سياسة معاوية ومبررات الثورة
بعد اضطرار الإمام الحسن عليه السلام إلى الصلح والتخلي عن الحكم مؤقتاً تحت ضغط الأحداث استولى معاوية بن أبي سفيان على الخلافة واتسقت له الأمور، وسيطر على العالم الإسلامي كله بعد أن أُخذت له البيعة على الناس في شوال سنة إحدى وأربعين للهجرة.
وقد مارس معاوية خلال حكمه سياسة بعيدة عن قيم الإسلام، كانت تقوم على المبادئ التالية:
1- الإرهاب والتجويع.
2- إحياء النزعة القبلية واستغلالها.
3- التخدير باسم الدين وشل الروح الثورية.
ولنأخذ هذه المبادئ بشيء من التفصيل:
1- سياسة الإرهاب والتجويع:
لقد اتبع معاوية سياسة الإرهاب والقتل والتجويع بالنسبة إلى الرعايا المسلمين الذين لا يتفقون معه في الهوى السياسي، وإطلالة قصيرة على تاريخ هذه الفترة من حياة المسلمين تثبت هذه الدعوى.
حدث سفيان بن عوف الغامدي، وهو أحد قواد معاوية العسكريين، قال: "دعاني معاوية فقال: إني باعثك بجيش كثيف أداة وجلادة، فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بهيت فتقطعها فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم، وإلا فامض حتى تغير على الأنبار، فإن لم تجد جنداً فامض حتى توغل في المدائن. إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم، وتفرح كل من له هوى فينا منهم، وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر، فاقتل كل من لقيته ممن هو ليس على مثل رأيك. وأخرب كل ما مررت به من القرى، وأحرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب"1.
ودعا معاوية بالضحاك بن قيس الفهري وأمره بالتوجه ناحية الكوفة، وقال له: "من وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه".
"فأقبل الضحاك فنهب الأموال، وقتل من لقي من الأعراب، حتى مر بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة وقتل معه ناساً من أصحابه"2.
واستدعى معاوية بسر بن أرطاة، ووجهه إلى الحجاز واليمن، وقال له: "سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس، وأخف من مررت به، وانهب أموال كل من أصبت له مالاً ممن لم يكن دخل في طاعتنا، فإذا دخلت المدينة فأرهم أنك تريد أنفسهم، وأخبرهم أن لا براءة لهم عندك ولا عذر حتى إذا ظنوا أنك موقع بهم فاكفف عنهم.. وارهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة واجعلها شردات..".
وقال له: "لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك حتى يروا أنهم لا نجاة لهم، وأنك محيط بهم، ثم اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا"3.
فسار، وأغار على المدينة ومكة، فقتل ثلاثين ألفاً عدا من أحرق بالنار4.
وقد استمر على هذه السياسة بعد أن قتل علي عليه السلام ولكنها إذ ذاك أخذت شكلاً أكثر تنظيماً وعنفاً وشمولاً.
وقد نص المؤرخون على أن هذا الإرهاب بلغ حداً جعل الرجل يفضل أن يقال عنه أنه زنديق أو كافر ولا يقال عنه أنه من شيعة علي عليه السلام5، وقد بلغ بهم الحال أنهم كانوا يخافون من النطق باسمه حتى فيما يتعلق بأحكام الدين التي لا ترجع إلى الفضائل التي كان الأمويون يخشون شيوعها، فكانوا يقولون "روى أبو زينب"6، وقال أبو حنيفة: أن بني أمية كانوا لا يفتون بقول علي ولا يأخذون به، وكان علي لا يذكر في ذلك باسمه.
وكانت العلامة باسمه بين المشايخ أن يقولوا: قال الشيخ7.
وحظر الأمويون على الناس أن يسموا أبناءهم باسم علي عليه السلام8.
وكتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: "أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته".
فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً، ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته.
وكان أشد الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم، وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السلام، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه أو طريد في الأرض9.
وأجمل ذلك الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر عليه السلام، فقال: "وقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكل من يذكر بحبنا والإنقطاع إلينا سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام"10.
وقد طبق ولاة معاوية على العراق مهد التشيع لال علي هذه السياسة بوحشية لا توصف. فقد استعمل زياد سمرة ابن جندب على البصرة فأسرف هذا السفاح في القتل إسرافاً لا حدود له.
أما زياد بن سمية فكان يجمع الناس بباب قصره يحرضهم على لعن علي، فمن أبى عرضه على السيف11 وكان يعذب بغير القتل من صنوف العذاب.
هذا عرض موجز للسياسة التي تتناول حياة الناس وأمنهم، وأما السياسة التي تتناول أرزاق الناس وموارد عيشهم فلا تقل قتامة وكلوحاً وإيغالاً في الظلم على سابقتها.
وهاك بعض الشواهد على ما نقول. كتب معاوية إلى عماله بعد عام الجماعة: ".. انظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره"12.
وكثيراً ما كان الأنصار يمكثون بلا عطاء ولا ذنب لهم إلا أنهم ينصرون أهل البيت عليهم السلام13.
وكانوا إذا عصاهم أحدٌ من المسلمين قطعوا عطاءه ولو كان العاصون بلداً برمتها14.
وكان من جملة الأساليب التي اتبعها معاوية لحمل الحسين عليه السلام على بيعة يزيد حرمان جميع بني هاشم من عطائهم حتى يبايع الحسين عليه السلام15.
وها هو معاوية يعطي عمرواً بن العاص أرض مصر وأموالها وسكانها المعاهدين ملكاً حلالاً له، وقد جاء في صك هذا العطاء: أن معاوية أعطى عمرواً بن العاص مصر وأهلها هبة يتصرف كيف يشاء وحين استولى معاوية على العراق نقل بيت المال من الكوفة إلى دمشق، وزاد في أعطيات أهل الشام، وحط من أعطيات أهل العراق16 وقد أوضح فلسفته في جمع المال بقوله: "الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما اخذ من مال الله فهو لي، وما تركته كان جائزاً لي".
وهكذا حرم المسلمون من أموالهم لتنفق هذه الأموال على الزعماء القبليين، والقادة العسكريين، وزمر الكذابين على الله ورسوله.
وقد طبقت هذه السياسة سياسة الإرهاب والتجويع بالنسبة إلى المسلمين عموماً، وبالنسبة إلى كل من اتهم بحب علي واله على الخصوص. لقد كان حب علي سرطان الحكم الأموي فعزموا على قطعه تماماً.
2- إحياء النزعة القبلية واستغلالها:
دعا الإسلام إلى ترك التعصب للقبيلة والتعصب للجنس، واعتبر الناس جميعاً سواء من حيث الإنسانية المشتركة، وأقام مبادئه وتشريعاته على هذه النظرة الصائبة إلى الجنس البشري.
وفي الحديث: "المؤمنون إخوة، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم".
ومما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في خطبته في حجة الوداع: "أيها الناس، إن الله تعالى أذهب عنكم نخوة الجاهلية وفخرها بالاباء، كلكم لادم وادم من تراب، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى".
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبية أو يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية، فقتل، قتل قتلة جاهلية".
وقال الله تعالى مبيناً في الكتاب الكريم المقياس الإسلامي في التفاضل: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير"17.
بهذه الروح الإنسانية الرحبة الافاق دعا الإسلام العرب إلى النظر إلى اختلاف القبائل والشعوب. وبهذه الروح الإنسانية الرحبة حاول الإسلام أن يجعل من القبائل العربية المسلمة أمة واحدة لا يمزقها التناحر القبلي الجاهلي، وإنما تربط أفرادها أخوة الإسلام ورسالة الإسلام، وحاول أن يجعل من المسلمين جميعاً على اختلاف أوطانهم ولغاتهم أمة واحدة متماسكة، تجمعها وحدة العقيدة، ووحدة الهدف والمصير.
وقد عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم طيلة حياته بأقواله وأعماله على تركيز هذه النظرة الإسلامية في وجدان المسلمين، وجعلها حقيقة في تفكيرهم، وتابعه على ذلك علي عليه السلام، فعمل على تركيزها بأعماله وأقواله طيلة حياته، بعد أن شهد عهد عثمان انحرافاً خطيراً عن هذه النظرة الإسلامية واتجاهاً خطيراً نحو الروح الجاهلية والعصبية التي اتبعها هو وعماله.
أما معاوية فقد استغل هذه الروح في ميدانين، فقد أثار بالقول والفعل العصبية القبلية عند القبائل العربية ليضمن ولاءها عن طريق ولاء زعمائها من ناحية. وليضرب بعضها ببعض حين يخشاها على سلطانه من ناحية أخرى. وأثار العصبية العنصرية عند العرب عموماً ضد المسلمين غير العرب. وهم الذين يطلق عليهم المؤرخون اسم الموالي.
ومن ذلك ما كان منه في شأن النزاع الذي حدث حول رياسة كندة وربيعة، فقد كانت للأشعث بن قيس الكندي، فعزله عنها علي ودفعها لحسان بن مخدوج من ربيعة، فلما بلغ ذلك معاوية أغرى شاعراً كندياً يقول شعراً يهيج به الأشعث وقومه، فقال شعراً عظَّم به شأن الأشعث وقومه، وهجا به حسان وربيعة.
وأرسل معاوية في سنة 83 للهجرة ابن الحضرمي إلى البصرة، ليضرم الفتنة بين قبائلها بإثارة ذكريات حرب الجمل وقتل عثمان، وقال له: "فانزل في مضر، واحذر ربيعة، وتودد الأزد، وانع ابن عفان، وذكرهم الوقعة التي أهلكتهم، ومن لمن سمع وأطاع، دنياً لا تفنى وأثرة لا يفقدها".
ولم تكن هذه السياسة هي اللون المفضل عند معاوية بالنسبة إلى سائر القبائل فحسب، بل كانت بهذه المنزلة عنده بالنسبة إلى أسرته الأموية ذاتها أيضاً، فقد كان كما يقول ولها وزن يسعى إلى أن يدخل القطيعة بين مختلف فروع الأسرة الأموية بالمدينة ليقضي بذلك على شوكتهم18.
وإذا كانت هذه هي خطته بالنسبة إلى أسرته ذاتها فليس لنا أن نطمع منه بسلوك أنبل بالنسبة إلى سائر القبائل التي كان يخشاها على سلطانه لأن الدوافع المشتركة كانت توحدها في الوقوف ضده.
ولا يجد الباحث صعوبة كبيرة في اكتشاف هذا الخلق في معاوية، فتاريخه مليء بالشواهد عليه.
فبراعته في استغلال ما لشعراء عصره من تأثير عظيم في الرأي العام من أجل مصالحه الخاصة جعلته يستغل هؤلاء الشعراء في هذا الميدان، فيحرضهم على القول في موضوعات الفخر والهجاء كالذي كان بين القبائل في الجاهلية19.
ومن ذلك موقف شاعره الأخطل من الأنصار، فقد واصل شعراء الأنصار هجاء معاوية على أساس ديني، فرد عليهم الأخطل بهجاء قبلي جاهلي، ونظم فيهم قصيدته التي يقول فيها:
ذهبت قريش بالمكارم والعلى واللؤم تحت عمائم الأنصار20ومن جهة أخرى نراه يسعى إلى تفتيت وحدة الأنصار بإثارة الأحقاد الجاهلية التي كانت بين الحيين: الأوس والخزرج، فيضرب إحدى القبيلتين بالأخرى. وقد توصل إلى ذلك ببراعة، فقد كان يوعز إلى المغنين بإنشاد الشعر الجاهلي الذي تهاجت به القبائل قبل الإسلام.
ولقد كانت سياسة عمال معاوية على أمصار الدولة هي سياسة معاوية نفسه، فيعمد الوالي إلى إثارة العصبيات القبلية فيما بين القبائل ليشغلها عن مراقبته والإتحاد ضده، بالتناحر عنده فيما بينها، وقد كانت عاقبة هذه السياسة أن عادت إلى الإشتعال من جديد تلك العداوات والأحقاد القديمة التي كانت بين القبائل وكان من نتاجها بعد ذلك ظهور الشعر السياسي الحزبي والقبلي. فقد شبت نيران الهجاء بين شعراء الشيعة والخوارج والأمويين، واشتعلت نيران الهجاء والمفاخرات القبلية بين القبائل نفسها، وعاضد الشعراء الأحزاب بدوافع قبلية، فقد انضم الأخطل إلى الأمويين على قيس عيلان أعداء قومه التغلبيين، ثم انضم إلى الفرزدق على جرير لأن جريراً كان لسان القيسية على تغلب، وكان الفرزدق تميمياً، وجرير أخذته قيس عيلان.
وهكذا بث معاوية روح البغضاء والنفرة بين القبائل العربية، فشغلت هذه القبائل بأحقادها الصغيرة عن مقارعة خصمها الحقيقي: الحكم الأموي، والعمل الاخر الذي قام به معاوية في هذا المجال هو إثارته للعصبية العنصرية عند العرب عموماً ضد المسلمين غير العرب.
"تخاصم عربي ومولى بين يدي عبد الله بن عامر.
فقال المولى للعربي: لا أكثر الله فينا مثلك.
فقال العربي: بل كثر الله فينا مثلك.
فقيل له: يدعو عليك وتدعو عليه.
قال: نعم، يكسحون طرقنا، ويخرزون خفافنا، ويحوكون ثيابنا".
وقالوا: لا يصلح للقضاء إلا عربي.
واستدعى معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس وسمرة بن جندب، وقال لهما: إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت وأراها قد قطعت على السلف، وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان فقد رأيت أن أقتل شطراً وأدع شطراً لإقامة السوق، وعمارة الطريق.
وكان هذا الموقف العدائي من الموالي سبباً في امتهانهم وإرهاقهم بالضرائب، وفرض الجزية والخراج عليهم، وإسقاطهم من العطاء، فكان الجنود الموالي يقاتلون من غير عطاء، وكانوا يقولون: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار، أو كلب، أو مولى. وكانوا لا يكنونهم بالكنى، ولا يدعونهم إلا بالأسماء والألقاب، ولا يمشون بالصف معهم. ولا يقدمونهم في الموكب. وإن حضروا طعاماً قاموا على رؤوسهم، وإن أطعموا المولى لسنه وفضله وعلمه أجلسوه على طريق الخباز لئلا يخفى على الناظر أنه ليس من العرب. ولا يدعونهم يصلون على الجنائز إذا حضر أحد من العرب وإن كان غريراً.
وكان الخاطب لا يخطب المرأة منهم إلى أبيها ولا إلى أخيها إنما يخطبها إلى مواليها، فإن رضي مولاها زوجت وإلا فلا.
وإن زوجها الأب أو الأخ بغير إذن مواليه فسخ النكاح وإن كان قد دخل بها عد ذلك سفاحاً. وإذا أقبل العربي من السوق ومعه شيء فرأى مولى دفعه إليه ليحمله عنه فلا يمتنع، ولا السلطان يغير عليه. وكان إذا لقيه راكباً وأراد أن ينزل فعل21.
وقد سبب هذا الموقف اللاإنساني من الموالي شق عصا المسلمين، وتراكم الأحقاد والعداوات بينهم، وكان سبباً في انعدام الرقابة الشعبية على الحاكمين.
3- التخدير باسم الدين وشل الروح الثورية:
"المأخذ الدائم الذي يؤخذ على الأمويين هو أنهم كانوا أصولاً وفروعاً أخطر أعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنهم اعتنقوا الإسلام في اخر ساعة مرغمين، ثم أفلحوا في أن يحولوا إلى أنفسهم ثمرة حكم الدين أولاً بضعف عثمان، ثم بحسن استخدام نتائج قتله. هذا، وأصلهم يفقدهم مزية زعامة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن المحن التي يلي حكم الدين أنهم أصبحوا قائمين عليه مع أنهم كانوا وما فتئوا مغتصبين لسلطانه، وقوتهم في جيشهم الذي هو على قدم الإستعداد في الشام، ولكن قوتهم لا يمكن أن تصبح حقاً"22.
بهذه المشاعر ونظائرها واجه المسلمون الحكم الأموي، وقد أراد معاوية أن يتغلب على هذا الشعور العام بسلاح الدين نفسه، كما أراد التوصل إلى تحطيم ما لأعدائه من سلطان روحي على المسلمين عن هذا الطريق أيضاً. وقد برع في هذا الميدان كل البراعة، وواتته الظروف عليه فبلغ منه أقصى ما يرجو.
وقد حفظ لنا التاريخ بعض الأسماء البارزة من أعوان معاوية في هذا اللون من النشاط. قال ابن أبي الحديد: "ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة ابن الزبير"23.
وقد استغل معاوية هؤلاء الأشخاص في سبيل إيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة برادع داخلي هو الدين نفسه، يعمل مع الروادع الخارجية: التجويع، والإرهاب، والإنشقاق القبلي، هذا بالإضافة إلى مهمة أساسية أخرى ألقاها معاوية على عاتق هؤلاء الأشخاص وهي اختلاق "الأحاديث" التي تتضمن الطعن في علي وأهل بيته عليه السلام ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويوضح لنا النص الاتي مدى اتساع هذه الشبكة التي كونها معاوية، ومدى تجاوبها مع رغباته.
كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: "أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضائل أبي تراب وأهل بيته".
وكتب إليهم: "أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إليّ بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته".
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه معاوية إليهم من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه. فلبثوا بذلك حيناً.
"ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته".
فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وأُلقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القران وحتى علموه بناتهم ونساءهم، وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله. فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: "إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم"24.
وقد تجلى "سخاء" معاوية في هذا الميدان بوضوح فها هو ذا يبذل (للصحابي) سمرة بن جندب أربعمائة ألف درهم على أن يروي أن هذه الاية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾25
قد نزلت في علي بن أبي طالب. وأن الاية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ..﴾26فروى ذلك27.
وأما أبو هريرة فقد كافأه معاوية بولاية المدينة لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن علي وبني أمية ما يلائم ذوق معاوية وأهدافه السياسية28.
فمن ذلك يرجع إلى تمجيد بني أمية وعلى الأخص عثمان ومعاوية ويجعلهم في مرتبة القديسين. كهذا الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله ائتمن على وحيه ثلاثاً: أنا، وجبرائيل، ومعاوية".
وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناول معاوية سهماً فقال له: "خذ هذا حتى تلقاني في الجنة". و"أنا مدينة العلم، وعلي بابها، ومعاوية حلقتها". و"تلقون من بعدي اختلافاً وفتنة، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه، يشير بذلك إلى عثمان".
ومنها ما يحذر المسلمين من الثورة، ويزين لهم الرضوخ ويوهمهم أن الثورة على الظلم، والسعي نحو إقامة نظام عادل عمل مخالف للدين. وبدهي أن شيئاً من ذلك لم يصدر عن الله ولا عن رسوله. ومن هذه "الأحاديث" ما عن عبد الله ابن عمر، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنكم سترون بعدي أثره وأموراً تنكرونها. قالوا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم. وسلوا الله حقكم ". و"من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإن من فارق الجماعة شبراً فمات إلا ميتة جاهلية". و"ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائناً ما كان"29.
وما شاكل هذا من الأحاديث التي تدعو المسلمين إلى الخضوع لأمرائهم الظالمين، وتحرم عليهم الثورة على هؤلاء الأمراء طلباً لحقهم.
هذا لون من ألوان التضليل الديني الذي ابتدعه الأمويون لتثبيت ملكهم. وهنا لون اخر من ألوان التضليل الديني استخدموه وبرعوا في استخدامه، وهو تأسيس الفرق الدينية السياسية التي تقدم للجماهير تفسيرات دينية تخدم سلطة الأمويين وتبرر أعمالهم.
ومن الأمثلة البارزة في هذا الميدان فرقة المرجئة. فقد كان الأمويون يواجهون الشيعة الذين يعتبرون بني أمية قتلة غاصبين لتراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والخوارج الذين يرونهم كفرة تجب الثورة عليهم وإزاحتهم عن الحكم. وكان كل واحد من هذين الفريقين يقدم بين يدي دعواه حججاً دينية لا يملك الأمويون ما يقابلها لذلك أنشئوا فرقة المرجئة التي قدمت أدلة مقابلة لأدلة الشيعة والخوارج، ووقفت ضدهم في ميدان النضال السياسي الديني.
لقد اعتبر المرجئة الإيمان عملاً قلبياً خالصاً لا يحتاج إلى التعبير عنه بفعل من الأفعال، فيكفي الإنسان أن يكون مؤمناً بقلبه ليعصمه الإسلام، ويحرم الإعتداء عليه، وهم ينادون: "لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة"، وقالوا: "إن الإيمان الإعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه، وعبد الأوثان، ولزم اليهودية والنصرانية في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل، ولي لله عز وجل، من أهل الجنة"30.
والنتيجة المنطقية لهذا اللون من التفكير هي أن الأمويين مؤمنون مهما ارتكبوا من الكبائر31.
وقد كان المرجئة يبشرون بهذه الأفكار بين صفوف الأمة المسلمة لأجل تخديرها وصرفها عن الإستجابة لدعاة الثورة على الأمويين.
وإلى جانب ما تقدم اعتمد الأمويون أسلوباً اخر من أساليب التضليل الديني لدعم حكمهم وصرف الناس عن الثورة عليهم.
فقد واجه الأمويون خطراً ساحقاً عليهم من عقيدة القدرية القائلين بحرية الإرادة والإختيار، وأن الإنسان هو الذي يختار نوع السلوك والعمل الذي يمارسه في حياته، وإذا كان حراً فهو مسؤول عن أفعاله لأن كل حرية تستتبع حتماً المسؤولية.
هذه العقيدة كانت خطراً على الأمويين الذين يخافون من رقابة الأمة عليهم وعلى تصرفاتهم، ولذلك فقد اضطهدوا هذه العقيدة ودعاتها وتمسكوا بالعقيدة المضادة لها: عقيدة الجبر32 فهذه هي العقيدة التي تلائمهم في الميدان السياسي لأنها توحي إلى الناس بأن وجود الأمويين وتصرفاتهم مهما كانت شاذة وظالمة ليست سوى قدر مرسوم من الله لا يمكن تغييره ولا تبديله، فلا جدوى من الثورة عليه. وها هو معاوية يتظاهر بالجبر والإرجاء لأجل تبرير أفعاله أمام الملأ بأنها مقدورة لا سبيل إلى تبديلها، مع كونها في الوقت نفسه غير قادحة فيه باعتباره حاكماً دينياً.
ولا بد أنه قد عهد بإذاعة أفكاره الخاصة حول هاتين العقيدتين الجبر والإرجاء بين المسلمين إلى ولاته وأجهزة الدعاية عنده، ومنها القصاص، قال الليث بن سعد: "وأما قصص الخاصة فهو الذي أوجده معاوية، ولّى رجلاً على القصص فإذا سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله عز وجل وحمده ومجده، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعا للخليفة ولأهل بيته وحشمه وجنوده، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة"33.
وأمر رجلاً يقص بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام34. ولا بد أن هذا الدعاء كان استهلالاً يبتدئ به القاص ثم يأخذ بعده في قصصه.
ومنذ بدأ الحكام المسلمون يناوئون النزعة الإنسانية في الإسلام ليحولوه إلى مؤسسة تخدم مارب فئة خاصة بدأ علي وأبناؤه وأصحابهم يدافعون عن الإسلام ويردون عنه شر من يريد تحريفه وتزويره.
كان هذا هو عمل علي طيلة حياته حتى إذا استشهد خلفه في الصراع ابنه الحسن، وقضت عليه ظروف المجتمع الإسلامي الإجتماعية والنفسية أن تهيئ هذا المجتمع للثورة على الحكم الأموي. حتى استشهد.
وبقي الحسين عليه السلام وحيداً.
وقد عاصر الحركة التي بدأها أعداء الإسلام: الدخلاء فيه، والموتورون، والحاقدون، وطلاب المنافع العاجلة في حربهم ضد الإسلام وضد مبادئه الإنسانية. عاصر هذه الحركة منذ نشوئها: عاصرها حيناً مع أبيه وأخيه والصفوة من الأصحاب، وعاصرها حيناً اخر مع أخيه وبقية السيف الأموي من الأصحاب، وها هو ذا الان يقف وحيداً في ساحة الصراع. إنه يقف وحيداً ضد معاوية وجهاز حكمه الإرهابي، ويرى بعينيه كيف يراد للأمة المسلمة أن تتحول عن الأهداف العظيمة التي كونت لأجلها، وكيف تزيف حياتها، وكيف يراد لوجودها أن يضمر ويضيق لينحصر في لقمة العيش وفي حفنة من الدراهم يبيع المسلم بها حياته وضميره وحريته وكرامته الإنسانية للحاكمين الظالمين.
وقد رأى منهج معاوية وبطانته الذي اعتمدوه للوصول بالأمة المسلمة إلى هذا المصير الكالح، رأى كيف يطارد الناس ويجوعون ويضطهدون وينكل بهم لأنهم يخالفون السلطة في الهوى السياسي، ورأى كيف يحرف الإسلام وتزور مبادئه الإنسانية في سبيل المارب السياسية، ورأى حملة التخدير الديني والكذب على الله ورسوله، ورصد عن كثب محاولة إفساد المجتمع بتشجيع الروح القبلية والنزعة العنصرية.
ولقد أراد الأمويون من الحسين أن يخضع لهم لأن خضوعه يؤمن لهم انقياد الأمة المسلمة كلها، ويمكنهم من ممارسة سياستهم دون خشية، أراد ذلك معاوية بن أبي سفيان حين عزم على أخذ البيعة بولاية العهد ليزيد من بعده، وتوسل إلى ذلك بالشدة حيناً وباللين حيناً فما نال بغيته35. وأراد ذلك يزيد حين صار إليه الأمر بعد أبيه. ولكن الحسين أبى أن يخضع لأنه كان يعي أعمق الوعي دوره التاريخي الذي يفرض عليه أن يثور لتهز ثورته ضمير الأمة التي اعتادت الإنحناء أمام جبروت السلطة الحاكمة، اعتادت ذلك حتى ليخشى ألا يصلحها شيء.
إن المجتمع الذي خضع طويلاً لتأثير السياسة الأموية والتوجيه الأموي لا يمكن أن يصلح بالكلام، فهو اخر شيء يمكن أن يؤثر فيه.. إن الكلمة لا يمكن أن تؤثر شيئاً في النفس الميتة، والقلب الحائر، والضمير المخدر كان لا بد لهذا المجتمع المتخاذل من مثال يهزه عنيفاً، ويضل يواليه بإيحاءاته الملتهبة، ليقتلع الثقافة العفنة التي خدرتنه، وقعدت به عن صنع مصير وضاء.
وهذا الواقع الكالح وضع الإمام الحسين وجهاً لوجه أمام دوره التاريخي ورسالته النضالية،هذا الدور الذي يفرض عليه أن يثور، وأن يعبر بثورته عن شعور الملايين وأن يهز بثورته هذه الملايين نفسها، ويضرب لها المثل والقدوة في حرب الظالمين.
وقد كان كل ذلك وكانت ثورة الحسين عليه السلام.
1- شرح نهج البلاغة، 86 85/2.
2- شرح نهج البلاغة، 117 116/2.
3- المصدر السابق 7 6/2.
4- المصدر السابق، 17/2 وتفصيل أحداث بسر بن أرطاة، في الجزء نفسه، ص183.
5- المصدر السابق، 44/11.
6- المصدر السابق، 73/4.
7- مناقب أبي حنيفة المكي، 117/1.
8- شرح نهج البلاغة، 17/1.
9- شرح نهج البلاغة، 46 44/11.
10- المصدر السابق، 44 43/11.
11- المسعودي، مروج الذهب، 53/3.
12- شرح نهج البلاغة، 46 44/11.
13- زيدان، التمدن الإسلامي، 76/4.
14- زيدان، التمدن الإسلامي، 76/4.
15- ابن الأثير، الكامل 252/3 والإمامة والسياسة 200/1.
16- يوليوس ولها وزن، الدولة العربية وسقوطها، 158.
17- سورة الحجرات، الاية/13.
18- الدولة العربية 112، نقلاً عن الطبري وفي شرح نهج البلاغة 19/11 نقلاً عن الجاحظ: "وكان معاوية يحب أن يغري بين قريش".
19- بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية 148/1 وأحمد أمين، قصة الأدب في العالم 372/1.
20- أحمد الشايب، تاريخ الشعر السياسي، 309 308.
21- العقد الفريد 261 260/2 وضحى الإسلام 34 18/1 والتمدن الإسلامي 64 60/4 و96 91.
22- ولهاوزن، الدولة العربية 53، وراجع تاريخ الإسلام السياسي279 278/1
23- شرح نهج البلاغة 61/4.
24- شرح نهج البلاغة، 46/11.
25- سورة البقرة، الايتان/205 204.
26- سورة البقرة، الاية/207.
27- شرح نهج البلاغة، 73/4.
28- المصدر السابق، 64/4، وما بعدها، ص69 67.
29- تجد هذه النصوص وغيرها في البخاري وغيره من كتب الحديث.
30- ابن حزم، الفصل في الملل والنحل، 204/4.
31- فيليب حتي، تاريخ العرب، 316/2.
32- موريس غودفردا، النظم الإسلامية، 39 "في الخلاف الذي قام حول الجبرية ساند الخلفاء الأمويون فكرة إنكار الإرادة في أفعال الإنسان".
33- فجر الإسلام، ص159
34- المصدر السابق، ص160.
35- ابن الأثير، الكامل، 252 294/3.
#منتديات_المخرج_علي_العذاري
بعد اضطرار الإمام الحسن عليه السلام إلى الصلح والتخلي عن الحكم مؤقتاً تحت ضغط الأحداث استولى معاوية بن أبي سفيان على الخلافة واتسقت له الأمور، وسيطر على العالم الإسلامي كله بعد أن أُخذت له البيعة على الناس في شوال سنة إحدى وأربعين للهجرة.
وقد مارس معاوية خلال حكمه سياسة بعيدة عن قيم الإسلام، كانت تقوم على المبادئ التالية:
1- الإرهاب والتجويع.
2- إحياء النزعة القبلية واستغلالها.
3- التخدير باسم الدين وشل الروح الثورية.
ولنأخذ هذه المبادئ بشيء من التفصيل:
1- سياسة الإرهاب والتجويع:
لقد اتبع معاوية سياسة الإرهاب والقتل والتجويع بالنسبة إلى الرعايا المسلمين الذين لا يتفقون معه في الهوى السياسي، وإطلالة قصيرة على تاريخ هذه الفترة من حياة المسلمين تثبت هذه الدعوى.
حدث سفيان بن عوف الغامدي، وهو أحد قواد معاوية العسكريين، قال: "دعاني معاوية فقال: إني باعثك بجيش كثيف أداة وجلادة، فالزم لي جانب الفرات حتى تمر بهيت فتقطعها فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم، وإلا فامض حتى تغير على الأنبار، فإن لم تجد جنداً فامض حتى توغل في المدائن. إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم، وتفرح كل من له هوى فينا منهم، وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر، فاقتل كل من لقيته ممن هو ليس على مثل رأيك. وأخرب كل ما مررت به من القرى، وأحرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب"1.
ودعا معاوية بالضحاك بن قيس الفهري وأمره بالتوجه ناحية الكوفة، وقال له: "من وجدته من الأعراب في طاعة علي فأغر عليه".
"فأقبل الضحاك فنهب الأموال، وقتل من لقي من الأعراب، حتى مر بالثعلبية فأغار على الحاج فأخذ أمتعتهم، ثم أقبل فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي، وهو ابن أخي عبد الله بن مسعود فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة وقتل معه ناساً من أصحابه"2.
واستدعى معاوية بسر بن أرطاة، ووجهه إلى الحجاز واليمن، وقال له: "سر حتى تمر بالمدينة فاطرد الناس، وأخف من مررت به، وانهب أموال كل من أصبت له مالاً ممن لم يكن دخل في طاعتنا، فإذا دخلت المدينة فأرهم أنك تريد أنفسهم، وأخبرهم أن لا براءة لهم عندك ولا عذر حتى إذا ظنوا أنك موقع بهم فاكفف عنهم.. وارهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة واجعلها شردات..".
وقال له: "لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي إلا بسطت عليهم لسانك حتى يروا أنهم لا نجاة لهم، وأنك محيط بهم، ثم اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، واقتل شيعة علي حيث كانوا"3.
فسار، وأغار على المدينة ومكة، فقتل ثلاثين ألفاً عدا من أحرق بالنار4.
وقد استمر على هذه السياسة بعد أن قتل علي عليه السلام ولكنها إذ ذاك أخذت شكلاً أكثر تنظيماً وعنفاً وشمولاً.
وقد نص المؤرخون على أن هذا الإرهاب بلغ حداً جعل الرجل يفضل أن يقال عنه أنه زنديق أو كافر ولا يقال عنه أنه من شيعة علي عليه السلام5، وقد بلغ بهم الحال أنهم كانوا يخافون من النطق باسمه حتى فيما يتعلق بأحكام الدين التي لا ترجع إلى الفضائل التي كان الأمويون يخشون شيوعها، فكانوا يقولون "روى أبو زينب"6، وقال أبو حنيفة: أن بني أمية كانوا لا يفتون بقول علي ولا يأخذون به، وكان علي لا يذكر في ذلك باسمه.
وكانت العلامة باسمه بين المشايخ أن يقولوا: قال الشيخ7.
وحظر الأمويون على الناس أن يسموا أبناءهم باسم علي عليه السلام8.
وكتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: "أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته".
فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً، ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته.
وكان أشد الناس بلاءً حينئذٍ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم، وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السلام، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه أو طريد في الأرض9.
وأجمل ذلك الإمام محمد بن علي بن الحسين الباقر عليه السلام، فقال: "وقتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة، وكل من يذكر بحبنا والإنقطاع إلينا سجن أو نهب ماله، أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام"10.
وقد طبق ولاة معاوية على العراق مهد التشيع لال علي هذه السياسة بوحشية لا توصف. فقد استعمل زياد سمرة ابن جندب على البصرة فأسرف هذا السفاح في القتل إسرافاً لا حدود له.
أما زياد بن سمية فكان يجمع الناس بباب قصره يحرضهم على لعن علي، فمن أبى عرضه على السيف11 وكان يعذب بغير القتل من صنوف العذاب.
هذا عرض موجز للسياسة التي تتناول حياة الناس وأمنهم، وأما السياسة التي تتناول أرزاق الناس وموارد عيشهم فلا تقل قتامة وكلوحاً وإيغالاً في الظلم على سابقتها.
وهاك بعض الشواهد على ما نقول. كتب معاوية إلى عماله بعد عام الجماعة: ".. انظروا إلى من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه. وشفع ذلك بنسخة أخرى: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره"12.
وكثيراً ما كان الأنصار يمكثون بلا عطاء ولا ذنب لهم إلا أنهم ينصرون أهل البيت عليهم السلام13.
وكانوا إذا عصاهم أحدٌ من المسلمين قطعوا عطاءه ولو كان العاصون بلداً برمتها14.
وكان من جملة الأساليب التي اتبعها معاوية لحمل الحسين عليه السلام على بيعة يزيد حرمان جميع بني هاشم من عطائهم حتى يبايع الحسين عليه السلام15.
وها هو معاوية يعطي عمرواً بن العاص أرض مصر وأموالها وسكانها المعاهدين ملكاً حلالاً له، وقد جاء في صك هذا العطاء: أن معاوية أعطى عمرواً بن العاص مصر وأهلها هبة يتصرف كيف يشاء وحين استولى معاوية على العراق نقل بيت المال من الكوفة إلى دمشق، وزاد في أعطيات أهل الشام، وحط من أعطيات أهل العراق16 وقد أوضح فلسفته في جمع المال بقوله: "الأرض لله، وأنا خليفة الله، فما اخذ من مال الله فهو لي، وما تركته كان جائزاً لي".
وهكذا حرم المسلمون من أموالهم لتنفق هذه الأموال على الزعماء القبليين، والقادة العسكريين، وزمر الكذابين على الله ورسوله.
وقد طبقت هذه السياسة سياسة الإرهاب والتجويع بالنسبة إلى المسلمين عموماً، وبالنسبة إلى كل من اتهم بحب علي واله على الخصوص. لقد كان حب علي سرطان الحكم الأموي فعزموا على قطعه تماماً.
2- إحياء النزعة القبلية واستغلالها:
دعا الإسلام إلى ترك التعصب للقبيلة والتعصب للجنس، واعتبر الناس جميعاً سواء من حيث الإنسانية المشتركة، وأقام مبادئه وتشريعاته على هذه النظرة الصائبة إلى الجنس البشري.
وفي الحديث: "المؤمنون إخوة، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم".
ومما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في خطبته في حجة الوداع: "أيها الناس، إن الله تعالى أذهب عنكم نخوة الجاهلية وفخرها بالاباء، كلكم لادم وادم من تراب، ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى".
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبية أو يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية، فقتل، قتل قتلة جاهلية".
وقال الله تعالى مبيناً في الكتاب الكريم المقياس الإسلامي في التفاضل: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير"17.
بهذه الروح الإنسانية الرحبة الافاق دعا الإسلام العرب إلى النظر إلى اختلاف القبائل والشعوب. وبهذه الروح الإنسانية الرحبة حاول الإسلام أن يجعل من القبائل العربية المسلمة أمة واحدة لا يمزقها التناحر القبلي الجاهلي، وإنما تربط أفرادها أخوة الإسلام ورسالة الإسلام، وحاول أن يجعل من المسلمين جميعاً على اختلاف أوطانهم ولغاتهم أمة واحدة متماسكة، تجمعها وحدة العقيدة، ووحدة الهدف والمصير.
وقد عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم طيلة حياته بأقواله وأعماله على تركيز هذه النظرة الإسلامية في وجدان المسلمين، وجعلها حقيقة في تفكيرهم، وتابعه على ذلك علي عليه السلام، فعمل على تركيزها بأعماله وأقواله طيلة حياته، بعد أن شهد عهد عثمان انحرافاً خطيراً عن هذه النظرة الإسلامية واتجاهاً خطيراً نحو الروح الجاهلية والعصبية التي اتبعها هو وعماله.
أما معاوية فقد استغل هذه الروح في ميدانين، فقد أثار بالقول والفعل العصبية القبلية عند القبائل العربية ليضمن ولاءها عن طريق ولاء زعمائها من ناحية. وليضرب بعضها ببعض حين يخشاها على سلطانه من ناحية أخرى. وأثار العصبية العنصرية عند العرب عموماً ضد المسلمين غير العرب. وهم الذين يطلق عليهم المؤرخون اسم الموالي.
ومن ذلك ما كان منه في شأن النزاع الذي حدث حول رياسة كندة وربيعة، فقد كانت للأشعث بن قيس الكندي، فعزله عنها علي ودفعها لحسان بن مخدوج من ربيعة، فلما بلغ ذلك معاوية أغرى شاعراً كندياً يقول شعراً يهيج به الأشعث وقومه، فقال شعراً عظَّم به شأن الأشعث وقومه، وهجا به حسان وربيعة.
وأرسل معاوية في سنة 83 للهجرة ابن الحضرمي إلى البصرة، ليضرم الفتنة بين قبائلها بإثارة ذكريات حرب الجمل وقتل عثمان، وقال له: "فانزل في مضر، واحذر ربيعة، وتودد الأزد، وانع ابن عفان، وذكرهم الوقعة التي أهلكتهم، ومن لمن سمع وأطاع، دنياً لا تفنى وأثرة لا يفقدها".
ولم تكن هذه السياسة هي اللون المفضل عند معاوية بالنسبة إلى سائر القبائل فحسب، بل كانت بهذه المنزلة عنده بالنسبة إلى أسرته الأموية ذاتها أيضاً، فقد كان كما يقول ولها وزن يسعى إلى أن يدخل القطيعة بين مختلف فروع الأسرة الأموية بالمدينة ليقضي بذلك على شوكتهم18.
وإذا كانت هذه هي خطته بالنسبة إلى أسرته ذاتها فليس لنا أن نطمع منه بسلوك أنبل بالنسبة إلى سائر القبائل التي كان يخشاها على سلطانه لأن الدوافع المشتركة كانت توحدها في الوقوف ضده.
ولا يجد الباحث صعوبة كبيرة في اكتشاف هذا الخلق في معاوية، فتاريخه مليء بالشواهد عليه.
فبراعته في استغلال ما لشعراء عصره من تأثير عظيم في الرأي العام من أجل مصالحه الخاصة جعلته يستغل هؤلاء الشعراء في هذا الميدان، فيحرضهم على القول في موضوعات الفخر والهجاء كالذي كان بين القبائل في الجاهلية19.
ومن ذلك موقف شاعره الأخطل من الأنصار، فقد واصل شعراء الأنصار هجاء معاوية على أساس ديني، فرد عليهم الأخطل بهجاء قبلي جاهلي، ونظم فيهم قصيدته التي يقول فيها:
ذهبت قريش بالمكارم والعلى واللؤم تحت عمائم الأنصار20ومن جهة أخرى نراه يسعى إلى تفتيت وحدة الأنصار بإثارة الأحقاد الجاهلية التي كانت بين الحيين: الأوس والخزرج، فيضرب إحدى القبيلتين بالأخرى. وقد توصل إلى ذلك ببراعة، فقد كان يوعز إلى المغنين بإنشاد الشعر الجاهلي الذي تهاجت به القبائل قبل الإسلام.
ولقد كانت سياسة عمال معاوية على أمصار الدولة هي سياسة معاوية نفسه، فيعمد الوالي إلى إثارة العصبيات القبلية فيما بين القبائل ليشغلها عن مراقبته والإتحاد ضده، بالتناحر عنده فيما بينها، وقد كانت عاقبة هذه السياسة أن عادت إلى الإشتعال من جديد تلك العداوات والأحقاد القديمة التي كانت بين القبائل وكان من نتاجها بعد ذلك ظهور الشعر السياسي الحزبي والقبلي. فقد شبت نيران الهجاء بين شعراء الشيعة والخوارج والأمويين، واشتعلت نيران الهجاء والمفاخرات القبلية بين القبائل نفسها، وعاضد الشعراء الأحزاب بدوافع قبلية، فقد انضم الأخطل إلى الأمويين على قيس عيلان أعداء قومه التغلبيين، ثم انضم إلى الفرزدق على جرير لأن جريراً كان لسان القيسية على تغلب، وكان الفرزدق تميمياً، وجرير أخذته قيس عيلان.
وهكذا بث معاوية روح البغضاء والنفرة بين القبائل العربية، فشغلت هذه القبائل بأحقادها الصغيرة عن مقارعة خصمها الحقيقي: الحكم الأموي، والعمل الاخر الذي قام به معاوية في هذا المجال هو إثارته للعصبية العنصرية عند العرب عموماً ضد المسلمين غير العرب.
"تخاصم عربي ومولى بين يدي عبد الله بن عامر.
فقال المولى للعربي: لا أكثر الله فينا مثلك.
فقال العربي: بل كثر الله فينا مثلك.
فقيل له: يدعو عليك وتدعو عليه.
قال: نعم، يكسحون طرقنا، ويخرزون خفافنا، ويحوكون ثيابنا".
وقالوا: لا يصلح للقضاء إلا عربي.
واستدعى معاوية بن أبي سفيان الأحنف بن قيس وسمرة بن جندب، وقال لهما: إني رأيت هذه الحمراء قد كثرت وأراها قد قطعت على السلف، وكأني أنظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان فقد رأيت أن أقتل شطراً وأدع شطراً لإقامة السوق، وعمارة الطريق.
وكان هذا الموقف العدائي من الموالي سبباً في امتهانهم وإرهاقهم بالضرائب، وفرض الجزية والخراج عليهم، وإسقاطهم من العطاء، فكان الجنود الموالي يقاتلون من غير عطاء، وكانوا يقولون: لا يقطع الصلاة إلا ثلاثة: حمار، أو كلب، أو مولى. وكانوا لا يكنونهم بالكنى، ولا يدعونهم إلا بالأسماء والألقاب، ولا يمشون بالصف معهم. ولا يقدمونهم في الموكب. وإن حضروا طعاماً قاموا على رؤوسهم، وإن أطعموا المولى لسنه وفضله وعلمه أجلسوه على طريق الخباز لئلا يخفى على الناظر أنه ليس من العرب. ولا يدعونهم يصلون على الجنائز إذا حضر أحد من العرب وإن كان غريراً.
وكان الخاطب لا يخطب المرأة منهم إلى أبيها ولا إلى أخيها إنما يخطبها إلى مواليها، فإن رضي مولاها زوجت وإلا فلا.
وإن زوجها الأب أو الأخ بغير إذن مواليه فسخ النكاح وإن كان قد دخل بها عد ذلك سفاحاً. وإذا أقبل العربي من السوق ومعه شيء فرأى مولى دفعه إليه ليحمله عنه فلا يمتنع، ولا السلطان يغير عليه. وكان إذا لقيه راكباً وأراد أن ينزل فعل21.
وقد سبب هذا الموقف اللاإنساني من الموالي شق عصا المسلمين، وتراكم الأحقاد والعداوات بينهم، وكان سبباً في انعدام الرقابة الشعبية على الحاكمين.
3- التخدير باسم الدين وشل الروح الثورية:
"المأخذ الدائم الذي يؤخذ على الأمويين هو أنهم كانوا أصولاً وفروعاً أخطر أعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنهم اعتنقوا الإسلام في اخر ساعة مرغمين، ثم أفلحوا في أن يحولوا إلى أنفسهم ثمرة حكم الدين أولاً بضعف عثمان، ثم بحسن استخدام نتائج قتله. هذا، وأصلهم يفقدهم مزية زعامة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن المحن التي يلي حكم الدين أنهم أصبحوا قائمين عليه مع أنهم كانوا وما فتئوا مغتصبين لسلطانه، وقوتهم في جيشهم الذي هو على قدم الإستعداد في الشام، ولكن قوتهم لا يمكن أن تصبح حقاً"22.
بهذه المشاعر ونظائرها واجه المسلمون الحكم الأموي، وقد أراد معاوية أن يتغلب على هذا الشعور العام بسلاح الدين نفسه، كما أراد التوصل إلى تحطيم ما لأعدائه من سلطان روحي على المسلمين عن هذا الطريق أيضاً. وقد برع في هذا الميدان كل البراعة، وواتته الظروف عليه فبلغ منه أقصى ما يرجو.
وقد حفظ لنا التاريخ بعض الأسماء البارزة من أعوان معاوية في هذا اللون من النشاط. قال ابن أبي الحديد: "ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة ابن الزبير"23.
وقد استغل معاوية هؤلاء الأشخاص في سبيل إيجاد تبرير ديني لسلطان بني أمية، أو على الأقل لكبح الجماهير عن الثورة برادع داخلي هو الدين نفسه، يعمل مع الروادع الخارجية: التجويع، والإرهاب، والإنشقاق القبلي، هذا بالإضافة إلى مهمة أساسية أخرى ألقاها معاوية على عاتق هؤلاء الأشخاص وهي اختلاق "الأحاديث" التي تتضمن الطعن في علي وأهل بيته عليه السلام ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويوضح لنا النص الاتي مدى اتساع هذه الشبكة التي كونها معاوية، ومدى تجاوبها مع رغباته.
كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة: "أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضائل أبي تراب وأهل بيته".
وكتب إليهم: "أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه والذين يروون فضائله ومناقبه فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إليّ بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته".
ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه معاوية إليهم من الصلات والكساء والحباء والقطائع ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه. فلبثوا بذلك حيناً.
"ثم كتب إلى عماله أن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية. فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته".
فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدَّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وأُلقي إلى معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القران وحتى علموه بناتهم ونساءهم، وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شاء الله. فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة.
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: "إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم"24.
وقد تجلى "سخاء" معاوية في هذا الميدان بوضوح فها هو ذا يبذل (للصحابي) سمرة بن جندب أربعمائة ألف درهم على أن يروي أن هذه الاية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾25
قد نزلت في علي بن أبي طالب. وأن الاية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ..﴾26فروى ذلك27.
وأما أبو هريرة فقد كافأه معاوية بولاية المدينة لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن علي وبني أمية ما يلائم ذوق معاوية وأهدافه السياسية28.
فمن ذلك يرجع إلى تمجيد بني أمية وعلى الأخص عثمان ومعاوية ويجعلهم في مرتبة القديسين. كهذا الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إن الله ائتمن على وحيه ثلاثاً: أنا، وجبرائيل، ومعاوية".
وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناول معاوية سهماً فقال له: "خذ هذا حتى تلقاني في الجنة". و"أنا مدينة العلم، وعلي بابها، ومعاوية حلقتها". و"تلقون من بعدي اختلافاً وفتنة، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه، يشير بذلك إلى عثمان".
ومنها ما يحذر المسلمين من الثورة، ويزين لهم الرضوخ ويوهمهم أن الثورة على الظلم، والسعي نحو إقامة نظام عادل عمل مخالف للدين. وبدهي أن شيئاً من ذلك لم يصدر عن الله ولا عن رسوله. ومن هذه "الأحاديث" ما عن عبد الله ابن عمر، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنكم سترون بعدي أثره وأموراً تنكرونها. قالوا: فماذا تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدوا إليهم حقهم. وسلوا الله حقكم ". و"من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإن من فارق الجماعة شبراً فمات إلا ميتة جاهلية". و"ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جمع فاضربوه بالسيف كائناً ما كان"29.
وما شاكل هذا من الأحاديث التي تدعو المسلمين إلى الخضوع لأمرائهم الظالمين، وتحرم عليهم الثورة على هؤلاء الأمراء طلباً لحقهم.
هذا لون من ألوان التضليل الديني الذي ابتدعه الأمويون لتثبيت ملكهم. وهنا لون اخر من ألوان التضليل الديني استخدموه وبرعوا في استخدامه، وهو تأسيس الفرق الدينية السياسية التي تقدم للجماهير تفسيرات دينية تخدم سلطة الأمويين وتبرر أعمالهم.
ومن الأمثلة البارزة في هذا الميدان فرقة المرجئة. فقد كان الأمويون يواجهون الشيعة الذين يعتبرون بني أمية قتلة غاصبين لتراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والخوارج الذين يرونهم كفرة تجب الثورة عليهم وإزاحتهم عن الحكم. وكان كل واحد من هذين الفريقين يقدم بين يدي دعواه حججاً دينية لا يملك الأمويون ما يقابلها لذلك أنشئوا فرقة المرجئة التي قدمت أدلة مقابلة لأدلة الشيعة والخوارج، ووقفت ضدهم في ميدان النضال السياسي الديني.
لقد اعتبر المرجئة الإيمان عملاً قلبياً خالصاً لا يحتاج إلى التعبير عنه بفعل من الأفعال، فيكفي الإنسان أن يكون مؤمناً بقلبه ليعصمه الإسلام، ويحرم الإعتداء عليه، وهم ينادون: "لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع مع الكفر طاعة"، وقالوا: "إن الإيمان الإعتقاد بالقلب وإن أعلن الكفر بلسانه، وعبد الأوثان، ولزم اليهودية والنصرانية في دار الإسلام ومات على ذلك فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله عز وجل، ولي لله عز وجل، من أهل الجنة"30.
والنتيجة المنطقية لهذا اللون من التفكير هي أن الأمويين مؤمنون مهما ارتكبوا من الكبائر31.
وقد كان المرجئة يبشرون بهذه الأفكار بين صفوف الأمة المسلمة لأجل تخديرها وصرفها عن الإستجابة لدعاة الثورة على الأمويين.
وإلى جانب ما تقدم اعتمد الأمويون أسلوباً اخر من أساليب التضليل الديني لدعم حكمهم وصرف الناس عن الثورة عليهم.
فقد واجه الأمويون خطراً ساحقاً عليهم من عقيدة القدرية القائلين بحرية الإرادة والإختيار، وأن الإنسان هو الذي يختار نوع السلوك والعمل الذي يمارسه في حياته، وإذا كان حراً فهو مسؤول عن أفعاله لأن كل حرية تستتبع حتماً المسؤولية.
هذه العقيدة كانت خطراً على الأمويين الذين يخافون من رقابة الأمة عليهم وعلى تصرفاتهم، ولذلك فقد اضطهدوا هذه العقيدة ودعاتها وتمسكوا بالعقيدة المضادة لها: عقيدة الجبر32 فهذه هي العقيدة التي تلائمهم في الميدان السياسي لأنها توحي إلى الناس بأن وجود الأمويين وتصرفاتهم مهما كانت شاذة وظالمة ليست سوى قدر مرسوم من الله لا يمكن تغييره ولا تبديله، فلا جدوى من الثورة عليه. وها هو معاوية يتظاهر بالجبر والإرجاء لأجل تبرير أفعاله أمام الملأ بأنها مقدورة لا سبيل إلى تبديلها، مع كونها في الوقت نفسه غير قادحة فيه باعتباره حاكماً دينياً.
ولا بد أنه قد عهد بإذاعة أفكاره الخاصة حول هاتين العقيدتين الجبر والإرجاء بين المسلمين إلى ولاته وأجهزة الدعاية عنده، ومنها القصاص، قال الليث بن سعد: "وأما قصص الخاصة فهو الذي أوجده معاوية، ولّى رجلاً على القصص فإذا سلم من صلاة الصبح جلس وذكر الله عز وجل وحمده ومجده، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعا للخليفة ولأهل بيته وحشمه وجنوده، ودعا على أهل حربه وعلى المشركين كافة"33.
وأمر رجلاً يقص بعد الصبح وبعد المغرب يدعو له ولأهل الشام34. ولا بد أن هذا الدعاء كان استهلالاً يبتدئ به القاص ثم يأخذ بعده في قصصه.
ومنذ بدأ الحكام المسلمون يناوئون النزعة الإنسانية في الإسلام ليحولوه إلى مؤسسة تخدم مارب فئة خاصة بدأ علي وأبناؤه وأصحابهم يدافعون عن الإسلام ويردون عنه شر من يريد تحريفه وتزويره.
كان هذا هو عمل علي طيلة حياته حتى إذا استشهد خلفه في الصراع ابنه الحسن، وقضت عليه ظروف المجتمع الإسلامي الإجتماعية والنفسية أن تهيئ هذا المجتمع للثورة على الحكم الأموي. حتى استشهد.
وبقي الحسين عليه السلام وحيداً.
وقد عاصر الحركة التي بدأها أعداء الإسلام: الدخلاء فيه، والموتورون، والحاقدون، وطلاب المنافع العاجلة في حربهم ضد الإسلام وضد مبادئه الإنسانية. عاصر هذه الحركة منذ نشوئها: عاصرها حيناً مع أبيه وأخيه والصفوة من الأصحاب، وعاصرها حيناً اخر مع أخيه وبقية السيف الأموي من الأصحاب، وها هو ذا الان يقف وحيداً في ساحة الصراع. إنه يقف وحيداً ضد معاوية وجهاز حكمه الإرهابي، ويرى بعينيه كيف يراد للأمة المسلمة أن تتحول عن الأهداف العظيمة التي كونت لأجلها، وكيف تزيف حياتها، وكيف يراد لوجودها أن يضمر ويضيق لينحصر في لقمة العيش وفي حفنة من الدراهم يبيع المسلم بها حياته وضميره وحريته وكرامته الإنسانية للحاكمين الظالمين.
وقد رأى منهج معاوية وبطانته الذي اعتمدوه للوصول بالأمة المسلمة إلى هذا المصير الكالح، رأى كيف يطارد الناس ويجوعون ويضطهدون وينكل بهم لأنهم يخالفون السلطة في الهوى السياسي، ورأى كيف يحرف الإسلام وتزور مبادئه الإنسانية في سبيل المارب السياسية، ورأى حملة التخدير الديني والكذب على الله ورسوله، ورصد عن كثب محاولة إفساد المجتمع بتشجيع الروح القبلية والنزعة العنصرية.
ولقد أراد الأمويون من الحسين أن يخضع لهم لأن خضوعه يؤمن لهم انقياد الأمة المسلمة كلها، ويمكنهم من ممارسة سياستهم دون خشية، أراد ذلك معاوية بن أبي سفيان حين عزم على أخذ البيعة بولاية العهد ليزيد من بعده، وتوسل إلى ذلك بالشدة حيناً وباللين حيناً فما نال بغيته35. وأراد ذلك يزيد حين صار إليه الأمر بعد أبيه. ولكن الحسين أبى أن يخضع لأنه كان يعي أعمق الوعي دوره التاريخي الذي يفرض عليه أن يثور لتهز ثورته ضمير الأمة التي اعتادت الإنحناء أمام جبروت السلطة الحاكمة، اعتادت ذلك حتى ليخشى ألا يصلحها شيء.
إن المجتمع الذي خضع طويلاً لتأثير السياسة الأموية والتوجيه الأموي لا يمكن أن يصلح بالكلام، فهو اخر شيء يمكن أن يؤثر فيه.. إن الكلمة لا يمكن أن تؤثر شيئاً في النفس الميتة، والقلب الحائر، والضمير المخدر كان لا بد لهذا المجتمع المتخاذل من مثال يهزه عنيفاً، ويضل يواليه بإيحاءاته الملتهبة، ليقتلع الثقافة العفنة التي خدرتنه، وقعدت به عن صنع مصير وضاء.
وهذا الواقع الكالح وضع الإمام الحسين وجهاً لوجه أمام دوره التاريخي ورسالته النضالية،هذا الدور الذي يفرض عليه أن يثور، وأن يعبر بثورته عن شعور الملايين وأن يهز بثورته هذه الملايين نفسها، ويضرب لها المثل والقدوة في حرب الظالمين.
وقد كان كل ذلك وكانت ثورة الحسين عليه السلام.
1- شرح نهج البلاغة، 86 85/2.
2- شرح نهج البلاغة، 117 116/2.
3- المصدر السابق 7 6/2.
4- المصدر السابق، 17/2 وتفصيل أحداث بسر بن أرطاة، في الجزء نفسه، ص183.
5- المصدر السابق، 44/11.
6- المصدر السابق، 73/4.
7- مناقب أبي حنيفة المكي، 117/1.
8- شرح نهج البلاغة، 17/1.
9- شرح نهج البلاغة، 46 44/11.
10- المصدر السابق، 44 43/11.
11- المسعودي، مروج الذهب، 53/3.
12- شرح نهج البلاغة، 46 44/11.
13- زيدان، التمدن الإسلامي، 76/4.
14- زيدان، التمدن الإسلامي، 76/4.
15- ابن الأثير، الكامل 252/3 والإمامة والسياسة 200/1.
16- يوليوس ولها وزن، الدولة العربية وسقوطها، 158.
17- سورة الحجرات، الاية/13.
18- الدولة العربية 112، نقلاً عن الطبري وفي شرح نهج البلاغة 19/11 نقلاً عن الجاحظ: "وكان معاوية يحب أن يغري بين قريش".
19- بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية 148/1 وأحمد أمين، قصة الأدب في العالم 372/1.
20- أحمد الشايب، تاريخ الشعر السياسي، 309 308.
21- العقد الفريد 261 260/2 وضحى الإسلام 34 18/1 والتمدن الإسلامي 64 60/4 و96 91.
22- ولهاوزن، الدولة العربية 53، وراجع تاريخ الإسلام السياسي279 278/1
23- شرح نهج البلاغة 61/4.
24- شرح نهج البلاغة، 46/11.
25- سورة البقرة، الايتان/205 204.
26- سورة البقرة، الاية/207.
27- شرح نهج البلاغة، 73/4.
28- المصدر السابق، 64/4، وما بعدها، ص69 67.
29- تجد هذه النصوص وغيرها في البخاري وغيره من كتب الحديث.
30- ابن حزم، الفصل في الملل والنحل، 204/4.
31- فيليب حتي، تاريخ العرب، 316/2.
32- موريس غودفردا، النظم الإسلامية، 39 "في الخلاف الذي قام حول الجبرية ساند الخلفاء الأمويون فكرة إنكار الإرادة في أفعال الإنسان".
33- فجر الإسلام، ص159
34- المصدر السابق، ص160.
35- ابن الأثير، الكامل، 252 294/3.
#منتديات_المخرج_علي_العذاري