الحجاب
المقدّمة
الحجاب هو مسألة من أهمّ المسائل التي أثارت الجدل في المجتمعات على المستوى الاجتماعيّ العامّ، لما له من أثر كبير في تحديد هويّة المجتمع، ودور أساسيّ وحاسم في توجّه ومسلكيّة المجتمع بنسائه ورجاله.لذلك كان الحجاب يتعرّض دائماً لحملات التشويه والتضعيف بالجدل وطرح الشبهات تارة، وبالمحاربة العمليّة من خلال قوانين تحديده ومنعه تارة أخرى، ومن خلال محاولة عزل المحجبات عن التأثير بالمجتمع بإطلاق تهم التخلّف والرجعيّة والتحجّر... مرّة ثالثة.
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أهميّة الحجاب ودوره المصيريّ والحاسم في صراع الحقّ والباطل، فهو الحصن الشامخ الذي يصون بوجوده كلّ معسكر الحقّ، والذي إن سقط لا سمح الله فإنّ سقوطه سيعني انهيار الكثير من المفاهيم والمسلكيّات دفعة واحدة، فترك الحجاب ليس بمثابة رفع ثمرة من ثمار الإسلام، بل هو أشبه بنفض مائدة الحقّ في الجانب المسلكيّ ليسقط جلّ ما عليها من ثمار، ووضع الزقوم والضريع وموائد الباطل بدلاً عنها!
الحجاب في المسيرة الإنسانيّة
إنّ الحجاب لم يقتصر في وجوده على مرحلة معيّنة من مراحل المسيرة الإنسانيّة، وكذلك ترك الحجاب، فعندما نراجع التاريخ نجد الحجاب وعدمه قديمين في تاريخ الإنسان قدم الحقّ والباطل، وعندما جاء الإسلام العزيز ونزل القرآن الكريم أخذا بيد البشريّة ليتقدّما بها أشواطاً على المستوى الحضاريّ باعتراف العدوّ قبل الصديق,طُلب من المرأة الحجاب في مجتمع كان يمارس فيه بعض الناس الطواف العاري حول الكعبة المشرّفة! وكان فيه بيوت الرايات الحمر المنشورة في المجتمع الجاهليّ! وهكذا عندما نقرأ سيرة الأنبياء عليهم السلامسنجد دائماً هذين الخطّين... ولكن عندما نتحدّث عن المستقبل وما سترسو عليه البشريّة في نهاية مسيرتها في هذه الدنيا، نجد أنّ الحجاب هو المستقبل الذي ستلتزم به البشريّة.
فقد أثبتت التجربة الإنسانيّة أنّ السفور هو سبب تخلّف المجتمعات من الجهة الاجتماعيّة، ووقوعها في المشاكل الخطيرة التي يئنّ منها عالم الغرب اليوم، ويكفي مقارنة صغيرة بين أمن المرأة في المجتمعات الغربية التي تبتعد عن الحجاب، وأمنها في المجتمعات الإسلاميّة التي التزمت بهذا الحجاب رغم التقصير الموجود على مستوى الالتزام.فالحجاب هو الكمال والتقدّم والطمأنينة التي يمثّلها الحق، والسفور هو النقص والتخلّف والاضطراب وفقدان الأمن التي يمثّلها الباطل.
ثمّ إنّ الحجاب فُرض من الله تبارك وتعالى، لذلك فهو بالتأكيد كمال وتقدّم لمن آمن بالله وبصفاته الكماليّة، وليس نقصاً أو تخلّفاً، وسيأتي اليوم الموعود الذي لا تبقى فيه راية إلّا راية الحق، عند ظهور الحجّة عجل الله فرجه الشريف:﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾1.
معنى الحجاب: يذكرون في كتب اللغة في مادة حجب: "كلّ شيء منع شيئاً من شيء فقد حجبه حجباً... والحجاب اسم ما حجبت به شيئاً عن شيء"2.وكلامنا في حجاب المرأة، المقصود منه منع الأجنبيّ من النظر إلى بدن المرأة، فالحجاب هو ما يكون حائلاً ومانعاً وساتراً عن النظر بغضّ النظر عن طبيعة هذا المانع.
ما هو المطلوب في المنع؟
هناك أمران من ظاهر البدن هما: البشرة بلونها وخيالها، والحجم بأبعاده الثلاثة (الشكل). فهل المطلوب ستر أحدهم دون الآخر؟ أم المطلوب سترهما معاً؟ بالنسبة إلى البشرة فيجب سترها بلا ريب سواء في ذلك اللون أو الخيال.وأمّا الحجم فلا يجب ستره بالكامل بل يجب ستر التفاصيل التي تبعث على الفتنة.
أدلّة الحجاب
هناك ثلاثة أمور يجب أن نتعرّف إليها في الحجاب:
1- عمّن يجب أن تتحجّب المرأة؟
يقول تعالى:﴿... وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾3. فالمرأة المؤمنة لا ينبغي لها أن تبدي زينتها أمام الأجنبيّ وهو الشخص الذي لم يستثنه الله تعالى في الآية المباركة.
2- مقدار الستر الواجب.
يجب على المرأة أن تمنع نظر الأجنبيّ إلى كلّ ما عدا الوجه والكفين من بدنها. وهناك أدلّة من الآيات الشريفة وأحاديث المعصومين عليهم السلام تدلّ على ذلك:
أ- قوله تعالى:﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...﴾4.
وهذه الآية الكريمة تتعرّض لعدّة أمور:
1- على المؤمنين والمؤمنات أن يغضّوا من أبصارهم، ومعنى الغضّ في اللغة: الخفض والنقصان من الطرف، وغضّ البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء.
2- يجب على الرجال والنساء حفظ الفروج، فالمطلوب الاجتهاد في حفظ العفاف والطهر.
3- يجب ستر الزينة، وهناك نوعان من الزينة، خفيّة وظاهرة، والخفيّة هي ما تكون مخفيّة تحت الثياب مستورة عن نظر الناظرين، كالعقد والقراط (الحلق) ولون الشعر والثياب المستورة التي فيها زينة. والظاهرة هي الوجه والكفان، حيث سُئل الإمام الصادق عليه السلام عمّا تُظهرْ المرأة من زينتها؟ فقال عليه السلام: "الوجه والكفّين"5. وهذا يعني وجوب ستر البدن كلّه باستثناء الوجه والكفّين.
ثم يعقّب تعالى بعد ذلك بقوله: ﴿... وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ..﴾. والخُمر: جمع خمار، وهو ثوب تُغطّي به المرأة رأسها ورقبتها، والجيوب جمع جيب وهو من القميص موضع الشق الذي ينفتح على المنحر والصدر، ويقال: إنّ النساء في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كنّ يلبسن ثياباً مفتوحة الجيب، وكنّ يلقين الخُمر ويسدلنها خلف رؤوسهنّ فتظهر آذانهنّ وأقراطهنّ ورقابهنّ وشيء من نحورهنّ للناظرين، فأمرت الآية بضرب خمرهنّ على جيوبهنّ، أي يلقين بما زاد من غطاء الرأس على صدورهنّ حتى يسترن بذلك آذانهنّ وأقراطهنّ وصدورهنّ.
ب – ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾6.
وفي هذه الآية أمر واضح بضرورة إسدال الجلابيب، فما معنى الجلابيب وكيف يكون الإسدال؟
الجلباب: هو ثوب تشتمل به المرأة فيغطّي جميع بدنها، ويطلق أيضاً على الخمار، والظاهر أنّه استعمل هنا بمعنى الخمار، فإسدالها: ستر الجيوب بها، فهي تشير إلى ما هو مذكور في الآية السابقة. وأضيف إليها هنا: ﴿... ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ...﴾.
والمقصود: أقرب إلى أن يعرفن أنهنّ أهلُ الستر والصلاح فلا يؤذيهنّ أهل الفسوق بالتعرّض لهنّ7.
مفهومان لحجاب المرأة
هناك مفهومان للحجاب يؤثّران بشكل كبير على دور المرأة ونشاطها وحضورها في المجتمع:
المفهوم الأول: النظرة إلى الحجاب بشكل سلبيّ وتطبيقه بشكل يعزل المرأة عن المجتمع بشكل كامل، بحيث لا يبقى لها فعاليّة ممكنة مع هذا الحجاب وتصبح حياتها كلّها مختصرة ببيتها دون ارتباط بالمجتمع... هذه الطريقة من الحجاب لا تتماشى مع الكثير من الآيات القرآنية كقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...﴾8.كما وأنّه يتنافى مع السيرة والتاريخ الإسلاميّ، فالسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت ركنا أساسيّاً من أركان المجتمع الإسلاميّ، وكذلك السيّدة زينب عليها السلام ودورها المعروف خصوصاً بعد كربلاء، وحملها لهذه الرسالة الخالدة، بل حتّى قبل كربلاء كان لها دورها الأساسيّ خصوصاً في المجتمع النسائيّ.
المفهوم الثاني: وهو الحجاب الإيجابيّ الذي يحفظ المرأة في المجتمع، ويضمن لها الجوّ المناسب الذي يساعدها على العمل والفعّاليّة، فهو في الحقيقة دفعة نحو العمل والفعّاليّة والتأثير كما كانت سيّدة النساء عليها السلام وكما كانت قبلها أمّها خديجة رضوان الله تعالى عليها وكما كانت بعدها السيّدة زينب سلام الله عليها وبنات الرسالة بشكل عام؛ يقول الإمام الخميني قدس سره: يؤهّل الإسلام المرأة لأن يكون لها كالرجل دور في جميع الأمور، فكما يؤدّي الرجل دوراً في جميع الأمور فالمرأة أيضاً تمتلك مثل هذا الدور.
*مكانة المرأة ودورها,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,ط2, 2010م-1431هـ, ص46-56.
1- الأنبياء: 105.
2- كتاب العين، ج3، ص86.
3- النور: 31.
4- النور، الآيتان: 30 - 31.
5- وسائل الشيعة، ج14، ص146.
6- الأحزاب: 59.
7- راجع الميزان في تفسير القرآن.
8- التوبة: 71.
#منتديات_المخرج_علي_العذاري
المقدّمة
الحجاب هو مسألة من أهمّ المسائل التي أثارت الجدل في المجتمعات على المستوى الاجتماعيّ العامّ، لما له من أثر كبير في تحديد هويّة المجتمع، ودور أساسيّ وحاسم في توجّه ومسلكيّة المجتمع بنسائه ورجاله.لذلك كان الحجاب يتعرّض دائماً لحملات التشويه والتضعيف بالجدل وطرح الشبهات تارة، وبالمحاربة العمليّة من خلال قوانين تحديده ومنعه تارة أخرى، ومن خلال محاولة عزل المحجبات عن التأثير بالمجتمع بإطلاق تهم التخلّف والرجعيّة والتحجّر... مرّة ثالثة.
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أهميّة الحجاب ودوره المصيريّ والحاسم في صراع الحقّ والباطل، فهو الحصن الشامخ الذي يصون بوجوده كلّ معسكر الحقّ، والذي إن سقط لا سمح الله فإنّ سقوطه سيعني انهيار الكثير من المفاهيم والمسلكيّات دفعة واحدة، فترك الحجاب ليس بمثابة رفع ثمرة من ثمار الإسلام، بل هو أشبه بنفض مائدة الحقّ في الجانب المسلكيّ ليسقط جلّ ما عليها من ثمار، ووضع الزقوم والضريع وموائد الباطل بدلاً عنها!
الحجاب في المسيرة الإنسانيّة
إنّ الحجاب لم يقتصر في وجوده على مرحلة معيّنة من مراحل المسيرة الإنسانيّة، وكذلك ترك الحجاب، فعندما نراجع التاريخ نجد الحجاب وعدمه قديمين في تاريخ الإنسان قدم الحقّ والباطل، وعندما جاء الإسلام العزيز ونزل القرآن الكريم أخذا بيد البشريّة ليتقدّما بها أشواطاً على المستوى الحضاريّ باعتراف العدوّ قبل الصديق,طُلب من المرأة الحجاب في مجتمع كان يمارس فيه بعض الناس الطواف العاري حول الكعبة المشرّفة! وكان فيه بيوت الرايات الحمر المنشورة في المجتمع الجاهليّ! وهكذا عندما نقرأ سيرة الأنبياء عليهم السلامسنجد دائماً هذين الخطّين... ولكن عندما نتحدّث عن المستقبل وما سترسو عليه البشريّة في نهاية مسيرتها في هذه الدنيا، نجد أنّ الحجاب هو المستقبل الذي ستلتزم به البشريّة.
فقد أثبتت التجربة الإنسانيّة أنّ السفور هو سبب تخلّف المجتمعات من الجهة الاجتماعيّة، ووقوعها في المشاكل الخطيرة التي يئنّ منها عالم الغرب اليوم، ويكفي مقارنة صغيرة بين أمن المرأة في المجتمعات الغربية التي تبتعد عن الحجاب، وأمنها في المجتمعات الإسلاميّة التي التزمت بهذا الحجاب رغم التقصير الموجود على مستوى الالتزام.فالحجاب هو الكمال والتقدّم والطمأنينة التي يمثّلها الحق، والسفور هو النقص والتخلّف والاضطراب وفقدان الأمن التي يمثّلها الباطل.
ثمّ إنّ الحجاب فُرض من الله تبارك وتعالى، لذلك فهو بالتأكيد كمال وتقدّم لمن آمن بالله وبصفاته الكماليّة، وليس نقصاً أو تخلّفاً، وسيأتي اليوم الموعود الذي لا تبقى فيه راية إلّا راية الحق، عند ظهور الحجّة عجل الله فرجه الشريف:﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾1.
معنى الحجاب: يذكرون في كتب اللغة في مادة حجب: "كلّ شيء منع شيئاً من شيء فقد حجبه حجباً... والحجاب اسم ما حجبت به شيئاً عن شيء"2.وكلامنا في حجاب المرأة، المقصود منه منع الأجنبيّ من النظر إلى بدن المرأة، فالحجاب هو ما يكون حائلاً ومانعاً وساتراً عن النظر بغضّ النظر عن طبيعة هذا المانع.
ما هو المطلوب في المنع؟
هناك أمران من ظاهر البدن هما: البشرة بلونها وخيالها، والحجم بأبعاده الثلاثة (الشكل). فهل المطلوب ستر أحدهم دون الآخر؟ أم المطلوب سترهما معاً؟ بالنسبة إلى البشرة فيجب سترها بلا ريب سواء في ذلك اللون أو الخيال.وأمّا الحجم فلا يجب ستره بالكامل بل يجب ستر التفاصيل التي تبعث على الفتنة.
أدلّة الحجاب
هناك ثلاثة أمور يجب أن نتعرّف إليها في الحجاب:
1- عمّن يجب أن تتحجّب المرأة؟
يقول تعالى:﴿... وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾3. فالمرأة المؤمنة لا ينبغي لها أن تبدي زينتها أمام الأجنبيّ وهو الشخص الذي لم يستثنه الله تعالى في الآية المباركة.
2- مقدار الستر الواجب.
يجب على المرأة أن تمنع نظر الأجنبيّ إلى كلّ ما عدا الوجه والكفين من بدنها. وهناك أدلّة من الآيات الشريفة وأحاديث المعصومين عليهم السلام تدلّ على ذلك:
أ- قوله تعالى:﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ...﴾4.
وهذه الآية الكريمة تتعرّض لعدّة أمور:
1- على المؤمنين والمؤمنات أن يغضّوا من أبصارهم، ومعنى الغضّ في اللغة: الخفض والنقصان من الطرف، وغضّ البصر يعني عدم التحديق والإمعان في الشيء.
2- يجب على الرجال والنساء حفظ الفروج، فالمطلوب الاجتهاد في حفظ العفاف والطهر.
3- يجب ستر الزينة، وهناك نوعان من الزينة، خفيّة وظاهرة، والخفيّة هي ما تكون مخفيّة تحت الثياب مستورة عن نظر الناظرين، كالعقد والقراط (الحلق) ولون الشعر والثياب المستورة التي فيها زينة. والظاهرة هي الوجه والكفان، حيث سُئل الإمام الصادق عليه السلام عمّا تُظهرْ المرأة من زينتها؟ فقال عليه السلام: "الوجه والكفّين"5. وهذا يعني وجوب ستر البدن كلّه باستثناء الوجه والكفّين.
ثم يعقّب تعالى بعد ذلك بقوله: ﴿... وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ..﴾. والخُمر: جمع خمار، وهو ثوب تُغطّي به المرأة رأسها ورقبتها، والجيوب جمع جيب وهو من القميص موضع الشق الذي ينفتح على المنحر والصدر، ويقال: إنّ النساء في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كنّ يلبسن ثياباً مفتوحة الجيب، وكنّ يلقين الخُمر ويسدلنها خلف رؤوسهنّ فتظهر آذانهنّ وأقراطهنّ ورقابهنّ وشيء من نحورهنّ للناظرين، فأمرت الآية بضرب خمرهنّ على جيوبهنّ، أي يلقين بما زاد من غطاء الرأس على صدورهنّ حتى يسترن بذلك آذانهنّ وأقراطهنّ وصدورهنّ.
ب – ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾6.
وفي هذه الآية أمر واضح بضرورة إسدال الجلابيب، فما معنى الجلابيب وكيف يكون الإسدال؟
الجلباب: هو ثوب تشتمل به المرأة فيغطّي جميع بدنها، ويطلق أيضاً على الخمار، والظاهر أنّه استعمل هنا بمعنى الخمار، فإسدالها: ستر الجيوب بها، فهي تشير إلى ما هو مذكور في الآية السابقة. وأضيف إليها هنا: ﴿... ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ...﴾.
والمقصود: أقرب إلى أن يعرفن أنهنّ أهلُ الستر والصلاح فلا يؤذيهنّ أهل الفسوق بالتعرّض لهنّ7.
مفهومان لحجاب المرأة
هناك مفهومان للحجاب يؤثّران بشكل كبير على دور المرأة ونشاطها وحضورها في المجتمع:
المفهوم الأول: النظرة إلى الحجاب بشكل سلبيّ وتطبيقه بشكل يعزل المرأة عن المجتمع بشكل كامل، بحيث لا يبقى لها فعاليّة ممكنة مع هذا الحجاب وتصبح حياتها كلّها مختصرة ببيتها دون ارتباط بالمجتمع... هذه الطريقة من الحجاب لا تتماشى مع الكثير من الآيات القرآنية كقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ...﴾8.كما وأنّه يتنافى مع السيرة والتاريخ الإسلاميّ، فالسيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت ركنا أساسيّاً من أركان المجتمع الإسلاميّ، وكذلك السيّدة زينب عليها السلام ودورها المعروف خصوصاً بعد كربلاء، وحملها لهذه الرسالة الخالدة، بل حتّى قبل كربلاء كان لها دورها الأساسيّ خصوصاً في المجتمع النسائيّ.
المفهوم الثاني: وهو الحجاب الإيجابيّ الذي يحفظ المرأة في المجتمع، ويضمن لها الجوّ المناسب الذي يساعدها على العمل والفعّاليّة، فهو في الحقيقة دفعة نحو العمل والفعّاليّة والتأثير كما كانت سيّدة النساء عليها السلام وكما كانت قبلها أمّها خديجة رضوان الله تعالى عليها وكما كانت بعدها السيّدة زينب سلام الله عليها وبنات الرسالة بشكل عام؛ يقول الإمام الخميني قدس سره: يؤهّل الإسلام المرأة لأن يكون لها كالرجل دور في جميع الأمور، فكما يؤدّي الرجل دوراً في جميع الأمور فالمرأة أيضاً تمتلك مثل هذا الدور.
*مكانة المرأة ودورها,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,ط2, 2010م-1431هـ, ص46-56.
1- الأنبياء: 105.
2- كتاب العين، ج3، ص86.
3- النور: 31.
4- النور، الآيتان: 30 - 31.
5- وسائل الشيعة، ج14، ص146.
6- الأحزاب: 59.
7- راجع الميزان في تفسير القرآن.
8- التوبة: 71.
#منتديات_المخرج_علي_العذاري