سيرة الامام علي بن الحسين عليه السلام
تمهيد
يعتبر البعض أن شهادة الإمام الحسين عليه السلام أفقدت الفكر الشيعي المحور الأساس وهو الزعيم السياسي الذي كان محور الحركة القيادية، وأن الإمام زين العابدين عليه السلام إنصرف عن السياسة إلى الدين وأصبح زعيماً روحياً 1لا علاقة له بما يجري من أحداث على أرض الواقع، بل غاية ما قام به هو تخريج ثلة من العلماء والفقهاء الكبار الذين أصبحوا فيما بعد مراجعاً في الأحكام الفقهية والقضايا الإسلامية.
والبعض يحاول أن يعطي بعض الترجيحات لتثبيت أن الإمام أخذ قراراً بالابتعاد عن السياسة فيذكر ثورة المختار الثقفي وكيفية رفض الإمام لهذه الثورة، مما يؤكد عدم خروجه من مرحلة التعبد إلى مرحلة العمل السياسي، بل يمكن اعتبار فاجعة كربلاء كافية لانعزال الإمام عليه السلام عن الحياة السياسية وعدم وثوقه بالناس2.
وهذا التصور في الحقيقة هو ما أراد أن يوحي به الإمام عليه السلام للسلطة الأموية الحاكمة للحفاظ على التشيع ولنشر الإسلام الأصيل بشكل هادئ وليحصل التغيير من الأرض وبشكل تدريجي، ولتوضيح ذلك سنتحدث عن مفهوم الإمامة ثم عن مرحلة الإمام عليه السلام بعد عاشوراء.
مفهوم الإمامة
لقد وردت تعريفات متعددة للإمامة تتمحور حول عدة أمور:
1- تنحصر الإمامة بالنص.
2 - الإمامة قيادة للأمة في الدين والدنيا.
3 - الإمامة نيابة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله .
ولذلك عرفها بعض المؤلفين "الإمام هو الذي له الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله "3.
فإذا كانت الإمامة بهذه السعة في شمولها لكل مفاصل الحياة البشرية، فالنتيجة الطبيعة أن لا تفرّغ هذه الإمامة من السياسة أصلاً.
وقد جاء في كلام للإمام الرضا عليه السلام أنه قال:"الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين"4.
فإذا كانت الإمامة نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله فلا أحد ينكر أن تكون السياسة من صميم شؤون النبوة ومسؤوليات النبي صلى الله عليه وآله المهمة فلا يمكن أن تبعد عن السياسة وهكذا الإمام.
حياة الإمام عليه السلام وملامح عصره
إن حياة الإمام عليه السلام مليئة بالحركة والجهاد العظيم تبدأ الرحلة من كربلاء من حضوره في ذلك المكان رغم مرضه الذي أصيب به، إلى مواقفه البطولية في مجلس ابن زياد ويزيد بن معاوية حيث خطب خطابه الشهير:"أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء"5.
وعندما سأله بعض الناس من غلب فقال عليه السلام :"إذا أردت أن تعلم من غلب، ودخل وقت الصلاة، فأذّن ثم أقِم"6.
إن تحديد بعض الملامح الأساسية في عصر الإمام عليه السلام تجعلنا نفهم الأهداف التي رسمها بالإضافة لفهم الخطوات الإصلاحية التي قام بها طبقاً لهذه الأهداف.
1 - الفتوحات الإسلامية:
إن الفتوحات التي قام بها المسلمون قد تعبر عن نصر مؤزر للإسلام العظيم، غير أنها فتحت بعض التداعيات الخطيرة، باعتبار أن الاهتمام بهذه الفتوحات لم يرافقه تحصين داخلي للأمة، وبتعبير اخر تم الاهتمام بالجهاد العسكري المسلح الأصغر ولم يرافقه اهتمام بالجهاد الأكبر المتمثل بتعميق الثقافة والأخلاق السامية والتكامل المعنوي.
لهذا فإن الفتوحات عرّضت المسلمين لخطرين كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري وكان لا بد من العمل الحاسم للوقوف في وجههما.
أ - خطر التأثر السلبي بالثقافات الأخرى:وهذا الخطر نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوعة وأعراف تشريعية وأوضاع اجتماعية مختلفة بحكم تفاعلهم مع الشعوب التي دخلت في دين اللَّه أفواجاً بشكل كان يمكن أن يكون له اثار سلبية على فهم المفاهيم الإسلامية وتعرضها للتشويه.
ب - خطر الانهيار الأخلاقي:وهذا الخطر نجم أيضاً عن موجة الرخاء التي سادت المجتمع الإسلامي في أعقاب ذلك الامتداد الهائل، لأن موجات الرخاء تعرض أي مجتمع إلى خطر الانسياق مع ملذات الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة وانطفاء الشعور الملتهب بالقيم الخلقية والصلة الروحية باللَّه واليوم الاخر7.
2- انحراف الحكّام:
هذا بالإضافة إلى الانحراف الحاصل من الأساس في الحكام ويكفي النظر لما خلفته هذه الحكومات الظالمة سواء حكومة يزيد في الشام أو حكومة مروان أو غيرهما لنعرف المحنة الحقيقية التي واجهها الإمام عليه السلام .
والأخطر من ذلك كله أن هذه الانحرافات وجدت غطاء شرعياً وسياسياً ضمن لها الاستمرار في ظلمها وهذه الانحرافات تمثلت بعدة عناصر منها:
1- وعاظ السلاطين.
2 - بث مفاهيم عقائدية ودينية خاطئة.
3 - ابعاد الناس عن مفهوم الإمامة والخلافة الصحيحة.
4 - ضرب جبهة المعارضة الإسلامية وقمعها بكل أساليب العنف المتاحة.
أهداف الإمام وأسلوب المواجهة 8.
إن هذا الانحراف الكبير عن ثوابت الإسلام بل ظواهره الأساسية التي ضربت كل مفاصل الأمة في ظل الحكم الأموي. جعل الإمام في موقف صعب جداً وكان عليه أن يقوم بالاصلاحات المختلفة، فقد كان هناك جملة من الأهداف التي قام بتطبيقها.
1 - تدوين الفكر الإسلامي:
وهذا الأمر يعتبر من أعظم الأدوار التي مارسها الإمام عليه السلام حيث دوّن الفكر الإسلامي الأصيل من خلال نشر المفاهيم الصحيحة كالتوحيد، والنبوة، والمعاد، والمقام المعنوي وذلك من خلال الصحيفة السجادية المباركة "التي تعبر عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام إضافة إلى كونها تراثاً ربانياً فريداً يظل على مر الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب"9.
وبالإضافة إلى هذه الصحيفة أضاف الإمام إلى تراثه الضخم رسالة الحقوق التي رسمها عليه السلام في أجواء كثر فيها اللهو والطرب والاستهتار بكل القيم والحقوق الإلهية، وتعتبر هذه الرسالة أعظم وثيقة كتبت انذاك حول حقوق الإنسان.
2 - تعريف الناس على حقيقة الإمامة:
وذلك من خلال الأحاديث التي بيّن فيها الشروط التي ينبغي توفرها في الحاكم وافهام الناس بأن حكومة عبد الملك وأمثالها ليست الحكومة التي يريدها الإسلام وذلك ضمن أحاديث متعددة منها:"ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي اللَّه وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم"10."فقدموا أمر اللَّه وطاعته وطاعة من أوجب اللَّه طاعته"11.
3 - ايجاد التشكيلات لأتباع أهل البيت عليهم السلام (بناء المجتمع الصالح).
هناك نوع من بيانات الإمام يدعو من خلاله بصراحة الناس إلى ضرورة ايجاد تشكيلات خاصة، وبالطبع فإن هذه الدعوة موجهة إلى أولئك الذين يتبعون أهل البيتعليهم السلام ، وإلا لو كانت إلى غيرهم من عامة الناس لأفشيت وأدت إلى ايذاء الإمام وتعرضه للضغوط الصعبة يقول الإمام عليه السلام :"إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الاخرة تركهم كل خليط وخليل ورفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدون"12.
وهذا تصريح بالدعوة إلى ايجاد تشكيلات شيعية فهو يعلمهم بأن عليهم الابتعاد عن أولئك الذين يخالفونهم في الدافع ولا يتبعون الحكومة العلوية وحكومة الحق13.
جبهات المواجهة:
كانت جبهات المواجهة مختلفة ومتنوعة منها:
أ - مواجهة علماء البلاط:كموقفه من محمد بن شهاب الزهري الذي كان أحد تلامذته فقد أرسل له رسالة جاء فيها:"أوليس بدعائه إياك حينما دعاك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلماً إلى ضلالتهم داعياً إلى غيهم سالكاً لسبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم"14.
ب- مواجهة الحكام: وذلك من خلال أمرين:
1 - المواجهة الثقافية في تحديد المفاهيم الدينية الصحيحة:حيث أن الإمام الصادق عليه السلام يقول:"إن بني أمية أطلقوا للناس الإيمان ولم يطلقوا الشرك حتى إذا حملوهم عليه لم يعرفوه"15.ومن هنا نفهم أن الأئمة عليهم السلام إذا أرادوا أن يبينوا حقيقة الشرك فإنهم يقومون بما يشبه المواجهة مع نظام الحكم.
2- المواجهة الشديدة مع نفس الحاكم فعلى سبيل المثال عندما عرف عبد الملك أن سيف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عند الإمام فطلبه منه وهدده بقطع حقه من بيت المال فأرسل إليه الإمام عليه السلام :﴿أما بعد فإن اللَّه تعالى وعد عباده المتقين بنجاتهم من المحن ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾16.
وقال عليه السلام ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور﴾17.
فانظر أينا ينطبق عليه الكلام.
الخلاصة
1- إن مراحل حياة الإمام عليه السلام يمكن تقسيمها إلى قسمين: مرحلة ما قبل الطف، ومرحلة ما بعد الطف وهي مرحلة حساسة في حياته عليه السلام .
2- الإمامة تشمل في بعدها العملي العمل السياسي والاجتماعي.
3- الفتوحات الإسلامية وضعت المسلمين أمام تحديات لحفظ الدين وعدم تشويهه.
4- مواجهة الإمام لكل هذه الأحداث والأمراض الأخلاقية في عصره تمثلت بعدة خطوات منها:
*محطات من سيرة اهل البيت, سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الليثي، د. سميرة، جهاد الشيعة، ص29، نقلاً: عن جهاد الإمام السجاد، الجلالي، محمد رضا.
2- معتزلة اليمن، ص18 17، نقلاً: عن جهاد الإمام السجاد، محمد رضا الجلالي، ص11،(بتصرف).
3- الصدوق، الامالي، ص536.
4- الصدوق، معاني الأخبار، ص98 97.
5- الأمين، محسن، لواعج الأشجان في مقتل الحسين، ص234.
6- الطوسي، الامالي، ص677.
7- الصدر، محمد باقر، مقدمة الصحيفة السجادية، ص11 و13 12.
8- راجع: الخامنئي، السيد علي، الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت، بحث حول سيرة الإمام السجاد عليه السلام .
9- الصدر، محمد باقر، م.س، ص15.
10- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج8، ص16.
11- م.ن، ص16.
12- الحراني، ابن شعبة، تحف العقول، ص272.
13- الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت، م.س، ص123.
14- بحار الأنوار، ج75، ص132.
15- الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت، م.س، ص134.
16- الطلاق:3 -2.
17- الحج: 38.
#منتديات_المخرج_علي_العذاري
تمهيد
يعتبر البعض أن شهادة الإمام الحسين عليه السلام أفقدت الفكر الشيعي المحور الأساس وهو الزعيم السياسي الذي كان محور الحركة القيادية، وأن الإمام زين العابدين عليه السلام إنصرف عن السياسة إلى الدين وأصبح زعيماً روحياً 1لا علاقة له بما يجري من أحداث على أرض الواقع، بل غاية ما قام به هو تخريج ثلة من العلماء والفقهاء الكبار الذين أصبحوا فيما بعد مراجعاً في الأحكام الفقهية والقضايا الإسلامية.
والبعض يحاول أن يعطي بعض الترجيحات لتثبيت أن الإمام أخذ قراراً بالابتعاد عن السياسة فيذكر ثورة المختار الثقفي وكيفية رفض الإمام لهذه الثورة، مما يؤكد عدم خروجه من مرحلة التعبد إلى مرحلة العمل السياسي، بل يمكن اعتبار فاجعة كربلاء كافية لانعزال الإمام عليه السلام عن الحياة السياسية وعدم وثوقه بالناس2.
وهذا التصور في الحقيقة هو ما أراد أن يوحي به الإمام عليه السلام للسلطة الأموية الحاكمة للحفاظ على التشيع ولنشر الإسلام الأصيل بشكل هادئ وليحصل التغيير من الأرض وبشكل تدريجي، ولتوضيح ذلك سنتحدث عن مفهوم الإمامة ثم عن مرحلة الإمام عليه السلام بعد عاشوراء.
مفهوم الإمامة
لقد وردت تعريفات متعددة للإمامة تتمحور حول عدة أمور:
1- تنحصر الإمامة بالنص.
2 - الإمامة قيادة للأمة في الدين والدنيا.
3 - الإمامة نيابة عن النبي محمد صلى الله عليه وآله .
ولذلك عرفها بعض المؤلفين "الإمام هو الذي له الرئاسة العامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله "3.
فإذا كانت الإمامة بهذه السعة في شمولها لكل مفاصل الحياة البشرية، فالنتيجة الطبيعة أن لا تفرّغ هذه الإمامة من السياسة أصلاً.
وقد جاء في كلام للإمام الرضا عليه السلام أنه قال:"الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين"4.
فإذا كانت الإمامة نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله فلا أحد ينكر أن تكون السياسة من صميم شؤون النبوة ومسؤوليات النبي صلى الله عليه وآله المهمة فلا يمكن أن تبعد عن السياسة وهكذا الإمام.
حياة الإمام عليه السلام وملامح عصره
إن حياة الإمام عليه السلام مليئة بالحركة والجهاد العظيم تبدأ الرحلة من كربلاء من حضوره في ذلك المكان رغم مرضه الذي أصيب به، إلى مواقفه البطولية في مجلس ابن زياد ويزيد بن معاوية حيث خطب خطابه الشهير:"أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء"5.
وعندما سأله بعض الناس من غلب فقال عليه السلام :"إذا أردت أن تعلم من غلب، ودخل وقت الصلاة، فأذّن ثم أقِم"6.
إن تحديد بعض الملامح الأساسية في عصر الإمام عليه السلام تجعلنا نفهم الأهداف التي رسمها بالإضافة لفهم الخطوات الإصلاحية التي قام بها طبقاً لهذه الأهداف.
1 - الفتوحات الإسلامية:
إن الفتوحات التي قام بها المسلمون قد تعبر عن نصر مؤزر للإسلام العظيم، غير أنها فتحت بعض التداعيات الخطيرة، باعتبار أن الاهتمام بهذه الفتوحات لم يرافقه تحصين داخلي للأمة، وبتعبير اخر تم الاهتمام بالجهاد العسكري المسلح الأصغر ولم يرافقه اهتمام بالجهاد الأكبر المتمثل بتعميق الثقافة والأخلاق السامية والتكامل المعنوي.
لهذا فإن الفتوحات عرّضت المسلمين لخطرين كبيرين خارج النطاق السياسي والعسكري وكان لا بد من العمل الحاسم للوقوف في وجههما.
أ - خطر التأثر السلبي بالثقافات الأخرى:وهذا الخطر نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوعة وأعراف تشريعية وأوضاع اجتماعية مختلفة بحكم تفاعلهم مع الشعوب التي دخلت في دين اللَّه أفواجاً بشكل كان يمكن أن يكون له اثار سلبية على فهم المفاهيم الإسلامية وتعرضها للتشويه.
ب - خطر الانهيار الأخلاقي:وهذا الخطر نجم أيضاً عن موجة الرخاء التي سادت المجتمع الإسلامي في أعقاب ذلك الامتداد الهائل، لأن موجات الرخاء تعرض أي مجتمع إلى خطر الانسياق مع ملذات الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة وانطفاء الشعور الملتهب بالقيم الخلقية والصلة الروحية باللَّه واليوم الاخر7.
2- انحراف الحكّام:
هذا بالإضافة إلى الانحراف الحاصل من الأساس في الحكام ويكفي النظر لما خلفته هذه الحكومات الظالمة سواء حكومة يزيد في الشام أو حكومة مروان أو غيرهما لنعرف المحنة الحقيقية التي واجهها الإمام عليه السلام .
والأخطر من ذلك كله أن هذه الانحرافات وجدت غطاء شرعياً وسياسياً ضمن لها الاستمرار في ظلمها وهذه الانحرافات تمثلت بعدة عناصر منها:
1- وعاظ السلاطين.
2 - بث مفاهيم عقائدية ودينية خاطئة.
3 - ابعاد الناس عن مفهوم الإمامة والخلافة الصحيحة.
4 - ضرب جبهة المعارضة الإسلامية وقمعها بكل أساليب العنف المتاحة.
أهداف الإمام وأسلوب المواجهة 8.
إن هذا الانحراف الكبير عن ثوابت الإسلام بل ظواهره الأساسية التي ضربت كل مفاصل الأمة في ظل الحكم الأموي. جعل الإمام في موقف صعب جداً وكان عليه أن يقوم بالاصلاحات المختلفة، فقد كان هناك جملة من الأهداف التي قام بتطبيقها.
1 - تدوين الفكر الإسلامي:
وهذا الأمر يعتبر من أعظم الأدوار التي مارسها الإمام عليه السلام حيث دوّن الفكر الإسلامي الأصيل من خلال نشر المفاهيم الصحيحة كالتوحيد، والنبوة، والمعاد، والمقام المعنوي وذلك من خلال الصحيفة السجادية المباركة "التي تعبر عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام إضافة إلى كونها تراثاً ربانياً فريداً يظل على مر الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب"9.
وبالإضافة إلى هذه الصحيفة أضاف الإمام إلى تراثه الضخم رسالة الحقوق التي رسمها عليه السلام في أجواء كثر فيها اللهو والطرب والاستهتار بكل القيم والحقوق الإلهية، وتعتبر هذه الرسالة أعظم وثيقة كتبت انذاك حول حقوق الإنسان.
2 - تعريف الناس على حقيقة الإمامة:
وذلك من خلال الأحاديث التي بيّن فيها الشروط التي ينبغي توفرها في الحاكم وافهام الناس بأن حكومة عبد الملك وأمثالها ليست الحكومة التي يريدها الإسلام وذلك ضمن أحاديث متعددة منها:"ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت من زهرة الدنيا بين يدي اللَّه وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم"10."فقدموا أمر اللَّه وطاعته وطاعة من أوجب اللَّه طاعته"11.
3 - ايجاد التشكيلات لأتباع أهل البيت عليهم السلام (بناء المجتمع الصالح).
هناك نوع من بيانات الإمام يدعو من خلاله بصراحة الناس إلى ضرورة ايجاد تشكيلات خاصة، وبالطبع فإن هذه الدعوة موجهة إلى أولئك الذين يتبعون أهل البيتعليهم السلام ، وإلا لو كانت إلى غيرهم من عامة الناس لأفشيت وأدت إلى ايذاء الإمام وتعرضه للضغوط الصعبة يقول الإمام عليه السلام :"إن علامة الزاهدين في الدنيا الراغبين في الاخرة تركهم كل خليط وخليل ورفضهم كل صاحب لا يريد ما يريدون"12.
وهذا تصريح بالدعوة إلى ايجاد تشكيلات شيعية فهو يعلمهم بأن عليهم الابتعاد عن أولئك الذين يخالفونهم في الدافع ولا يتبعون الحكومة العلوية وحكومة الحق13.
جبهات المواجهة:
كانت جبهات المواجهة مختلفة ومتنوعة منها:
أ - مواجهة علماء البلاط:كموقفه من محمد بن شهاب الزهري الذي كان أحد تلامذته فقد أرسل له رسالة جاء فيها:"أوليس بدعائه إياك حينما دعاك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم وسلماً إلى ضلالتهم داعياً إلى غيهم سالكاً لسبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم"14.
ب- مواجهة الحكام: وذلك من خلال أمرين:
1 - المواجهة الثقافية في تحديد المفاهيم الدينية الصحيحة:حيث أن الإمام الصادق عليه السلام يقول:"إن بني أمية أطلقوا للناس الإيمان ولم يطلقوا الشرك حتى إذا حملوهم عليه لم يعرفوه"15.ومن هنا نفهم أن الأئمة عليهم السلام إذا أرادوا أن يبينوا حقيقة الشرك فإنهم يقومون بما يشبه المواجهة مع نظام الحكم.
2- المواجهة الشديدة مع نفس الحاكم فعلى سبيل المثال عندما عرف عبد الملك أن سيف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عند الإمام فطلبه منه وهدده بقطع حقه من بيت المال فأرسل إليه الإمام عليه السلام :﴿أما بعد فإن اللَّه تعالى وعد عباده المتقين بنجاتهم من المحن ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾16.
وقال عليه السلام ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور﴾17.
فانظر أينا ينطبق عليه الكلام.
الخلاصة
1- إن مراحل حياة الإمام عليه السلام يمكن تقسيمها إلى قسمين: مرحلة ما قبل الطف، ومرحلة ما بعد الطف وهي مرحلة حساسة في حياته عليه السلام .
2- الإمامة تشمل في بعدها العملي العمل السياسي والاجتماعي.
3- الفتوحات الإسلامية وضعت المسلمين أمام تحديات لحفظ الدين وعدم تشويهه.
4- مواجهة الإمام لكل هذه الأحداث والأمراض الأخلاقية في عصره تمثلت بعدة خطوات منها:
*محطات من سيرة اهل البيت, سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الليثي، د. سميرة، جهاد الشيعة، ص29، نقلاً: عن جهاد الإمام السجاد، الجلالي، محمد رضا.
2- معتزلة اليمن، ص18 17، نقلاً: عن جهاد الإمام السجاد، محمد رضا الجلالي، ص11،(بتصرف).
3- الصدوق، الامالي، ص536.
4- الصدوق، معاني الأخبار، ص98 97.
5- الأمين، محسن، لواعج الأشجان في مقتل الحسين، ص234.
6- الطوسي، الامالي، ص677.
7- الصدر، محمد باقر، مقدمة الصحيفة السجادية، ص11 و13 12.
8- راجع: الخامنئي، السيد علي، الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت، بحث حول سيرة الإمام السجاد عليه السلام .
9- الصدر، محمد باقر، م.س، ص15.
10- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج8، ص16.
11- م.ن، ص16.
12- الحراني، ابن شعبة، تحف العقول، ص272.
13- الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت، م.س، ص123.
14- بحار الأنوار، ج75، ص132.
15- الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت، م.س، ص134.
16- الطلاق:3 -2.
17- الحج: 38.
#منتديات_المخرج_علي_العذاري