيها الحسين عليه السلام وأوداجه تشخب دماً، وهو يقول: يا رب، خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني، عند ذلك تقف سلام الله عليها مؤقتا موقفا شريفا من مواقف يوم القيامة، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين عليه السلام بيدها ملطخا بدمه:
لابـد ان تـرد القـيامة فـاطم وقميصها بــدم الحسين ملطخ
ويل لمـن شـفعاؤه خـصمائه والصـور فـي القـيامة يـنفخ
وتقول يا رب، هذا قميص ولدي، وقد علمت ماصنع به، يا عدل، احكم بيني وبين قاتل ولدي... أنت الجبار العدل اقضي بيني وبين من قتل ولدي... فيغضب عند ذلك الجليل، وتغضب لغضبه جهنم والملائكة اجمعون... فيأتيها النداء من قبل الله عزوجل: يا فاطمة ! لك عندي الرضا فتقول يا رب انتصر لي من قاتله، فيأمر الله تعالى عنقا من النار فتخرج من جهنم، فتلتقط من جهنم قتلة الحسين بن علي عليه السلام كما يلتقط الطير الجيد من الحب الرديء، ثم يعود العنق بهم إلى النار فيعذبون فيها بأنواع العذاب، ولها مواقف آخر مع انصار الحسين واصحابه وشيعته وفيمن بكى عليه في الدنيا وأقام العزاء لمصابه الجليل حيث ورد في الأخبار الشريفة، انها تأتي يوم القيامة، فتقول ي رب حاجتي أن تغفر لي، ولمن نصر ولدي الحسين عليه السلام.
اللهم اشفعني فيمن بكى على مصيبته... الهي أنت المنى وفوق المنى، أسألك أن لا تعذب محبي ومحب عترتي بالنار... إلهي وسيدي ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد... فيأتيها الخطاب... يا فاطمة قد غفرت لشيعتك... وشيعة ولدك الحسين... يا فاطمة وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن اخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا أعذب محبيك ومحبي عترتك بالنار... فعند ذلك يود الخلائق أنهم كانوا فاطميين، فتسير فاطمة ومعها شيعتها، وشيعة ولدها الحسين عليه السلام وشيعة آمير المؤمنين عليه السلام آمنة روعاتهم، مستورة عوراتهم، قد ذهبت عنهم الشدائد، وسهلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظماً الناس وهم لا يظمأون... عند ذلك تصر فاطمة عليها السلام وتسير إلى الجنة...
فتكون أول من تكسى ويستقبلها من الفردوس، اثنتا عشر ألف حوراء لم يستقبل أحداً قبلها ولا أحد بعدها على نجائب من ياقوتة اجنحتها وأزمتها اللؤلؤ عليها، حائل من درّ... فيجوزون بها الصراط حتى ينتهون بها إلى الفردوس... فيباشر بها أهل الجنان... فتجلسى على كرسي من نور ويجلس حولها، ويبعث إليها ملك لم يبعث إلى أحد بعد فتقول: قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته، وأباحني جنته، أسأله ولدي وذريتي ومن ودهم بعدي، وحفظهم من بعدي، فيوحي الله إلى الملك من غير أن يزول من مكانه: أن سرّها وبشرها أني قد شفعتها في ولدها ومن ودّهم بعدها وحفظهم فيها... فتقول عليها السلام: الحمد لله الذي أذهب عني الحزن وأقر عيني ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم﴾.
* هذه المضامين ملخص احاديث من الكتب التالية: تفسيرفرات: 169، ينابيع المودة: 260، مجالس المفيد: 84، عيون اخبار الرضا: 2 / 8 ح 12، امالى الصدوق: 25 ح 4، علل الشرائع 1 / 179 ح 6، دلائل الامامة: 57، تأويل الايات: 2 /483 ح 12، روضة الواعظين: 179، مناقب ابن شهر آشوب: 3 / 107 بشارة المصطفى: 22. أنظر الأسرار الفاطمية / محمد فضل المسعودي البحث السادس عشر.
1-حياة الإمام الحسين للشيخ القرشي: 1 / 25.
2-راجع ترجمتها في الطبقات الكبرى: 8 / 278، والاصابة: 4 / 464.
3-مستدرك الصحيحين: 3 / 127 عن حياة الإمام الحسين للقريشي: 26.
4-كامل الزيارات: 56/ الكافي: 1 /464 ح 4، اثبات الهداية: 1 / 414 ح 13.
5-تفسير فرات الكوفي: 171، عنه البحار: 44 | 264 ح 22.