الوجه المشرق
الإسلام هو الحل
بعد كلِّ ما تقدَّم من صورة قاتمة مظلمة ظالمة للمرأة، من جاهلية عربية تئد البنات ولا تورثهن ولا تملكهن وليس لهن خيار في الزواج، إلى جاهلية الفرس والصين والهند والرومان واليونان حيث المرأة مملوكة مجهولة المصير حبيسة همومها وشجونها، مروراً بجاهلية الحاضر، جاهلية أمريكا وأوروبا، حيث كانت المرأة في انجلترا إلى زمن قريب تباع في الأسواق كالرقيق، فقد كان الزوج يستطيع أن يبيع زوجته مقابل دراهم معدودة.
وحيث كانت المرأة إلى وقت قريب في كثير من الدول الأوروبية لا تستطيع التصرف في أموالها وأملاكها. بعد كلِّ هذه الصورة القاتمة، أين هو النور الذي سيضيء هذه العتمة؟ أين هو الوجه المشرق للمرأة؟ أين هو الخط المستقيم، خط لا إفراط ولا تفريط، بل ميزان عادل لا يظلم ولا يحيف؟ أي دين وأي مسير سيمنع ظلم المرأة وقهرها؟ وكيف سنمنع الظلم؟ "إن الذي يمنع ذلك (الظلم) أمران:
الأول: الخوف من اللَّه تعالى واحترام القانون وعمران القلب بالإيمان.
والثاني: أن تكون المرأة مطلعة جيداً على حقها الإنساني والإلهي وأن تدافع عنه، وأن تجد نفسها بالمعنى الحقيقي للكلمة.
وفي هذا المجال يبين الإسلام الحد الأوسط دون إفراط ولا تفريط. فلا يسمح للمرأة أن ترتكب الظلم، ولا يهمل طبيعة كل من المرأة والرجل، بل يبين الخط المستقيم والصراط المستقيم، وهو الخط الإسلامي...".
"إن النواقص كثيرة، والمشاكل أكثر، فما هو العلاج، العلاج هو أن نتوجّه إلى الحل الإلهي وأن نجده، ذلك لأن الحل الإلهي يحمل مسائل هامة حول قضية الرجل والمرأة".
"نعم إني أوافقكن على ما قلتن من أن العالم المعاصر متعطش لسماع نداء الأديان، وإن الدين الذي يدّعي قدرته على بناء المجتمع في جميع المجالات من بين الأديان هو الإسلام. إن المسيحية المعاصرة وباقي الأديان بطريق أولى لا تدّعي ذلك، أما الإسلام فإنه يدّعي أنه يمتلك أركان بناء نظام اجتماعي، ويمكنه أن يقيم أسسه وأركانه، وأن يقيم على تلك الأسس نظاماً اجتماعياً ومجتمعاً سالماً ومتقدماً...".
"ما أردت التحدث عنه هو أن لكل نقص موجود في وضع المرأة في مجتمعنا هناك علاج، ذلك لأن الإسلام ينظر إلى المرأة نظرة شاملة وكاملة وجامعة، ولا بد من العثور على طرق العلاج. وعندما شكّلت الشورى الثقافية والاجتماعية النسوية كان الهدف منها هو هذا الأمر بالضبط... وعلينا اليوم أن نرى ما تحتاجه النساء من وسائل قانونية للسير في الاتجاه الذي يريده الإسلام للمرأة، وما هي الأفكار والتأملات اللازمة، وما هي التوجيهات التي تلزمهن، وما هي المراكز الارشادية التي يجب أن توجد...".
المرأة في المجتمع الإسلامي
ولئن كان الإسلام هو العلاج لقضايا المرأة، إلا أنه لا ينبغي إنكار حقيقة أن المجتمع الإسلامي بحاجة إلى مزيد من الجهود لإصلاح حال المرأة، فربَّ تشريع متكامل، وقانون تام، إلا أنه لا يلقى من أتباعه الإلتزام التام.
يقول القائد حفظه الله: "... إن التحرك باتجاه الاقرار بحقوق النساء في المجتمع الإسلامي وفي مجتمعنا أمر لا بد منه، لكن يجب أن يكون على أساس إسلامي وبهدف إسلامي. ولا يقولنّ البعض ما هذه النهضة وما هذه الحركة، وماذا ينقص المرأة في مجتمعنا؟ للأسف قد يفكر البعض هكذا إنها نظرة ظاهرية فالمرأة تعاني من الظلم ومن نقائص فرضت عليها في جميع المجتمعات ومنها مجتمعنا. لكن ذلك النقص ليس في الحرية بمعنى التهتك، بل إنه نقص في إتاحة الفرص لاكتساب العلم والمعرفة والتربية والأخلاق والتقدّم وتفتق الطاقات والإبداعات، ولا بد من تأمين ذلك لهنّ والبحث عنه، وهو ما يؤكد عليه الإسلام".
"... لقد بذلت جهود كثيرة، لكن رغم ذلك لا بد من القيام بعمل ثقافي كبير حول قضية المرأة وحقوقها ورفع الظلم عنها وتمهيد الأرضية اللازمة لتحرك المرأة. إنني اليوم أطرح بحثي هذا بهذه النيّة وهي المساعدة على ايجاد هذا الجو الثقافي، فإذا أصبح الجو الثقافي لمجتمعنا شفافاً في مجال مسائل المرأة، واتضحت الأحكام الإسلامية، والاراء القرانية في هذا المجال، فسيتعبّد الطريق أمام نساء بلدنا ليتمكنّ من الوصول إلى النقطة التي تعتبر هدفاً وغاية مطلوبة. رغم أنه بحث وكلام وقول، لكنه في الحقيقة عمل، ذلك لأن هذا الكلام سيجعل الجو الثقافي للمجتمع شفافاً والأذهان متفتحة".
الدفاع عن المرأة بين الثقافة الغربية والإسلامية
"إننا نرى خلال السنوات الأخيرة جهوداً تستحق التقدير قد بذلت في المجالات الفكرية والثقافية في بلدنا وفي مجال قضايا المرأة، لكن هناك نقطة أساسية: ما هو هدفنا من الحديث عن حقوق المرأة أو حول ايجاد أجواء تكاملها ورفع الظلم عنها، والحديث عن المرأة بشكل عام؟ ما هو الهدف من هذه الجهود والكتابات والكلام والنشاطات القانونية؟ إنه سؤال مهم. ... هناك هدفان يمكن تصورهما للنشاطات الثقافية والحقوقية في سبيل بلوغ المرأة النقطة المطلوبة في الناحيتين الاجتماعية والفردية:
الهدف الأول: هو بذل الجهد والسعي والكتابة والتحدث من أجل وصول المرأة إلى كمالها الوجودي، أي أن تصل المرأة في المجتمع أولاً إلى حقها الإنساني والحقيقي. ثانياً: تنمية قابلياتها لتجد نموها الحقيقي والإنساني ولتنال في النهاية تكاملها الإنساني، ولتصبح المرأة في المجتمع على شكل إنسان كامل، ولتكون إنساناً يساعد على تقدم البشرية ومجتمعها، ولتبدّل العالم، في حدود قدراتها، إلى جنة سعيدة وجميلة.
وهناك هدف اخر: وهو أننا نسعى من خلال الكلام وبذل الجهد والجهاد أحياناً إلى ايجاد حالة خصام وتباعد ومنافسة عدائية بين جنسي المرأة والرجل، ونبني عالماً قائماً على أساس المنافسة، حتى يبدو المجتمع البشري هناك رجال في جهة ونساء في جهة أخرى، ويتنازع الطرفان حول المكتسبات، وتريد المرأة في هذا المجال أن تتغلّب على الرجل وتتفوّق عليه، هل هذا هو الهدف؟
إذاً هناك نظرتان يمكن رسمهما حول الهدف من هذا الجهد وهذه الحركة، وبتعبير اخر هذه النهضة، الهدف الأول هو هدف إسلامي، والهدف الثاني هو هدف قصير النظر.
إننا نرى اثار الهدف الثاني أكثر في الجهود التي تبذل في الدول الغربية...".
هل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟
يقول القائد حفظه الله: "إن التعامل الحقيقي والصحيح هو الذي يلاحظ طبيعة المرأة، فلا يمكن للمرأة أن تنسى طبيعتها، وليس من المصلحة أن تنساها، لأن هذه الطبيعة مؤثرة في النظام الأتم، وهذا الوضع مؤثر ولازم، وإلا إذا بدّلنا هذا الجنس بشكل واقعي إلى الجنس الاخر، أو غيّرنا خصوصياته، نكون بذلك قد أنقصنا التكامل، أليس كذلك؟ علينا أن نبقي على المرأة مرأة وعلى الرجل رجلاً لتكتمل هذه المجموعة، وإلا إذا بدّلنا الرجل إلى امرأة في جميع خصوصياته وأخلاقه وسيرته وواجباته وأعماله، وبدّلنا المرأة رجلاً، إذا قمنا بأي من ذلك نكون قد قمنا بعمل خاطىء".
"﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ﴾1 هذا هو التغيير في خلق اللَّه الذي ذكر في القران، أي أننا نكون قد قضينا على النظام الأتم للخلق، ذلك النظام الذي يشكِّل ضرورة لهذه المجموعة الجنسية بهذه الخصوصيات، ولذلك الجنس بتلك الخصوصيات ليكمل كلٌّ منهما الآخر".
"إن الإسلام يدعم تكامل البشر، والإسلام لا يفرِّق بين الرجل والمرأة، فالإسلام لا يركِّز على جنس الرجل أو جنس المرأة، بل إنه يسعى إلى تكامل البشر. إنه يتحدّث تارة عن الرجل، ويتحدث أخرى عن المرأة، ويكرِّم المرأة حيناً، ويكرِّم الرجل حيناً اخر، ذلك لأنهما عنصرا الوجود البشري. ليس هناك أي تفاوت بينهما من الجانب البشري والإلهي. لذلك فإنّه في القران عندما يتحدث اللَّه عن الإنسان الصالح والإنسان السيء ويعطي مثلاً عنهم، فإنه يضرب مثلين من النساء، فيقول: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ... كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾2. وحول الإنسان المؤمن يضرب مثلاً: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِه﴾3. فيعطي مثالاً كاملاً عن الطريق الخطأ والطريق الصحيح بذكر نساء، وفي مكان اخر يتحدّث عن الرجال. فالإسلام لا يركّز على جنس المرأة والرجل بل يركِّز على التعالي البشري، على الأخلاق البشرية، على إبراز الطاقات الكامنة، على أداء المهام الموكلة لكل جنس من الأجناس البشرية، ولا بد من معرفة طبيعة كل منهما. والإسلام يعرف جيداً طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، والمطروح في الإسلام هو التعادل، أي رعاية العدالة المحض بين أفراد البشر. ومن جملة ذلك بين جنسى المرأة والرجل، التعادل في الحقوق، لكن في بعض المجالات قد نجد أن أحكام المرأة تختلف عن أحكام الرجل، ذلك لأن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل، لهذا فإن أكثر الحقائق وأكثر واقعيات الفطرة والطينة البشرية حول المرأة والرجل موجودة في المعارف الإسلامية". "إن مساحة حضور المرأة في ثلاث:
1- في حدود التكامل الإنساني
فإن نظر الإسلام هو: "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين، والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين اللَّه كثيراً والذاكرات، أعدّ اللَّه لهم مغفرة وأجراً عظيم"4. عشرة صفات أساسية للرجل والمرأة دون أي تمييز...
2- المساحة الثانية حضور المرأة اجتماعياً
من نشاطات سياسية واقتصادية واجتماعية وما شابه (فكرية)، أي حضور المرأة في المجتمع...
3- دور المرأة في الأسرة
إذاً في الساحة الأولى: أي ساحة الرشد المعنوي والسمو الروحي والنفسي للإنسان، لا يوجد فرق بين المرأة والرجل، فالمرأة كالرجل والرجل كالمرأة يمكنهما أن يرتقيا الدرجات المعنوية العليا ويصلا إلى القرب الإلهي...
الساحة الثانية: ساحة النشاطات الاجتماعية التي تشمل النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بمعناه الخاص. والعلمي والدراسة والتدريس والكدح في سبيل اللَّه والجهاد وجميع ساحات الحياة الاجتماعية، في هذه الساحة أيضاً لا يوجد تفاوت بين الرجل والمرأة في مزاولة النشاطات المختلفة في شتى المجالات في نظر الإسلام، فمن يقول إن الرجل يمكنه أن يدرس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يدرِّس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس نشاطاً اقتصادياً والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس العمل السياسي والمرأة لا يمكنها ذلك، فإنه لا يبين المنطق الإسلامي، وكلامه مخالف لكلام الإسلام...
نعم هناك بعض الأعمال التي لا تناسب المرأة، ولا تتلاءم مع تركيبها الجسدي، كما أن هناك بعض الأعمال التي لا تناسب الرجل، ولا تتلاءم مع وضعه الأخلاقي والجسدي، لكن لا علاقة لذلك بقدرة المرأة على التواجد في ساحة النشاطات الاجتماعية أو عدم قدرتها، فإن تقسيم الأعمال يتم حسب الإمكانات والرغبة واقتضاء كل عمل، فإذا تحققت الرغبة عند المرأة يمكنها أن تؤدي النشاطات الاجتماعية المختلفة، وكل ما هو متعلق بالمجتمع... القسم الثالث والمهم جداً هو الأسرة..5.
إن المراجع للأصول الإسلامية الشرعية (القرآن والسنّة) يرى بكل تأكيد المنطلقات التحريرية للنساء، وعدم التفريق بين الرجل والمرأة، (فيما عدا صور التخصيص القليلة لغرض معين) حقاً لو أخذنا الكتاب الكريم فإن أية سورة من سوره تكاد لا تخلو مما يدل على التسوية بين المرأة والرجل دون أي فرق في تقرير الحقوق والواجبات والتبعات. وليس أدل على ذلك من الأسلوب القرآني في توحيد الخطاب بصيغة التأنيث والتذكير فيما يتعلق بالحقوق والتبعات المتعلقة بجميع فروع النشاط البشري في حقول الحياة الخاصة والعامة، فإن الخطاب موجّه فيها دائماً إلى المرأة وإلى الرجل في صعيد واحد ودونما تفضيل مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾6.
كما أن هناك من الأحاديث النبوية الشريفة ما يدعم ذلك. والمؤسف أن هناك مقولات تنطلق في المجتمع الإسلامي دون دراسة، كالمقولة التي تقول إن النساء نواقص العقول، فيأخذها الناس ويبنون عليها ويتناقلونها وكأنها مسلَّمة دينية.
ولقد أشار سماحة القائد حفظه الله إلى التركيبة العقلية للمرأة قائلاً: "المرأة لا تقل عن الرجل من حيث تركيبها العقلي، وأحياناً تكون أقوى منه، لكن فهم المرأة يختلف عن فهم الرجل، ونوع أحاسيس المرأة يختلف عن أحاسيس الرجل، فكل واحد منهما قد أوجد لمهمة تناسبه، وقد أودع ذلك في وجود الأفراد. فعند مواجهة بعض المسائل العلمية ليس هناك تفاوت بين فكر المرأة والرجل، لكن هناك تفاوتاً بينهما في طريقة الحياة...". فالمقولة السالفة إذا صحَّت، فليست على إطلاقها، إنما لها معنى لا ينقص من قيمة المرأة وكمالها وعقلها وعلمها.
الحجاب
حرب على الحجاب ودعوة إلى الثبات
إن مسألة الحجاب، وسائر المسائل المتعلقة بالمرأة أضحت أداة بيد جمع من المغرضين المتآمرين، للهجوم الإعلامي ضد الإسلام. وبديهي أن هذا الإعلام السيئ سيترك آثاره السلبية على الشباب، إذا لم يتم تحصينهم فكرياً بشكل كاف.
يقول القائد حفظه الله حول الهجوم على الحجاب: "... عندما ترين بعض الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية التي تحكمها حكومات غير إسلامية، تجدن كيف يهاجم أعداء الدين الحجاب الإسلامي هكذا، فإن ذلك يبيّن مدى اهتمام نساء تلك الدول بالحجاب...".
ولقد مرّ معك مثالان عن دولتين إسلاميتين، كان قد مُنع الحجاب في مؤسساتها التعليمية والإعلامية، ولقد كان نظام الشاه الطاغوتي يعمل على تنفير المسلمات من الحجاب وعلى إشاعة السفور.
"خلال عهد النظام الطاغوتي كان البعض يتعامل مع الحجاب بسخرية واستهزاء، في ذلك العهد كان هناك عدد محدود من السيدات والفتيات الجامعيات المحجبّات، وكنَّ يتعرضن للسخرية والاستهزاء، إن ذلك التعامل كان تعاملاً غير إنساني وجلف وخاطىء، وهذا هو عين ما تقوم به وسائل الإعلام الغربية اليوم...".
وكم نسمع من أقوال الاستهزاء بالمحجبات في بعض مجتمعاتنا، الحجاب للعجائز! الحجاب تخلّف! الحجاب يمنعك من اظهار جمالك! الحجاب يقيِّد الحركة! الحجاب عادة قديمة! إلى اخر اللائحة... وإزاء هذا الكم من الاستهزاء والاتهامات تسقط الشَّابّة الضعيفة أمامها، ولا تعرف أن كل هذه الاتهامات ما هي إلا أباطيل يراد من خلالها اسقاط قيمة المرأة وإنسانيتها. وقد دعا سماحة القائد حفظه الله إلى الثبات وعدم التأثر بالاستهزاء والاستهتار يقول: "على نساء إيران العالمات والواعيات أن يكملن طريقهن الواضح هذا، وأن يخطين فيه خطوات ثابتة وراسخة. وعلى الجيل الثوري والنساء المؤمنات أن يجتنبن ما يفعله السطحيون والغافلون، وأن يحذرن من العودة إلى الاستهلاك والتجمل الخاوي والميول غير الثورية، والعيش الجاهلي بالاختلاط غير المحمود...".
بين الحجاب الجاهلي والإسلامي
لا يعني الحجاب في الإسلام، حبس المرأة في البيت، بحيث لا ترى الشمس، ولا تشم ريح الحياة، كلا، إن الحجاب الإسلامي حجاب مبني على أسس عقلية منطقية حكيمة.
يقول القائد حفظه الله: "... فالحجاب لا يعني انزواء المرأة، وإذا كان هناك من يستنتج أن الحجاب انزواء، فإن استنتاجه هذا خطأ محض وانحراف. إن الحجاب يعني الحد من الاختلاط والتهتك بين المرأة والرجل في المجتمع، فإن هذا الاختلاط مضر للمجتمع، ومضر للمرأة والرجل، وخاصة للمرأة، فالحجاب لا يؤثر على النشاطات السياسية والاجتماعية والعلمية ولا يمنعها مطلقاً...". إذاً الحجاب الإسلامي انفتاح وحركة، لا انغلاق وموت.
بعض غايات الحجاب
أ- الحجاب مقدِّمة لأمور أسمى
يقول القائد حفظه الله: "يجب أن تحيا قيم الإسلام في مجتمعنا، فمسألة الحجاب مثلاً هي مسألة ذات قيمة، ورغم أن الحجاب هو مقدّمة لأمور أسمى، لكنه بحد ذاته مسألة ذات قيمة. ونحن إذ نؤكد كثيراً على الحجاب، ذلك لأن حفظ الحجاب يساعد المرأة على الوصول إلى مستويات معنوية عالية، ويصونها من الإنزلاق في منزلقات الطريق".
فالحجاب يساعد على الوصول إلى الجمال الحقيقي والكمال الأبقى، يقول سماحته حفظه الله: "أقول إن الميل نحو الزينة والتجمل، كان قد خبا في مجتمعنا تدريجياً لسنوات... إني لا أعارض التظاهر بالتجمّل بحدِّه المعتدل والقليل، لكن إذا كان سيأخذ شكلاً إفراطياً، ليصبح تبرّجاً في الملابس والزينة والمساحيق والذهب والمجوهرات، فعلى النساء أن يمسكن عن ذلك، وأن يدركن أهمية الأمر، وأن يزهدن في ذلك لينصرف اهتمامهن نحو الجمال الحقيقي أكثر من الاهتمام بالجمال الظاهري...".
ب- الحجاب للحفاظ على عفة المرأة
"... كل حركة تسعى للدفاع عن المرأة يجب أن يكون ركنها الأساس هو عفّة المرأة، فكما قلت إن الغرب لم يهتم بقضية عفة المرأة ولم يعتنِ بها، فانتهى الأمر بهم إلى التهتك".
عفة المرأة هي أهم عنصر في شخصيتها... وهي وسيلة لسمو شخصية المرأة ورفعتها وتكريمها في أعين الاخرين، حتى في أعين الرجال المتهتكين، فعفة المرأة علة احترام شخصيتها.
"فقضية الحجاب والمحارم وغير المحارم والنظر وعدم النظر، إن كل تلك الأمور والأحكام إنما وضعت للمحافظة على بقاء العفّة سالمة. فالإسلام يولي مسألة عفاف المرأة الأهمية، طبعاً فإن عفاف الرجل مهم أيضاً، فالعفة ليست مختصة بالمرأة، بل على الرجال أيضاً أن يلتزموا العفة، كل ما في الأمر أن الرجل في المجتمع يمتلك قدرة وقوة جسمية أكبر، ويمكنه بذلك أن يظلم المرأة،... لذلك طلب من المرأة الاحتياط أكثر. عندما تنظرن إلى العالم ترين أن أحد مشاكل المرأة في العالم الغربي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية هي استغلال الرجال لقوتهم والاعتداء على عفة النساء.
إن الاحصاءات التي نشرها المسؤولون الرسميون في أمريكا نفسها... إحصاءات مرعبة حقاً، ففي كل ستة ثوان يقع اعتداء عنف في أمريكا! انظرن إلى مدى أهمية العفة، عندما أهملوا العفة بلغ بهم الأمر هكذا، كل ستة ثوان يقع اعتداء بالعنف، خلافاً لميل المرأة يستخدم رجل قوته، رجل ظالم متهتك غير عفيف يعتدي على عفة المرأة. إن الإسلام يلاحظ ذلك، إن قضية الحجاب التي أكد عليها الإسلام إلى هذا الحد، تأكيده من أجل هذا...".
ج- الحجاب للحفاظ على أمن المرأة
لقد مر في المقطع السابق الحديث عن أهمية الحجاب في أمن المرأة ولمزيد توسعة لمفهوم الأمن، نقول إن الأمن لا يقتصر على الأمن الجسدي بل يعمّ الأمن الروحي والفكري يقول القائد حفظه الله: "ومن أجل أن لا يقع الاختلاط... وتحفظ الحدود الأخلاقية، قام الإسلام بتعيين الحجاب للمرأة. وهذا الحجاب وسيلة من وسائل الأمن، فبحجاب المرأة تجد المرأة المسلمة أمنها، ويجد الرجل المسلم أمنه. وعندما يبعد الحجاب عن النساء وتقترب من العري والتهتك يسلب أمنها هي بالدرجة الأولى ويسلب الأمن من الرجال والشبّان ثانياً. لهذا فإن الإسلام عيّن الحجاب من أجل أن يكون الجو سالماً وامناً، ولتتمكن المرأة من مزاولة عملها في المجتمع، وليتمكن الرجل أيضاً من أداء مسؤولياته، وهذا الحجاب من الأحكام الإسلامية البارزة، وأحد فوائده هو ما ذكرته، وله فوائد أخرى...".
إذن الحجاب يحفظ أمن المجتمع الجسدي والمعنوي، وليس صحيحاً أن يقال إن أمن المرأة متوفر بشكل كامل في عصرنا، فكما مرّ معك من كلام القائد أن هناك إحصاءات مذهلة حول الاعتداءات الجنسية، التي تقع في العالم الذي يقال عنه متمدِّن!
أما الأمن المعنوي، فلأن الإنسان أعم من الرجل والمرأة كما أنه لا يشبع من الثروة والجاه، كذلك الأمر بالنسبة لأمور الشهوة الجنسية، والطلب اللامحدود لا يمكن تلبيته سواء أردنا أم لم نرد، وهو توأم مع لون من الإحساس بالحرمان. وعدم نيل الأماني بدوره يؤدي إلى اضطرابات وأمراض روحية ونفسية.
ومن أسباب ازدياد نسبة الأمراض النفسية في الغرب، التفلت الحاصل في الصحف والمجلات والحفلات والسينما والشارع...
فحصر التمتع الجنسي من وجهة نظر الإسلام في محيط الأسرة، وبالأزواج المشروعين يساعد على الحفاظ على الأمن الروحي والعقلي، والتوازن العام للمجتمع، ويؤدي إلى تعميق العلاقات الصادقة والحميمة بين أفراد العائلة، كما يفضي اجتماعياً إلى حفظ واستثمار الطاقات باتجاه العمل والانتاج، وينتهي إلى رفع قيمة واعتبار المرأة أمام الرجل.
فالحجاب يعني حصر ألوان المتعة الجنسية سواء كانت بصرية أو سمعية أو لمسية في محيط الأسرة والزواج القانوني، ويبقى المحيط الاجتماعي والشخصي آمن، فالشخص يترقّى فكراً وروحاً، وبالتالي المجتمع يترقى ويتقدم ويتطور.
وقد ألفت القائد حفظه الله إلى هذا الأمر المهم: "هناك شيء في الغرب يملأ العيون، وهو عدم وجود تفاوت في السيرة الاجتماعية للرجل والمرأة في المجتمع. فكما أن الرجل يدخل إلى الاجتماع فيسلِّم وينضم إلى الحاضرين، كذلك المرأة تدخل بنفس السهولة وتنضم إلى الموجودين... وهي نقطة ايجابية، لكنها سطحية وظاهرية وإلى جانبها سلبيات كثيرة.
أولاً: إنهما (أي الرجل والمرأة) داخل الأسرة ليسا كذلك إطلاقاً، فالاحصاءات والأخبار القطعية، لا الكلام المنبري والشعارات، كلها تشير إلى ظلم المرأة... حتى الرجل يظلم، لكنه رجل وصاحب اليد الأقوى... لكن التي تظلم بشكل قطعي هي المرأة، ذلك لأن زوجها يقيم علاقات عاطفية وجنسية مع عدّة نساء غيرها، وله علاقات حميمة ودافئة لا يقيمها مع زوجته! ذلك يشكل أكبر ضربة للمرأة. فالمرأة ترغب مع شريك حياتها، وأن تكون بينهما علاقات عاطفية صادقة، وأن يكون الأقرب إلى بعضهما من العالم كلِّه...".
على هامش مسألة الحجاب (إلفاتات ووقاية)
لا يكفي أن نشرِّع مسألة ما، بل لا بد من ايجاد وسائل لتطبيق هذا التشريع تطبيقاً كاملاً، وللمساعدة على تحقيق هدفه.
أ- على النساء التخصص في المجالات الطبية كافة
وهنا اقترح القائد حفظه الله أمراً يساعد على تطبيق الحجاب: "وأشير هنا إلى ضرورة تخصص النساء في كافة الفروع والتخصصات الطبية، وعدم الاكتفاء بالطب النسائي، فما دمنا نعتقد بضرورة وجود فاصلة في العلاقة والارتباط الاجتماعي بين المرأة والرجل، ونؤكد على رفض الاختلاط الحر بين المرأة والرجل، ونعتقد بالحجاب بمعناه الواقعي الكامل، لذلك لا يمكننا إهمال المسألة الطبية، أي أنه يلزمنا وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة من الأطباء الرجال، حتى تتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت، ولا داعي للمساس بتلك الفاصلة...
بعض النسوة يعتقدن أن على المرأة أن تدرس التخصصات النسائية فقط، وأن يبقى تخصصهن محصوراً بأمراض الحمل والولادة، لكن الأمر ليس كذلك...".
ب- انشاء معاهد تعليمية نسائية
"بلغني أن هناك نية وحديث لايجاد جامعة خاصة بالنساء إنشاء اللَّه، أي أن يكون الأستاذ فيها والمدير والطلاب، بل وحتى الجهاز الإداري من النساء، خاصة في الجامعات الطبية. إنها فكرة جيدة جداً...".
ج- خطورة الخلوة بالأجنبي والتزين
وألفت القائد إلى ضرورة الانتباه لخطورة الخلوة بالأجنبي: "في الإسلام هناك حجاب بين المرأة والرجل، إنه أمر لا يمكن إنكاره، فهذا الحجاب موجود، وهو موجود لحكمة ما، وحقيقة لا بد من وجوده. وعندما يقال أن انفراد الرجل والمرأة داخل غرفة مغلقة لوحدهما حرام، فإن لذلك التحريم معنى عميق وحكيم، وهو أمر صحيح، وكل رجل وامرأة إذا عادا إلى أنفسهما فسيؤيدان هذا الحكم. ... والحكم الذي يحرّم على المرأة أن تظهر بزينتها أمام الرجال وفي جمع من الرجال، إنه حكم صحيح... الثقافة الإسلامية تذمُّ التبرُّج لغير الزوج...
د- عدم الاختلاط السلبي
يقول القائد حفظه الله: "... ومن جملة ذلك (الأحكام الإسلامية) مسألة الحجاب، ومسألة وجود حد بين الرجل والمرأة، وذلك الحد في منطقة خاصة ولا يشمل كل الأماكن...". فعلى المرأة أن تحترز عن الاختلاط السيئ، طبعاً ليس كل اختلاط سيئ، فلا بأس بالاختلاط مع المحافظة على الموازين الشرعية. "افترضن أن امرأة قد تقلَّدت منصباً حكومياً كبيراً... وكان ذلك المنصب مهماً جداً، ويراجعه رجال كثيرون، فلا إشكال في ذلك، ولا مانع من تولي امرأة لذلك المنصب، فيمكن للمرأة أن تستقبل في منصبها الاف الرجال والمراجعين وبشكل حكيم. وكذلك الأمر في ساحة المواجهة وفي ساحة الحرب، كالساحة التي شاركت فيها السيدة زينب، والسيدة الزهراء، والسيدة حكيمة، أو أخت الإمام الصادق عليه السلام حيث طلب الإمام من سائليه أن يسألوه".
ﻫ- العلم والسفور
"... العلم بكلِّ عظمته تلك لا يساوي شيئاً أمام الحيثية المعنوية التي منّ بها اللَّه على المرأة. فإذا بلغت امرأة ما أعلى مستويات العلم، لكنها كانت مبتذلة في المسائل الإنسانية وفي علاقاتها الإنسانية كجنس من جنسين، فهل ترين لها قيمة؟ طبعاً المرأة العالمة تكون أقل تعرّضاً للابتذال. فإن من افات الأمية ارتفاع نسبة الابتذال عند النساء، وليس للابتذال حدّ معين. إن الجوهر الإنساني، عزيز لدى المرأة والرجل، وعندما يتعلمان العلم والحكمة، فإنهما يسعيان إلى ابراز وجلاء ذلك الجوهر أكثر فأكثر...".
و- التبرج ظلم للمرأة
"على المرأة أن تعرف شأنها الحقيقي، ويجب أن لا تظلم لكونها امرأة، فإنه أمر سيء جداً. الظلم الذي لحق بالمرأة وسمي ظلماً، أو الظلم الذي لا يسمَّى ظلماً، لكنه في الحقيقة ظلم، كسوقها نحو التجمُّل والاستهلاك والزينة المفرطة والصرف المسرف وتبديلها إلى وسيلة للاستهلاك، هذا كله ظلم كبير للمرأة. قد يمكننا القول أنه من أشد الظلم لها، لأنه يجعلها غافلةً كلياً عن مقاصدها وأهدافها التكاملية، ويصرفها عنها، ويشغلها بأمور صغيرة جداً وحقيرة، وهذا ما قام به النظام الملكي الظالم، ولا بد الآن من الوقوف بوجهه...".
العباءة أفضل أنواع الحجاب
"إننا نرى أن الدراسات والبحوث الجارية التي تدور حول ستر المرأة هي بحوث جيدة، لكن عليكنَّ الالتفات أنّ أيّاً من هذه البحوث حول ستر المرأة يجب أن لا يكون متأثراً بالهجوم الإعلامي الغربي، فإن كان متأثراً فسيفشل. كأن نفكِّر مثلاً أن الحجاب جيد، لكن لا داعي للعباءة ذلك تفكير خاطىء. ولا أعني بذلك أن الحجاب لا يكون إلا بالعباءة، بل إني أقول إن العباءة هي أفضل أنواع الحجاب... هل تظنون أننا إذا تركنا العباءة، وتمسكنا بالمقنعة... فإن الغرب سيدعنا لشأننا؟ كلا، لن يقتنعوا بذلك، إنهم يريدون منّا أن نتبع ثقافتهم المنحوسة...".
نماذج إسلامية
أ- النموذج النسائي في القرآن الكريم
"... عندما أراد اللَّه تعالى أن يضرب مثلاً للمؤمنين على مدى تاريخ النبوّات قال في القران وضرب اللَّه مثلاً امرأة فرعون... فرغم وجود المؤمنين بكثرة في زمان النبي موسى والذين ضحوا في سبيل الإيمان، لكنه ذكر اسم النموذج النسائي، ما سبب ذلك؟ وهل أراد اللَّه تعالى أن ينحاز إلى جانب النساء؟ أم أن هناك أمراً اخر؟
القضية هي أن هذه المرأة قد بلغت انذاك قمة الحركة المعنوية، بحيث لا يمكن إعطاء مثل بغيرها. وكان ذلك قبل فاطمة الزهراء عليها السلام وقبل السيدة مريم الكبرى فكانت المثل لزمانها، هي امرأة فرعون وليس النبي أو ابن النبي أو زوجة النبي أو أسرة أي نبي، إن التربية المعنوية والرشد والسمو لتلك المرأة هو الذي بلغ بها منزلة المثل.
طبعاً هناك نقطة مقابلة ومعاكسة لها أيضاً، أي أن هناك مثلاً للفساد أيضاً، فإن اللَّه تعالى ضرب مثلاً لأسوء الناس فقال: "ضرب اللَّه مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنينا عنهما من اللّه شيئاً..."7 فيذكر امرأتين كمثال لأسوء الناس، فما أكثر الكفار الذين كانوا على زمان نوح ولوط، لكن القران لا يذكرهم كمثال، بل يعطي مثالاً امرأتي نوح ولوط، فما هو منشأ هذه العناية بجنس المرأة والاهتمام بسموها وحضيضها؟ لعل القران أراد بذلك أن يشير إلى النظرة الخاطئة لأناس عصر النزول، وللأسف فإن تلك النظرة ما زالت مغلوطة اليوم، أراد أن ينبه أهالي الجزيرة العربية الذين كانوا يئدون بناتهم، وأهالى امبراطوريات العالم انذاك من روم وفارس".
ب- نساء الإسلام الأوائل
لقد كان نساء ورجال صدر الإسلام يفتخرون بدينهم ويعتزون به، ويثقون بأحكامه وتشريعاته، فيطبّقون أحكامه دون أن يجادلو، وذلك ثقة واعتزازاً بقيم وقوانين الدين الإسلامي. يروى عن نساء الأنصار "أنهن لمّا نزلت سورة النور: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾، انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل اللَّه إليهم منها، يتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحّل فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل اللَّه من كتاب، فأصبحن وراء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كأن على رؤوسهن الغربان"8.
هذا هو المجتمع الإسلامي الأوّل، إنه مفعم بالإيمان، يلتزم بشدة وبسرعة وبلا جهد سوى أن أمر اللَّه الحكيم قد نزل، فلا حاجة للدعاية والنشر والكتب والخطب وبيان مضار الشيء ومفاسده، وصلاح الشيء ومنافعه. لذلك كان الرجال والنساء على طريق التكامل المعنوي الصحيح، فتقدّموا وتطوّروا وانتصروا، بعد أن كانوا متخلفين مغلوبين. وإذا أرادت النساء أن يتقدمن ويتطورن ويرفعن الظلم عنهن فما عليهن إلا أن يثقن بدينهن ويلتزمن أحكامه.
يقول الإمام الخامنئي حفظه الله: "لو طبِّق رأي الإسلام في أي مجال بشكل جيد، وحدّد ذلك الرأي بشكل صائب، فإن كثيراً من المشاكل، ولعلها جميع المشاكل ستحل في المستقبل. لكن للأسف فإن كثيراً من الناس لا يعرفون الاراء القرانية والإسلامية في كثير من القضايا. ومن بينها هذه القضية (قضية المرأة) ويولّون جل اهتمامهم للعادات والتقاليد والاستنتاجات والأذهان غير السليمة ولإنتاج الثقافات الغريبة عن الأديان الإلهية والغريبة عن الإسلام. إنهم يعرفونها أكثر، لذلك فإنهم يستمرون بالسير في الطريق الخاطىء".
وإليكم بعض ملامح النساء الأوائل:
"في صدر الإسلام كانت المرأة تتولّى مهمّة معالجة جرحى الحرب في ساحة المعركة، بل كانت تلبس النقاب وتبارز بالسيف خلال الحروب الشديدة، في نفس الوقت كانت تحتضن أبناءها داخل بيتها، وتربيهم تربية إسلامية، وتحافظ على حجابها، فليس هناك منافاة بين كل تلك الأمور...".
"... وكانت هناك نسوة... بارزات في صدر الإسلام، كن حاضرات في شتّى الميادين، حتى في ساحة الحرب، وقد شارك بعضهن في القتال، ممن كنَّ يمتلكن قوة جسديّة، رغم أن الإسلام لم يوجب ذلك على النساء، وأراحهنّ منه، لأنه لا يتلاءم مع طبيعتهن الجسدية ولا ينسجم مع عواطفهن".
ج- فاطمة الزهراء عليها السلام
من النساء الأوائل بل قدوة النساء فاطمة الزهراء التي أذهب اللَّه عنها الرجس وطهرها تطهيراً.
يقول القائد حفظه الله: "يمتلك المسلمون وثقافتهم امرأة (فاطمة) بهذه العظمة، إن اللَّه تعالى كان قادراً على أن يجعل أعظم وأسمى امرأة في عداد الأمم الأخرى... لكنه جعلها في الأمة الإسلامية، وهي حجة علينا، وتنبيه لنا، لكي نجعل هذه الأسوة السامية أمام أعيننا، وأن نسعى للسير في درجاته".وهكذا يجب أن تتعلم نساءنا من الزهراء "إن على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق التهذيب المعنوي والأخلاقي للنفس وتكون طليعة في ميدان الجهاد والكفاح (بكل أنواعه) ولا تهتم بزخارف الدنيا ومظاهرها الرخيصة وتكون عفتها وعصمتها وطهارتها بدرجة بحيث تدفع عنها نظر الأجنبي تلقائياً...". هذه هي فاطمة، قدوة النساء، في كل الخصال الحميدة، فهي العالمة فكنّ العالمات، وهي العابدة فكنّ العابدات، وهي المجاهدة فكنّ المجاهدات، وهي العفيفة فكنّ العفيفات.
د- المرأة الإيرانية
إن المقارن لأوضاع المرأة الإيرانية قبل وبعد الثورة، يرى الفرق الشاسع. "ففي عهد الشاه كان التهتك في مدينة طهران وفي بعض مدننا الأخرى يفوق ما هو متعارف في المدن الأوروبية! فالمرأة الأوروبية العادية كانت ترتدي ملابسها وسترها، أما هنا فلم يكن الأمر كذلك، فما كنّا نرى ونسمع ونعلم، والمناظر التي كنا نراها، وهي ماثلة الان في أذهاننا، كانت تحيِّر الإنسان، وتجعله يتساءل عن سبب ذلك...". فجاءت الثورة وانقلب الحال فبعد أن كان الحجاب وصمة عار في عهد الشاه، أصبح علامة العفاف والطهر والتكامل.
"فهذه هي عصمة الإسلام التي ظهرت على وجوه نسائنا الثوريات في أيام الثورة وحالياً أيضاً وللَّه الحمد ، فلا يقول البعض أن النساء لا يمكنهن كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفة وإدارة البيت وتربية الأولاد، فكم من النساء العاملات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا... فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيات المجدّات ومن ذوات القابلية، وكذلك من الخريجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علمية متنوعة، إن نساءنا اليوم في الجمهورية الإسلامية يحافظن على عفافهن وعصمتهن وطهارتهن كنساء، ويحافظن على الحجاب بشكل كامل، ويقمن بتربية أولادهن بالطريقة الإسلامية وكذا بالواجبات الزوجية كما يقول الإسلام، ويمارسن نشاطات علمية وثقافية...".
فبهذا تشكل نساء إيران النموذج والمثل لكلِّ نساء العالم، وخاصة النساء المسلمات، ويثبتنّ أن المرأة المسلمة هي المجاهدة الحركية العالمة، وبنفس الوقت هي المحجبة والعفيفة، فلا تلازم بين السفور والعلم، ولا تناسق بين التهتك والتطور...
*المرأة حقوق وحرية وحجاب, سلسلة في رحاب الولي الخامنئي, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- النساء:119.
2- التحريم:10.
3- التحريم:11.
4- الأحزاب:35.
5- صدر كتاب يتحدث عن هذا الموضوع عن مركز الإمام الخميني رحمه الله بعنوان "دور المرأة في الأسرة" لذا لم نفصِّل هنا.
6- الحجرات: 13
7- التحريم:10.
8- تفسير ابن كثير، ج2، ص295.
#منتديات_المخرج_علي_العذاري
الإسلام هو الحل
بعد كلِّ ما تقدَّم من صورة قاتمة مظلمة ظالمة للمرأة، من جاهلية عربية تئد البنات ولا تورثهن ولا تملكهن وليس لهن خيار في الزواج، إلى جاهلية الفرس والصين والهند والرومان واليونان حيث المرأة مملوكة مجهولة المصير حبيسة همومها وشجونها، مروراً بجاهلية الحاضر، جاهلية أمريكا وأوروبا، حيث كانت المرأة في انجلترا إلى زمن قريب تباع في الأسواق كالرقيق، فقد كان الزوج يستطيع أن يبيع زوجته مقابل دراهم معدودة.
وحيث كانت المرأة إلى وقت قريب في كثير من الدول الأوروبية لا تستطيع التصرف في أموالها وأملاكها. بعد كلِّ هذه الصورة القاتمة، أين هو النور الذي سيضيء هذه العتمة؟ أين هو الوجه المشرق للمرأة؟ أين هو الخط المستقيم، خط لا إفراط ولا تفريط، بل ميزان عادل لا يظلم ولا يحيف؟ أي دين وأي مسير سيمنع ظلم المرأة وقهرها؟ وكيف سنمنع الظلم؟ "إن الذي يمنع ذلك (الظلم) أمران:
الأول: الخوف من اللَّه تعالى واحترام القانون وعمران القلب بالإيمان.
والثاني: أن تكون المرأة مطلعة جيداً على حقها الإنساني والإلهي وأن تدافع عنه، وأن تجد نفسها بالمعنى الحقيقي للكلمة.
وفي هذا المجال يبين الإسلام الحد الأوسط دون إفراط ولا تفريط. فلا يسمح للمرأة أن ترتكب الظلم، ولا يهمل طبيعة كل من المرأة والرجل، بل يبين الخط المستقيم والصراط المستقيم، وهو الخط الإسلامي...".
"إن النواقص كثيرة، والمشاكل أكثر، فما هو العلاج، العلاج هو أن نتوجّه إلى الحل الإلهي وأن نجده، ذلك لأن الحل الإلهي يحمل مسائل هامة حول قضية الرجل والمرأة".
"نعم إني أوافقكن على ما قلتن من أن العالم المعاصر متعطش لسماع نداء الأديان، وإن الدين الذي يدّعي قدرته على بناء المجتمع في جميع المجالات من بين الأديان هو الإسلام. إن المسيحية المعاصرة وباقي الأديان بطريق أولى لا تدّعي ذلك، أما الإسلام فإنه يدّعي أنه يمتلك أركان بناء نظام اجتماعي، ويمكنه أن يقيم أسسه وأركانه، وأن يقيم على تلك الأسس نظاماً اجتماعياً ومجتمعاً سالماً ومتقدماً...".
"ما أردت التحدث عنه هو أن لكل نقص موجود في وضع المرأة في مجتمعنا هناك علاج، ذلك لأن الإسلام ينظر إلى المرأة نظرة شاملة وكاملة وجامعة، ولا بد من العثور على طرق العلاج. وعندما شكّلت الشورى الثقافية والاجتماعية النسوية كان الهدف منها هو هذا الأمر بالضبط... وعلينا اليوم أن نرى ما تحتاجه النساء من وسائل قانونية للسير في الاتجاه الذي يريده الإسلام للمرأة، وما هي الأفكار والتأملات اللازمة، وما هي التوجيهات التي تلزمهن، وما هي المراكز الارشادية التي يجب أن توجد...".
المرأة في المجتمع الإسلامي
ولئن كان الإسلام هو العلاج لقضايا المرأة، إلا أنه لا ينبغي إنكار حقيقة أن المجتمع الإسلامي بحاجة إلى مزيد من الجهود لإصلاح حال المرأة، فربَّ تشريع متكامل، وقانون تام، إلا أنه لا يلقى من أتباعه الإلتزام التام.
يقول القائد حفظه الله: "... إن التحرك باتجاه الاقرار بحقوق النساء في المجتمع الإسلامي وفي مجتمعنا أمر لا بد منه، لكن يجب أن يكون على أساس إسلامي وبهدف إسلامي. ولا يقولنّ البعض ما هذه النهضة وما هذه الحركة، وماذا ينقص المرأة في مجتمعنا؟ للأسف قد يفكر البعض هكذا إنها نظرة ظاهرية فالمرأة تعاني من الظلم ومن نقائص فرضت عليها في جميع المجتمعات ومنها مجتمعنا. لكن ذلك النقص ليس في الحرية بمعنى التهتك، بل إنه نقص في إتاحة الفرص لاكتساب العلم والمعرفة والتربية والأخلاق والتقدّم وتفتق الطاقات والإبداعات، ولا بد من تأمين ذلك لهنّ والبحث عنه، وهو ما يؤكد عليه الإسلام".
"... لقد بذلت جهود كثيرة، لكن رغم ذلك لا بد من القيام بعمل ثقافي كبير حول قضية المرأة وحقوقها ورفع الظلم عنها وتمهيد الأرضية اللازمة لتحرك المرأة. إنني اليوم أطرح بحثي هذا بهذه النيّة وهي المساعدة على ايجاد هذا الجو الثقافي، فإذا أصبح الجو الثقافي لمجتمعنا شفافاً في مجال مسائل المرأة، واتضحت الأحكام الإسلامية، والاراء القرانية في هذا المجال، فسيتعبّد الطريق أمام نساء بلدنا ليتمكنّ من الوصول إلى النقطة التي تعتبر هدفاً وغاية مطلوبة. رغم أنه بحث وكلام وقول، لكنه في الحقيقة عمل، ذلك لأن هذا الكلام سيجعل الجو الثقافي للمجتمع شفافاً والأذهان متفتحة".
الدفاع عن المرأة بين الثقافة الغربية والإسلامية
"إننا نرى خلال السنوات الأخيرة جهوداً تستحق التقدير قد بذلت في المجالات الفكرية والثقافية في بلدنا وفي مجال قضايا المرأة، لكن هناك نقطة أساسية: ما هو هدفنا من الحديث عن حقوق المرأة أو حول ايجاد أجواء تكاملها ورفع الظلم عنها، والحديث عن المرأة بشكل عام؟ ما هو الهدف من هذه الجهود والكتابات والكلام والنشاطات القانونية؟ إنه سؤال مهم. ... هناك هدفان يمكن تصورهما للنشاطات الثقافية والحقوقية في سبيل بلوغ المرأة النقطة المطلوبة في الناحيتين الاجتماعية والفردية:
الهدف الأول: هو بذل الجهد والسعي والكتابة والتحدث من أجل وصول المرأة إلى كمالها الوجودي، أي أن تصل المرأة في المجتمع أولاً إلى حقها الإنساني والحقيقي. ثانياً: تنمية قابلياتها لتجد نموها الحقيقي والإنساني ولتنال في النهاية تكاملها الإنساني، ولتصبح المرأة في المجتمع على شكل إنسان كامل، ولتكون إنساناً يساعد على تقدم البشرية ومجتمعها، ولتبدّل العالم، في حدود قدراتها، إلى جنة سعيدة وجميلة.
وهناك هدف اخر: وهو أننا نسعى من خلال الكلام وبذل الجهد والجهاد أحياناً إلى ايجاد حالة خصام وتباعد ومنافسة عدائية بين جنسي المرأة والرجل، ونبني عالماً قائماً على أساس المنافسة، حتى يبدو المجتمع البشري هناك رجال في جهة ونساء في جهة أخرى، ويتنازع الطرفان حول المكتسبات، وتريد المرأة في هذا المجال أن تتغلّب على الرجل وتتفوّق عليه، هل هذا هو الهدف؟
إذاً هناك نظرتان يمكن رسمهما حول الهدف من هذا الجهد وهذه الحركة، وبتعبير اخر هذه النهضة، الهدف الأول هو هدف إسلامي، والهدف الثاني هو هدف قصير النظر.
إننا نرى اثار الهدف الثاني أكثر في الجهود التي تبذل في الدول الغربية...".
هل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟
يقول القائد حفظه الله: "إن التعامل الحقيقي والصحيح هو الذي يلاحظ طبيعة المرأة، فلا يمكن للمرأة أن تنسى طبيعتها، وليس من المصلحة أن تنساها، لأن هذه الطبيعة مؤثرة في النظام الأتم، وهذا الوضع مؤثر ولازم، وإلا إذا بدّلنا هذا الجنس بشكل واقعي إلى الجنس الاخر، أو غيّرنا خصوصياته، نكون بذلك قد أنقصنا التكامل، أليس كذلك؟ علينا أن نبقي على المرأة مرأة وعلى الرجل رجلاً لتكتمل هذه المجموعة، وإلا إذا بدّلنا الرجل إلى امرأة في جميع خصوصياته وأخلاقه وسيرته وواجباته وأعماله، وبدّلنا المرأة رجلاً، إذا قمنا بأي من ذلك نكون قد قمنا بعمل خاطىء".
"﴿فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ﴾1 هذا هو التغيير في خلق اللَّه الذي ذكر في القران، أي أننا نكون قد قضينا على النظام الأتم للخلق، ذلك النظام الذي يشكِّل ضرورة لهذه المجموعة الجنسية بهذه الخصوصيات، ولذلك الجنس بتلك الخصوصيات ليكمل كلٌّ منهما الآخر".
"إن الإسلام يدعم تكامل البشر، والإسلام لا يفرِّق بين الرجل والمرأة، فالإسلام لا يركِّز على جنس الرجل أو جنس المرأة، بل إنه يسعى إلى تكامل البشر. إنه يتحدّث تارة عن الرجل، ويتحدث أخرى عن المرأة، ويكرِّم المرأة حيناً، ويكرِّم الرجل حيناً اخر، ذلك لأنهما عنصرا الوجود البشري. ليس هناك أي تفاوت بينهما من الجانب البشري والإلهي. لذلك فإنّه في القران عندما يتحدث اللَّه عن الإنسان الصالح والإنسان السيء ويعطي مثلاً عنهم، فإنه يضرب مثلين من النساء، فيقول: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ... كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾2. وحول الإنسان المؤمن يضرب مثلاً: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِه﴾3. فيعطي مثالاً كاملاً عن الطريق الخطأ والطريق الصحيح بذكر نساء، وفي مكان اخر يتحدّث عن الرجال. فالإسلام لا يركّز على جنس المرأة والرجل بل يركِّز على التعالي البشري، على الأخلاق البشرية، على إبراز الطاقات الكامنة، على أداء المهام الموكلة لكل جنس من الأجناس البشرية، ولا بد من معرفة طبيعة كل منهما. والإسلام يعرف جيداً طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، والمطروح في الإسلام هو التعادل، أي رعاية العدالة المحض بين أفراد البشر. ومن جملة ذلك بين جنسى المرأة والرجل، التعادل في الحقوق، لكن في بعض المجالات قد نجد أن أحكام المرأة تختلف عن أحكام الرجل، ذلك لأن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل، لهذا فإن أكثر الحقائق وأكثر واقعيات الفطرة والطينة البشرية حول المرأة والرجل موجودة في المعارف الإسلامية". "إن مساحة حضور المرأة في ثلاث:
1- في حدود التكامل الإنساني
فإن نظر الإسلام هو: "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين، والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين اللَّه كثيراً والذاكرات، أعدّ اللَّه لهم مغفرة وأجراً عظيم"4. عشرة صفات أساسية للرجل والمرأة دون أي تمييز...
2- المساحة الثانية حضور المرأة اجتماعياً
من نشاطات سياسية واقتصادية واجتماعية وما شابه (فكرية)، أي حضور المرأة في المجتمع...
3- دور المرأة في الأسرة
إذاً في الساحة الأولى: أي ساحة الرشد المعنوي والسمو الروحي والنفسي للإنسان، لا يوجد فرق بين المرأة والرجل، فالمرأة كالرجل والرجل كالمرأة يمكنهما أن يرتقيا الدرجات المعنوية العليا ويصلا إلى القرب الإلهي...
الساحة الثانية: ساحة النشاطات الاجتماعية التي تشمل النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بمعناه الخاص. والعلمي والدراسة والتدريس والكدح في سبيل اللَّه والجهاد وجميع ساحات الحياة الاجتماعية، في هذه الساحة أيضاً لا يوجد تفاوت بين الرجل والمرأة في مزاولة النشاطات المختلفة في شتى المجالات في نظر الإسلام، فمن يقول إن الرجل يمكنه أن يدرس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يدرِّس والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس نشاطاً اقتصادياً والمرأة لا يمكنها ذلك، والرجل يمكنه أن يمارس العمل السياسي والمرأة لا يمكنها ذلك، فإنه لا يبين المنطق الإسلامي، وكلامه مخالف لكلام الإسلام...
نعم هناك بعض الأعمال التي لا تناسب المرأة، ولا تتلاءم مع تركيبها الجسدي، كما أن هناك بعض الأعمال التي لا تناسب الرجل، ولا تتلاءم مع وضعه الأخلاقي والجسدي، لكن لا علاقة لذلك بقدرة المرأة على التواجد في ساحة النشاطات الاجتماعية أو عدم قدرتها، فإن تقسيم الأعمال يتم حسب الإمكانات والرغبة واقتضاء كل عمل، فإذا تحققت الرغبة عند المرأة يمكنها أن تؤدي النشاطات الاجتماعية المختلفة، وكل ما هو متعلق بالمجتمع... القسم الثالث والمهم جداً هو الأسرة..5.
إن المراجع للأصول الإسلامية الشرعية (القرآن والسنّة) يرى بكل تأكيد المنطلقات التحريرية للنساء، وعدم التفريق بين الرجل والمرأة، (فيما عدا صور التخصيص القليلة لغرض معين) حقاً لو أخذنا الكتاب الكريم فإن أية سورة من سوره تكاد لا تخلو مما يدل على التسوية بين المرأة والرجل دون أي فرق في تقرير الحقوق والواجبات والتبعات. وليس أدل على ذلك من الأسلوب القرآني في توحيد الخطاب بصيغة التأنيث والتذكير فيما يتعلق بالحقوق والتبعات المتعلقة بجميع فروع النشاط البشري في حقول الحياة الخاصة والعامة، فإن الخطاب موجّه فيها دائماً إلى المرأة وإلى الرجل في صعيد واحد ودونما تفضيل مثل قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾6.
كما أن هناك من الأحاديث النبوية الشريفة ما يدعم ذلك. والمؤسف أن هناك مقولات تنطلق في المجتمع الإسلامي دون دراسة، كالمقولة التي تقول إن النساء نواقص العقول، فيأخذها الناس ويبنون عليها ويتناقلونها وكأنها مسلَّمة دينية.
ولقد أشار سماحة القائد حفظه الله إلى التركيبة العقلية للمرأة قائلاً: "المرأة لا تقل عن الرجل من حيث تركيبها العقلي، وأحياناً تكون أقوى منه، لكن فهم المرأة يختلف عن فهم الرجل، ونوع أحاسيس المرأة يختلف عن أحاسيس الرجل، فكل واحد منهما قد أوجد لمهمة تناسبه، وقد أودع ذلك في وجود الأفراد. فعند مواجهة بعض المسائل العلمية ليس هناك تفاوت بين فكر المرأة والرجل، لكن هناك تفاوتاً بينهما في طريقة الحياة...". فالمقولة السالفة إذا صحَّت، فليست على إطلاقها، إنما لها معنى لا ينقص من قيمة المرأة وكمالها وعقلها وعلمها.
الحجاب
حرب على الحجاب ودعوة إلى الثبات
إن مسألة الحجاب، وسائر المسائل المتعلقة بالمرأة أضحت أداة بيد جمع من المغرضين المتآمرين، للهجوم الإعلامي ضد الإسلام. وبديهي أن هذا الإعلام السيئ سيترك آثاره السلبية على الشباب، إذا لم يتم تحصينهم فكرياً بشكل كاف.
يقول القائد حفظه الله حول الهجوم على الحجاب: "... عندما ترين بعض الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية التي تحكمها حكومات غير إسلامية، تجدن كيف يهاجم أعداء الدين الحجاب الإسلامي هكذا، فإن ذلك يبيّن مدى اهتمام نساء تلك الدول بالحجاب...".
ولقد مرّ معك مثالان عن دولتين إسلاميتين، كان قد مُنع الحجاب في مؤسساتها التعليمية والإعلامية، ولقد كان نظام الشاه الطاغوتي يعمل على تنفير المسلمات من الحجاب وعلى إشاعة السفور.
"خلال عهد النظام الطاغوتي كان البعض يتعامل مع الحجاب بسخرية واستهزاء، في ذلك العهد كان هناك عدد محدود من السيدات والفتيات الجامعيات المحجبّات، وكنَّ يتعرضن للسخرية والاستهزاء، إن ذلك التعامل كان تعاملاً غير إنساني وجلف وخاطىء، وهذا هو عين ما تقوم به وسائل الإعلام الغربية اليوم...".
وكم نسمع من أقوال الاستهزاء بالمحجبات في بعض مجتمعاتنا، الحجاب للعجائز! الحجاب تخلّف! الحجاب يمنعك من اظهار جمالك! الحجاب يقيِّد الحركة! الحجاب عادة قديمة! إلى اخر اللائحة... وإزاء هذا الكم من الاستهزاء والاتهامات تسقط الشَّابّة الضعيفة أمامها، ولا تعرف أن كل هذه الاتهامات ما هي إلا أباطيل يراد من خلالها اسقاط قيمة المرأة وإنسانيتها. وقد دعا سماحة القائد حفظه الله إلى الثبات وعدم التأثر بالاستهزاء والاستهتار يقول: "على نساء إيران العالمات والواعيات أن يكملن طريقهن الواضح هذا، وأن يخطين فيه خطوات ثابتة وراسخة. وعلى الجيل الثوري والنساء المؤمنات أن يجتنبن ما يفعله السطحيون والغافلون، وأن يحذرن من العودة إلى الاستهلاك والتجمل الخاوي والميول غير الثورية، والعيش الجاهلي بالاختلاط غير المحمود...".
بين الحجاب الجاهلي والإسلامي
لا يعني الحجاب في الإسلام، حبس المرأة في البيت، بحيث لا ترى الشمس، ولا تشم ريح الحياة، كلا، إن الحجاب الإسلامي حجاب مبني على أسس عقلية منطقية حكيمة.
يقول القائد حفظه الله: "... فالحجاب لا يعني انزواء المرأة، وإذا كان هناك من يستنتج أن الحجاب انزواء، فإن استنتاجه هذا خطأ محض وانحراف. إن الحجاب يعني الحد من الاختلاط والتهتك بين المرأة والرجل في المجتمع، فإن هذا الاختلاط مضر للمجتمع، ومضر للمرأة والرجل، وخاصة للمرأة، فالحجاب لا يؤثر على النشاطات السياسية والاجتماعية والعلمية ولا يمنعها مطلقاً...". إذاً الحجاب الإسلامي انفتاح وحركة، لا انغلاق وموت.
بعض غايات الحجاب
أ- الحجاب مقدِّمة لأمور أسمى
يقول القائد حفظه الله: "يجب أن تحيا قيم الإسلام في مجتمعنا، فمسألة الحجاب مثلاً هي مسألة ذات قيمة، ورغم أن الحجاب هو مقدّمة لأمور أسمى، لكنه بحد ذاته مسألة ذات قيمة. ونحن إذ نؤكد كثيراً على الحجاب، ذلك لأن حفظ الحجاب يساعد المرأة على الوصول إلى مستويات معنوية عالية، ويصونها من الإنزلاق في منزلقات الطريق".
فالحجاب يساعد على الوصول إلى الجمال الحقيقي والكمال الأبقى، يقول سماحته حفظه الله: "أقول إن الميل نحو الزينة والتجمل، كان قد خبا في مجتمعنا تدريجياً لسنوات... إني لا أعارض التظاهر بالتجمّل بحدِّه المعتدل والقليل، لكن إذا كان سيأخذ شكلاً إفراطياً، ليصبح تبرّجاً في الملابس والزينة والمساحيق والذهب والمجوهرات، فعلى النساء أن يمسكن عن ذلك، وأن يدركن أهمية الأمر، وأن يزهدن في ذلك لينصرف اهتمامهن نحو الجمال الحقيقي أكثر من الاهتمام بالجمال الظاهري...".
ب- الحجاب للحفاظ على عفة المرأة
"... كل حركة تسعى للدفاع عن المرأة يجب أن يكون ركنها الأساس هو عفّة المرأة، فكما قلت إن الغرب لم يهتم بقضية عفة المرأة ولم يعتنِ بها، فانتهى الأمر بهم إلى التهتك".
عفة المرأة هي أهم عنصر في شخصيتها... وهي وسيلة لسمو شخصية المرأة ورفعتها وتكريمها في أعين الاخرين، حتى في أعين الرجال المتهتكين، فعفة المرأة علة احترام شخصيتها.
"فقضية الحجاب والمحارم وغير المحارم والنظر وعدم النظر، إن كل تلك الأمور والأحكام إنما وضعت للمحافظة على بقاء العفّة سالمة. فالإسلام يولي مسألة عفاف المرأة الأهمية، طبعاً فإن عفاف الرجل مهم أيضاً، فالعفة ليست مختصة بالمرأة، بل على الرجال أيضاً أن يلتزموا العفة، كل ما في الأمر أن الرجل في المجتمع يمتلك قدرة وقوة جسمية أكبر، ويمكنه بذلك أن يظلم المرأة،... لذلك طلب من المرأة الاحتياط أكثر. عندما تنظرن إلى العالم ترين أن أحد مشاكل المرأة في العالم الغربي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية هي استغلال الرجال لقوتهم والاعتداء على عفة النساء.
إن الاحصاءات التي نشرها المسؤولون الرسميون في أمريكا نفسها... إحصاءات مرعبة حقاً، ففي كل ستة ثوان يقع اعتداء عنف في أمريكا! انظرن إلى مدى أهمية العفة، عندما أهملوا العفة بلغ بهم الأمر هكذا، كل ستة ثوان يقع اعتداء بالعنف، خلافاً لميل المرأة يستخدم رجل قوته، رجل ظالم متهتك غير عفيف يعتدي على عفة المرأة. إن الإسلام يلاحظ ذلك، إن قضية الحجاب التي أكد عليها الإسلام إلى هذا الحد، تأكيده من أجل هذا...".
ج- الحجاب للحفاظ على أمن المرأة
لقد مر في المقطع السابق الحديث عن أهمية الحجاب في أمن المرأة ولمزيد توسعة لمفهوم الأمن، نقول إن الأمن لا يقتصر على الأمن الجسدي بل يعمّ الأمن الروحي والفكري يقول القائد حفظه الله: "ومن أجل أن لا يقع الاختلاط... وتحفظ الحدود الأخلاقية، قام الإسلام بتعيين الحجاب للمرأة. وهذا الحجاب وسيلة من وسائل الأمن، فبحجاب المرأة تجد المرأة المسلمة أمنها، ويجد الرجل المسلم أمنه. وعندما يبعد الحجاب عن النساء وتقترب من العري والتهتك يسلب أمنها هي بالدرجة الأولى ويسلب الأمن من الرجال والشبّان ثانياً. لهذا فإن الإسلام عيّن الحجاب من أجل أن يكون الجو سالماً وامناً، ولتتمكن المرأة من مزاولة عملها في المجتمع، وليتمكن الرجل أيضاً من أداء مسؤولياته، وهذا الحجاب من الأحكام الإسلامية البارزة، وأحد فوائده هو ما ذكرته، وله فوائد أخرى...".
إذن الحجاب يحفظ أمن المجتمع الجسدي والمعنوي، وليس صحيحاً أن يقال إن أمن المرأة متوفر بشكل كامل في عصرنا، فكما مرّ معك من كلام القائد أن هناك إحصاءات مذهلة حول الاعتداءات الجنسية، التي تقع في العالم الذي يقال عنه متمدِّن!
أما الأمن المعنوي، فلأن الإنسان أعم من الرجل والمرأة كما أنه لا يشبع من الثروة والجاه، كذلك الأمر بالنسبة لأمور الشهوة الجنسية، والطلب اللامحدود لا يمكن تلبيته سواء أردنا أم لم نرد، وهو توأم مع لون من الإحساس بالحرمان. وعدم نيل الأماني بدوره يؤدي إلى اضطرابات وأمراض روحية ونفسية.
ومن أسباب ازدياد نسبة الأمراض النفسية في الغرب، التفلت الحاصل في الصحف والمجلات والحفلات والسينما والشارع...
فحصر التمتع الجنسي من وجهة نظر الإسلام في محيط الأسرة، وبالأزواج المشروعين يساعد على الحفاظ على الأمن الروحي والعقلي، والتوازن العام للمجتمع، ويؤدي إلى تعميق العلاقات الصادقة والحميمة بين أفراد العائلة، كما يفضي اجتماعياً إلى حفظ واستثمار الطاقات باتجاه العمل والانتاج، وينتهي إلى رفع قيمة واعتبار المرأة أمام الرجل.
فالحجاب يعني حصر ألوان المتعة الجنسية سواء كانت بصرية أو سمعية أو لمسية في محيط الأسرة والزواج القانوني، ويبقى المحيط الاجتماعي والشخصي آمن، فالشخص يترقّى فكراً وروحاً، وبالتالي المجتمع يترقى ويتقدم ويتطور.
وقد ألفت القائد حفظه الله إلى هذا الأمر المهم: "هناك شيء في الغرب يملأ العيون، وهو عدم وجود تفاوت في السيرة الاجتماعية للرجل والمرأة في المجتمع. فكما أن الرجل يدخل إلى الاجتماع فيسلِّم وينضم إلى الحاضرين، كذلك المرأة تدخل بنفس السهولة وتنضم إلى الموجودين... وهي نقطة ايجابية، لكنها سطحية وظاهرية وإلى جانبها سلبيات كثيرة.
أولاً: إنهما (أي الرجل والمرأة) داخل الأسرة ليسا كذلك إطلاقاً، فالاحصاءات والأخبار القطعية، لا الكلام المنبري والشعارات، كلها تشير إلى ظلم المرأة... حتى الرجل يظلم، لكنه رجل وصاحب اليد الأقوى... لكن التي تظلم بشكل قطعي هي المرأة، ذلك لأن زوجها يقيم علاقات عاطفية وجنسية مع عدّة نساء غيرها، وله علاقات حميمة ودافئة لا يقيمها مع زوجته! ذلك يشكل أكبر ضربة للمرأة. فالمرأة ترغب مع شريك حياتها، وأن تكون بينهما علاقات عاطفية صادقة، وأن يكون الأقرب إلى بعضهما من العالم كلِّه...".
على هامش مسألة الحجاب (إلفاتات ووقاية)
لا يكفي أن نشرِّع مسألة ما، بل لا بد من ايجاد وسائل لتطبيق هذا التشريع تطبيقاً كاملاً، وللمساعدة على تحقيق هدفه.
أ- على النساء التخصص في المجالات الطبية كافة
وهنا اقترح القائد حفظه الله أمراً يساعد على تطبيق الحجاب: "وأشير هنا إلى ضرورة تخصص النساء في كافة الفروع والتخصصات الطبية، وعدم الاكتفاء بالطب النسائي، فما دمنا نعتقد بضرورة وجود فاصلة في العلاقة والارتباط الاجتماعي بين المرأة والرجل، ونؤكد على رفض الاختلاط الحر بين المرأة والرجل، ونعتقد بالحجاب بمعناه الواقعي الكامل، لذلك لا يمكننا إهمال المسألة الطبية، أي أنه يلزمنا وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة من الأطباء الرجال، حتى تتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت، ولا داعي للمساس بتلك الفاصلة...
بعض النسوة يعتقدن أن على المرأة أن تدرس التخصصات النسائية فقط، وأن يبقى تخصصهن محصوراً بأمراض الحمل والولادة، لكن الأمر ليس كذلك...".
ب- انشاء معاهد تعليمية نسائية
"بلغني أن هناك نية وحديث لايجاد جامعة خاصة بالنساء إنشاء اللَّه، أي أن يكون الأستاذ فيها والمدير والطلاب، بل وحتى الجهاز الإداري من النساء، خاصة في الجامعات الطبية. إنها فكرة جيدة جداً...".
ج- خطورة الخلوة بالأجنبي والتزين
وألفت القائد إلى ضرورة الانتباه لخطورة الخلوة بالأجنبي: "في الإسلام هناك حجاب بين المرأة والرجل، إنه أمر لا يمكن إنكاره، فهذا الحجاب موجود، وهو موجود لحكمة ما، وحقيقة لا بد من وجوده. وعندما يقال أن انفراد الرجل والمرأة داخل غرفة مغلقة لوحدهما حرام، فإن لذلك التحريم معنى عميق وحكيم، وهو أمر صحيح، وكل رجل وامرأة إذا عادا إلى أنفسهما فسيؤيدان هذا الحكم. ... والحكم الذي يحرّم على المرأة أن تظهر بزينتها أمام الرجال وفي جمع من الرجال، إنه حكم صحيح... الثقافة الإسلامية تذمُّ التبرُّج لغير الزوج...
د- عدم الاختلاط السلبي
يقول القائد حفظه الله: "... ومن جملة ذلك (الأحكام الإسلامية) مسألة الحجاب، ومسألة وجود حد بين الرجل والمرأة، وذلك الحد في منطقة خاصة ولا يشمل كل الأماكن...". فعلى المرأة أن تحترز عن الاختلاط السيئ، طبعاً ليس كل اختلاط سيئ، فلا بأس بالاختلاط مع المحافظة على الموازين الشرعية. "افترضن أن امرأة قد تقلَّدت منصباً حكومياً كبيراً... وكان ذلك المنصب مهماً جداً، ويراجعه رجال كثيرون، فلا إشكال في ذلك، ولا مانع من تولي امرأة لذلك المنصب، فيمكن للمرأة أن تستقبل في منصبها الاف الرجال والمراجعين وبشكل حكيم. وكذلك الأمر في ساحة المواجهة وفي ساحة الحرب، كالساحة التي شاركت فيها السيدة زينب، والسيدة الزهراء، والسيدة حكيمة، أو أخت الإمام الصادق عليه السلام حيث طلب الإمام من سائليه أن يسألوه".
ﻫ- العلم والسفور
"... العلم بكلِّ عظمته تلك لا يساوي شيئاً أمام الحيثية المعنوية التي منّ بها اللَّه على المرأة. فإذا بلغت امرأة ما أعلى مستويات العلم، لكنها كانت مبتذلة في المسائل الإنسانية وفي علاقاتها الإنسانية كجنس من جنسين، فهل ترين لها قيمة؟ طبعاً المرأة العالمة تكون أقل تعرّضاً للابتذال. فإن من افات الأمية ارتفاع نسبة الابتذال عند النساء، وليس للابتذال حدّ معين. إن الجوهر الإنساني، عزيز لدى المرأة والرجل، وعندما يتعلمان العلم والحكمة، فإنهما يسعيان إلى ابراز وجلاء ذلك الجوهر أكثر فأكثر...".
و- التبرج ظلم للمرأة
"على المرأة أن تعرف شأنها الحقيقي، ويجب أن لا تظلم لكونها امرأة، فإنه أمر سيء جداً. الظلم الذي لحق بالمرأة وسمي ظلماً، أو الظلم الذي لا يسمَّى ظلماً، لكنه في الحقيقة ظلم، كسوقها نحو التجمُّل والاستهلاك والزينة المفرطة والصرف المسرف وتبديلها إلى وسيلة للاستهلاك، هذا كله ظلم كبير للمرأة. قد يمكننا القول أنه من أشد الظلم لها، لأنه يجعلها غافلةً كلياً عن مقاصدها وأهدافها التكاملية، ويصرفها عنها، ويشغلها بأمور صغيرة جداً وحقيرة، وهذا ما قام به النظام الملكي الظالم، ولا بد الآن من الوقوف بوجهه...".
العباءة أفضل أنواع الحجاب
"إننا نرى أن الدراسات والبحوث الجارية التي تدور حول ستر المرأة هي بحوث جيدة، لكن عليكنَّ الالتفات أنّ أيّاً من هذه البحوث حول ستر المرأة يجب أن لا يكون متأثراً بالهجوم الإعلامي الغربي، فإن كان متأثراً فسيفشل. كأن نفكِّر مثلاً أن الحجاب جيد، لكن لا داعي للعباءة ذلك تفكير خاطىء. ولا أعني بذلك أن الحجاب لا يكون إلا بالعباءة، بل إني أقول إن العباءة هي أفضل أنواع الحجاب... هل تظنون أننا إذا تركنا العباءة، وتمسكنا بالمقنعة... فإن الغرب سيدعنا لشأننا؟ كلا، لن يقتنعوا بذلك، إنهم يريدون منّا أن نتبع ثقافتهم المنحوسة...".
نماذج إسلامية
أ- النموذج النسائي في القرآن الكريم
"... عندما أراد اللَّه تعالى أن يضرب مثلاً للمؤمنين على مدى تاريخ النبوّات قال في القران وضرب اللَّه مثلاً امرأة فرعون... فرغم وجود المؤمنين بكثرة في زمان النبي موسى والذين ضحوا في سبيل الإيمان، لكنه ذكر اسم النموذج النسائي، ما سبب ذلك؟ وهل أراد اللَّه تعالى أن ينحاز إلى جانب النساء؟ أم أن هناك أمراً اخر؟
القضية هي أن هذه المرأة قد بلغت انذاك قمة الحركة المعنوية، بحيث لا يمكن إعطاء مثل بغيرها. وكان ذلك قبل فاطمة الزهراء عليها السلام وقبل السيدة مريم الكبرى فكانت المثل لزمانها، هي امرأة فرعون وليس النبي أو ابن النبي أو زوجة النبي أو أسرة أي نبي، إن التربية المعنوية والرشد والسمو لتلك المرأة هو الذي بلغ بها منزلة المثل.
طبعاً هناك نقطة مقابلة ومعاكسة لها أيضاً، أي أن هناك مثلاً للفساد أيضاً، فإن اللَّه تعالى ضرب مثلاً لأسوء الناس فقال: "ضرب اللَّه مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنينا عنهما من اللّه شيئاً..."7 فيذكر امرأتين كمثال لأسوء الناس، فما أكثر الكفار الذين كانوا على زمان نوح ولوط، لكن القران لا يذكرهم كمثال، بل يعطي مثالاً امرأتي نوح ولوط، فما هو منشأ هذه العناية بجنس المرأة والاهتمام بسموها وحضيضها؟ لعل القران أراد بذلك أن يشير إلى النظرة الخاطئة لأناس عصر النزول، وللأسف فإن تلك النظرة ما زالت مغلوطة اليوم، أراد أن ينبه أهالي الجزيرة العربية الذين كانوا يئدون بناتهم، وأهالى امبراطوريات العالم انذاك من روم وفارس".
ب- نساء الإسلام الأوائل
لقد كان نساء ورجال صدر الإسلام يفتخرون بدينهم ويعتزون به، ويثقون بأحكامه وتشريعاته، فيطبّقون أحكامه دون أن يجادلو، وذلك ثقة واعتزازاً بقيم وقوانين الدين الإسلامي. يروى عن نساء الأنصار "أنهن لمّا نزلت سورة النور: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾، انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل اللَّه إليهم منها، يتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحّل فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل اللَّه من كتاب، فأصبحن وراء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كأن على رؤوسهن الغربان"8.
هذا هو المجتمع الإسلامي الأوّل، إنه مفعم بالإيمان، يلتزم بشدة وبسرعة وبلا جهد سوى أن أمر اللَّه الحكيم قد نزل، فلا حاجة للدعاية والنشر والكتب والخطب وبيان مضار الشيء ومفاسده، وصلاح الشيء ومنافعه. لذلك كان الرجال والنساء على طريق التكامل المعنوي الصحيح، فتقدّموا وتطوّروا وانتصروا، بعد أن كانوا متخلفين مغلوبين. وإذا أرادت النساء أن يتقدمن ويتطورن ويرفعن الظلم عنهن فما عليهن إلا أن يثقن بدينهن ويلتزمن أحكامه.
يقول الإمام الخامنئي حفظه الله: "لو طبِّق رأي الإسلام في أي مجال بشكل جيد، وحدّد ذلك الرأي بشكل صائب، فإن كثيراً من المشاكل، ولعلها جميع المشاكل ستحل في المستقبل. لكن للأسف فإن كثيراً من الناس لا يعرفون الاراء القرانية والإسلامية في كثير من القضايا. ومن بينها هذه القضية (قضية المرأة) ويولّون جل اهتمامهم للعادات والتقاليد والاستنتاجات والأذهان غير السليمة ولإنتاج الثقافات الغريبة عن الأديان الإلهية والغريبة عن الإسلام. إنهم يعرفونها أكثر، لذلك فإنهم يستمرون بالسير في الطريق الخاطىء".
وإليكم بعض ملامح النساء الأوائل:
"في صدر الإسلام كانت المرأة تتولّى مهمّة معالجة جرحى الحرب في ساحة المعركة، بل كانت تلبس النقاب وتبارز بالسيف خلال الحروب الشديدة، في نفس الوقت كانت تحتضن أبناءها داخل بيتها، وتربيهم تربية إسلامية، وتحافظ على حجابها، فليس هناك منافاة بين كل تلك الأمور...".
"... وكانت هناك نسوة... بارزات في صدر الإسلام، كن حاضرات في شتّى الميادين، حتى في ساحة الحرب، وقد شارك بعضهن في القتال، ممن كنَّ يمتلكن قوة جسديّة، رغم أن الإسلام لم يوجب ذلك على النساء، وأراحهنّ منه، لأنه لا يتلاءم مع طبيعتهن الجسدية ولا ينسجم مع عواطفهن".
ج- فاطمة الزهراء عليها السلام
من النساء الأوائل بل قدوة النساء فاطمة الزهراء التي أذهب اللَّه عنها الرجس وطهرها تطهيراً.
يقول القائد حفظه الله: "يمتلك المسلمون وثقافتهم امرأة (فاطمة) بهذه العظمة، إن اللَّه تعالى كان قادراً على أن يجعل أعظم وأسمى امرأة في عداد الأمم الأخرى... لكنه جعلها في الأمة الإسلامية، وهي حجة علينا، وتنبيه لنا، لكي نجعل هذه الأسوة السامية أمام أعيننا، وأن نسعى للسير في درجاته".وهكذا يجب أن تتعلم نساءنا من الزهراء "إن على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق الحكمة والعلم وفي طريق التهذيب المعنوي والأخلاقي للنفس وتكون طليعة في ميدان الجهاد والكفاح (بكل أنواعه) ولا تهتم بزخارف الدنيا ومظاهرها الرخيصة وتكون عفتها وعصمتها وطهارتها بدرجة بحيث تدفع عنها نظر الأجنبي تلقائياً...". هذه هي فاطمة، قدوة النساء، في كل الخصال الحميدة، فهي العالمة فكنّ العالمات، وهي العابدة فكنّ العابدات، وهي المجاهدة فكنّ المجاهدات، وهي العفيفة فكنّ العفيفات.
د- المرأة الإيرانية
إن المقارن لأوضاع المرأة الإيرانية قبل وبعد الثورة، يرى الفرق الشاسع. "ففي عهد الشاه كان التهتك في مدينة طهران وفي بعض مدننا الأخرى يفوق ما هو متعارف في المدن الأوروبية! فالمرأة الأوروبية العادية كانت ترتدي ملابسها وسترها، أما هنا فلم يكن الأمر كذلك، فما كنّا نرى ونسمع ونعلم، والمناظر التي كنا نراها، وهي ماثلة الان في أذهاننا، كانت تحيِّر الإنسان، وتجعله يتساءل عن سبب ذلك...". فجاءت الثورة وانقلب الحال فبعد أن كان الحجاب وصمة عار في عهد الشاه، أصبح علامة العفاف والطهر والتكامل.
"فهذه هي عصمة الإسلام التي ظهرت على وجوه نسائنا الثوريات في أيام الثورة وحالياً أيضاً وللَّه الحمد ، فلا يقول البعض أن النساء لا يمكنهن كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفة وإدارة البيت وتربية الأولاد، فكم من النساء العاملات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا... فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيات المجدّات ومن ذوات القابلية، وكذلك من الخريجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علمية متنوعة، إن نساءنا اليوم في الجمهورية الإسلامية يحافظن على عفافهن وعصمتهن وطهارتهن كنساء، ويحافظن على الحجاب بشكل كامل، ويقمن بتربية أولادهن بالطريقة الإسلامية وكذا بالواجبات الزوجية كما يقول الإسلام، ويمارسن نشاطات علمية وثقافية...".
فبهذا تشكل نساء إيران النموذج والمثل لكلِّ نساء العالم، وخاصة النساء المسلمات، ويثبتنّ أن المرأة المسلمة هي المجاهدة الحركية العالمة، وبنفس الوقت هي المحجبة والعفيفة، فلا تلازم بين السفور والعلم، ولا تناسق بين التهتك والتطور...
*المرأة حقوق وحرية وحجاب, سلسلة في رحاب الولي الخامنئي, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- النساء:119.
2- التحريم:10.
3- التحريم:11.
4- الأحزاب:35.
5- صدر كتاب يتحدث عن هذا الموضوع عن مركز الإمام الخميني رحمه الله بعنوان "دور المرأة في الأسرة" لذا لم نفصِّل هنا.
6- الحجرات: 13
7- التحريم:10.
8- تفسير ابن كثير، ج2، ص295.
#منتديات_المخرج_علي_العذاري