مجلس شهادة الإمام الصادق عليه السلام -1
دَمْعاً لِرُزْءِ بْنِ الرَّسُوْلِ الصَّادِقِ
الدِّيْنَ الْحَنِيْفَ وَبَزَّ كُلَّ مُنَافِقِ
مِنْ عُمْرِهِ مِنْ صَاحِبٍ وَمُرَافِقِ
عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْكَثِيْرِ الْمَائِقِ
وَلَوَى أَكُفَّ مُنَاظِرِيْنَ زَنَادِقِ
الْإِلْحَادِ بَيْنَ مُتَابِعٍ وَمُلَاحِقِ
هُدَّتْ بِهِ أَرْكَانُ مَجْدٍ شَاهِقِ
ظُلْماً وَلَمْ يَعْبَأْ بِسُخْطِ الْخَالِقِ
وَالطُّهْرَ فَاطِمَ للسَّلِيْلِ السَّابِقِ
فِيْ صَبْرِهِ طَلَباً لِنَيْلِ حَقَائِقِ1 يَا قَلْبُ، ذُبْ كَمَداً وَيَا عَيْنُ اسْكُبِي
ذَاكَ الَّذِيْ نَشَرَ الْعُلُوْمَ وَأَيَّدَ
لَكِنَّهُ لَمْ يَلْقَ فِيْمَا عَاشَهُ
إِلّا الْقَلِيْلَ وَفِي الْقَلِيْلِ كِفَايَةٌ
أَدَّى رِسَالَتَهُ بِأَكْمَلِ صُوْرَةٍ
أَدَّى بِنَفْسِيْ مَا عَلَيْهِ وَزُمْرَةُ
حَتَّىْ بِسُمِّهِمِ الزُّعَافِ قَضَىْ وَقَدْ
مَاذَا رَأَىْ الْمَنْصُوْرُ مِنْهُ فَسَمَّهُ
أَبْكَىْ النَّبِيَّ الْمُصْطَفَىْ وَوَصِيَّهُ
فِيْ فَضْلِهِ، فِيْ عِلْمِهِ، فِيْ حِلْمِهِ
شعبي:
على الصادق المات اليوم بالسم
ابسمّه آمر اولا خاف ربه
انفطر لمّن گرّب ليه المحتم
ولا ظل واحد الما بكت عينه
الجرح فرگاك أبد ما يصح بلسم على الصادق المات اليوم بالسم
ابسمّه آمر اولا خاف ربه
انفطر لمّن گرّب ليه المحتم
ولا ظل واحد الما بكت عينه
الجرح فرگاك أبد ما يصح بلسم
أبوذيّة:
الما يعترف بسم الله وسمه
ابسقر طاح السعى ابقتله وسمه
اشلون اتجرّع الصادق وسمّه
او عليه تنعى اوتونّ الجعفريّه
"أللهمّ صلِّ على جعفر بن محمّد إمام المسلمين، ووال من والاه, وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه".
بعد أن حاول المنصور قتل الإمام الصادق عليه السلام سبع مرّات كما يذكر بعضهم, فتارة يأمر رزام بن مسلم مولى أبي خالد أن يقتل الإمام وهو "سلام الله عليه" في الحِيرة. وأخرى يأمر باغتياله مع ابنه موسى بن جعفر. قال قيس بن الربيع: حدّثني أبي الربيع، قال: دعاني المنصور يوماً قال: أما ترى الذي يبلغني عن هذا الحسينيّ؟ قلت: ومن هو يا سيّدي؟! قال: جعفر بن محمّد، والله لأستأصلنّ شأفته. ثمّ دعا بقائد من قوّاده فقال: انطلق إلى المدينة في ألف رجل، فاهجم على جعفر بن محمّد وخذ رأسه ورأس ابنه موسى بن جعفر في مسيرك..إلى غير ذلك من موارد.
وكان الإمام يدعو بدعاء جدّه الحسين عليه السلام فينجيه الله تعالى, كما أجاب حينما سئل عن سبب نجاته في إحدى المرّات, وهو هذا الدعاء: "أللهمّ يا عدّتي عند شدّتي, يا غوثي عند كربتي, احرسني بعينك التي لا تنام, واكنفني بركنك الذي لا يرام, وارحمني بقدرتك عليّ, فلا أهلك وأنت رجائي, أللهمّ إنّك أكبر وأجلّ وأقدر ممّا أخاف وأحذر, أللهمّ بك أدرأ في نحره, وأستعيذ بك من شرّه إنّك على كلّ شيء قدير".
ولمّا نزل أبو جعفر الدوانيقيّ في "الربذة" وكان الإمام الصادق عليه السلام بها, قال: من يعذرني من جعفر؟ والله لأقتلنّه!
وهكذا, كان دأبه إلى أن مضى الإمام الصادق عليه السلام مسموماً بسمّ دسّه إليه المنصور الدوانيقيّ على يد عامله على المدينة, وكان قد وضعه له في العنب, فتناوله الإمام عليه السلام..وأثّر فيه حتّى صار طريح الفراش, فأخذ يوصي بوصاياه:
عن أبي بصير قال: دخلت على أمّ حميدة أعزّيها بأبي عبد الله الصادق عليه السلام ، فبكت وبكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمّد، لو رأيت أبا عبد الله عليه السلام عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثمّ قال: اجمعوا لي كلّ من بيني وبينه قرابة. قالت: فلم نترك أحداً إلّا جمعناه. قالت: فنظر إليهم ثمّ قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة..
وأوصى أن يُناح عليه سبعة مواسم، فأوقف لكلّ موسمٍ مالاً يُنفق.
وأوصى ولده الإمام الكاظم عليه السلام فقال: يا بنيّ, إذا أنا متّ فلا يغسّلني غيرك, فإنّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام..
وفي رواية أنّه دخل عليه بعض أصحابه في مرضه الذي توفّي فيه، وقد ذبل، فلم يبق إلّا رأسه, فبكى، فقال: لأيّ شيء تبكي؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أراك على هذه الحال؟! قال: لا تفعل، فإنّ المؤمن تعرض (عليه) كل خير، إن تُقَطَّعَ أعضاؤه كان خيراً له، وإن ملك ما بين المشرق والمغرب كان خيراً له.
ثمّ عرق جبينه, وسكن أنينه, وقضى نحبه, مسموماً شهيداً..
وا إماماه..وا سيّداه..وا جعفراه..
على المسموم يا قلبي تفطر
او ذوب امن الهظم لاجله او تحسّر
تفطر يا قلب لمصاب جعفر
وانته يا جفن هل دمعتك دم
وقام الإمام الكاظم عليه السلام بتغسيله وتحنيطه وتكفينه, وعيناه تهملان بالدموع حزناً على فراق أبيه, ثمّ صلّى عليه, وشيّعه المسلمون تشييعاً مهيباً, وكان يوماً عظيماً على المسلمين.. ثمّ دفنه عند والده الإمام الباقر عليه السلام في البقيع..
ونظر إليه بعض أصحابه وقد حملوه على سريره إلى البقيع ليدفن هناك, فقال:
أَقُوْلُ وَقَدْ رَاحُوْا بِهِ يَحْمِلُوْنَهُ عَلَى كَاهِلٍ مِنْ حَامِلِيْهِ وَعَاتِقِ
أَتَدْرُوْنَ مَاذَا تَحْمِلُوْنَ عَلَى الثَّرَى ثَبِيْراً ثَوَى مِنْ رَأْسِ عَلْيَاءَ شَاهِقِ
غَدَاةَ حَثَا الْحَاثُوْنَ فَوْقَ ضَرِيْحِهِ تُرَاباً وَأَوْلَىْ كَانَ فَوْقَ الْمَفَارِقِ
وعاد الإمام الكاظم عليه السلام ، إلى بيت أبيه الإمام الصادق عليه السلام ، الذي كان يسكنه, وقام بإشعال السراج هناك..
ابلحده وسّده والقلب مكسور
اونيران الحزن كانونها ايفور
بس احسين جدّه بيوم عاشور
بعد القتل عاري على الترب تم
سيّدي يا جعفر بن محمّد..لقد تحمّلت من ظلم حكّام عصرك الكثير, فقد وجّه أبو جعفر المنصور إلى الحسن بن زيد- وهو واليه على الحرمين- أن أحرق على جعفر بن محمّد داره، فألقى النّار في دار أبي عبد الله عليه السلام ، فأخذت النّار في الباب والدهليز، فخرج أبو عبد الله عليه السلام يتخطّى النّار ويمشي فيها ويقول: أنا ابن أعراق الثرى، أنا ابن إبراهيم خليل الله عليه السلام..
سيّدي يا أبا عبد الله..لقد أرادوا إحراق دارك عليك, وأضرمت النيران بباب دارك, ولكن لم يسلبوا لك عيالك وبناتك كما فعلوا بعيال جدّك الحسين عليه السلام , فعندما أضرموا بخيامهنّ النّار فَرَّتْ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في البيداء بلا حامٍ ولا معين, وهنّ يصحن وا محمّداه, وا عليّاه..
يفترّن خوات احسين من خيمة العند خيمه
ينادن وين راحوا وما ظل بالعرب شيمه
كل خيمة تشب ابنار فرّن ضربن الهيمه
والسجاد اجو سحبوه ودمعه على الوجن ساله
سيّدي يا جعفر بن محمّد..لقد كنت تذكر جدّك الحسين عليه السلام في كلّ أحوالك وتحزن لمصابه, وتعلّم الناس كيف يبكون عليه. فما ذُكر الحسين عليه السلام ، عندك في يوم قطّ ورآك أحد من الناس في ذلك اليوم مبتسماً, وكنت تقول: "الحسين عليه السلام عبرة كلّ مؤمن".
كنت تطلب الماء لتشرب فتستعبر عند شربه، وتغرورق عيناك بالدموع وتقول: "..لعن الله قاتل الحسين عليه السلام.."..
لقد كان يدخل عليك الشعراء فتأمرهم برثاء جدّك الحسين عليه السلام:
فلمّا استأذن عليه في إحدى المرّات السيّد الحميريّ رحمه الله, أقعد الإمام عليه السلام ، حرمه خلف ستر، ودخل السيّد فسلّم وجلس فاستنشده, فأنشد قوله:
أُمْرُرْ عَلَى جَدَثِ الْحُسَيْنِ فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّكِيَّهْ
يَا أَعْظُماً لَا زِلْتِ مِنْ وَطْفَاء سَاكِبَةٍ رَوِيَّهْ
فَإِذَا مَرَرْتَ بِقَبْرِهِ فَأَطِلْ بِهِ وَقْفَ الْمَطِيَّهْ
وَابْكِ الْمُطَهَّرَ لِلْمُطَـ ـهَّرِ وَالْمُطَهَّرَةِ النَّقِيَّهْ
كَبُكَاءِ مُعْوِلَةٍ أَتَتْ يَوْماً لِوَاحِدِهَا الْمَنِيَّهْ
قال الراوي: فرأيت دموع جعفر بن محمّد تتحدّر على خدّيه، وارتفع الصراخ والبكاء من داره، حتّى أمره بالإمساك فأمسك..
تَبْكِيْكَ عَيْنِيْ لَا لِأَجْلِ مَثُوْبَةٍ لَكِنَّمَا عَيْنِيْ لِأَجْلِكَ بَاكِيَهْ
تَبْتَلُّ مِنْكُمْ كَرْبَلَا بِدَمٍ وَلَا تَبْتَلُّ مِنِّيْ بِالدُّمُوْعِ الْجَارِيَهْ
*مجالس الأئمة المعصومين2,سلسلة مجالس الأئمة المعصومين, اعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
1- القصيدة للشيخ محمّد سعيد المنصوريّ.
دَمْعاً لِرُزْءِ بْنِ الرَّسُوْلِ الصَّادِقِ
الدِّيْنَ الْحَنِيْفَ وَبَزَّ كُلَّ مُنَافِقِ
مِنْ عُمْرِهِ مِنْ صَاحِبٍ وَمُرَافِقِ
عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْكَثِيْرِ الْمَائِقِ
وَلَوَى أَكُفَّ مُنَاظِرِيْنَ زَنَادِقِ
الْإِلْحَادِ بَيْنَ مُتَابِعٍ وَمُلَاحِقِ
هُدَّتْ بِهِ أَرْكَانُ مَجْدٍ شَاهِقِ
ظُلْماً وَلَمْ يَعْبَأْ بِسُخْطِ الْخَالِقِ
وَالطُّهْرَ فَاطِمَ للسَّلِيْلِ السَّابِقِ
فِيْ صَبْرِهِ طَلَباً لِنَيْلِ حَقَائِقِ1 يَا قَلْبُ، ذُبْ كَمَداً وَيَا عَيْنُ اسْكُبِي
ذَاكَ الَّذِيْ نَشَرَ الْعُلُوْمَ وَأَيَّدَ
لَكِنَّهُ لَمْ يَلْقَ فِيْمَا عَاشَهُ
إِلّا الْقَلِيْلَ وَفِي الْقَلِيْلِ كِفَايَةٌ
أَدَّى رِسَالَتَهُ بِأَكْمَلِ صُوْرَةٍ
أَدَّى بِنَفْسِيْ مَا عَلَيْهِ وَزُمْرَةُ
حَتَّىْ بِسُمِّهِمِ الزُّعَافِ قَضَىْ وَقَدْ
مَاذَا رَأَىْ الْمَنْصُوْرُ مِنْهُ فَسَمَّهُ
أَبْكَىْ النَّبِيَّ الْمُصْطَفَىْ وَوَصِيَّهُ
فِيْ فَضْلِهِ، فِيْ عِلْمِهِ، فِيْ حِلْمِهِ
شعبي:
على الصادق المات اليوم بالسم
ابسمّه آمر اولا خاف ربه
انفطر لمّن گرّب ليه المحتم
ولا ظل واحد الما بكت عينه
الجرح فرگاك أبد ما يصح بلسم على الصادق المات اليوم بالسم
ابسمّه آمر اولا خاف ربه
انفطر لمّن گرّب ليه المحتم
ولا ظل واحد الما بكت عينه
الجرح فرگاك أبد ما يصح بلسم
أبوذيّة:
الما يعترف بسم الله وسمه
ابسقر طاح السعى ابقتله وسمه
اشلون اتجرّع الصادق وسمّه
او عليه تنعى اوتونّ الجعفريّه
"أللهمّ صلِّ على جعفر بن محمّد إمام المسلمين، ووال من والاه, وعاد من عاداه، وضاعف العذاب على من ظلمه".
بعد أن حاول المنصور قتل الإمام الصادق عليه السلام سبع مرّات كما يذكر بعضهم, فتارة يأمر رزام بن مسلم مولى أبي خالد أن يقتل الإمام وهو "سلام الله عليه" في الحِيرة. وأخرى يأمر باغتياله مع ابنه موسى بن جعفر. قال قيس بن الربيع: حدّثني أبي الربيع، قال: دعاني المنصور يوماً قال: أما ترى الذي يبلغني عن هذا الحسينيّ؟ قلت: ومن هو يا سيّدي؟! قال: جعفر بن محمّد، والله لأستأصلنّ شأفته. ثمّ دعا بقائد من قوّاده فقال: انطلق إلى المدينة في ألف رجل، فاهجم على جعفر بن محمّد وخذ رأسه ورأس ابنه موسى بن جعفر في مسيرك..إلى غير ذلك من موارد.
وكان الإمام يدعو بدعاء جدّه الحسين عليه السلام فينجيه الله تعالى, كما أجاب حينما سئل عن سبب نجاته في إحدى المرّات, وهو هذا الدعاء: "أللهمّ يا عدّتي عند شدّتي, يا غوثي عند كربتي, احرسني بعينك التي لا تنام, واكنفني بركنك الذي لا يرام, وارحمني بقدرتك عليّ, فلا أهلك وأنت رجائي, أللهمّ إنّك أكبر وأجلّ وأقدر ممّا أخاف وأحذر, أللهمّ بك أدرأ في نحره, وأستعيذ بك من شرّه إنّك على كلّ شيء قدير".
ولمّا نزل أبو جعفر الدوانيقيّ في "الربذة" وكان الإمام الصادق عليه السلام بها, قال: من يعذرني من جعفر؟ والله لأقتلنّه!
وهكذا, كان دأبه إلى أن مضى الإمام الصادق عليه السلام مسموماً بسمّ دسّه إليه المنصور الدوانيقيّ على يد عامله على المدينة, وكان قد وضعه له في العنب, فتناوله الإمام عليه السلام..وأثّر فيه حتّى صار طريح الفراش, فأخذ يوصي بوصاياه:
عن أبي بصير قال: دخلت على أمّ حميدة أعزّيها بأبي عبد الله الصادق عليه السلام ، فبكت وبكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمّد، لو رأيت أبا عبد الله عليه السلام عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثمّ قال: اجمعوا لي كلّ من بيني وبينه قرابة. قالت: فلم نترك أحداً إلّا جمعناه. قالت: فنظر إليهم ثمّ قال: إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة..
وأوصى أن يُناح عليه سبعة مواسم، فأوقف لكلّ موسمٍ مالاً يُنفق.
وأوصى ولده الإمام الكاظم عليه السلام فقال: يا بنيّ, إذا أنا متّ فلا يغسّلني غيرك, فإنّ الإمام لا يغسّله إلّا إمام..
وفي رواية أنّه دخل عليه بعض أصحابه في مرضه الذي توفّي فيه، وقد ذبل، فلم يبق إلّا رأسه, فبكى، فقال: لأيّ شيء تبكي؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أراك على هذه الحال؟! قال: لا تفعل، فإنّ المؤمن تعرض (عليه) كل خير، إن تُقَطَّعَ أعضاؤه كان خيراً له، وإن ملك ما بين المشرق والمغرب كان خيراً له.
ثمّ عرق جبينه, وسكن أنينه, وقضى نحبه, مسموماً شهيداً..
وا إماماه..وا سيّداه..وا جعفراه..
على المسموم يا قلبي تفطر
او ذوب امن الهظم لاجله او تحسّر
تفطر يا قلب لمصاب جعفر
وانته يا جفن هل دمعتك دم
وقام الإمام الكاظم عليه السلام بتغسيله وتحنيطه وتكفينه, وعيناه تهملان بالدموع حزناً على فراق أبيه, ثمّ صلّى عليه, وشيّعه المسلمون تشييعاً مهيباً, وكان يوماً عظيماً على المسلمين.. ثمّ دفنه عند والده الإمام الباقر عليه السلام في البقيع..
ونظر إليه بعض أصحابه وقد حملوه على سريره إلى البقيع ليدفن هناك, فقال:
أَقُوْلُ وَقَدْ رَاحُوْا بِهِ يَحْمِلُوْنَهُ عَلَى كَاهِلٍ مِنْ حَامِلِيْهِ وَعَاتِقِ
أَتَدْرُوْنَ مَاذَا تَحْمِلُوْنَ عَلَى الثَّرَى ثَبِيْراً ثَوَى مِنْ رَأْسِ عَلْيَاءَ شَاهِقِ
غَدَاةَ حَثَا الْحَاثُوْنَ فَوْقَ ضَرِيْحِهِ تُرَاباً وَأَوْلَىْ كَانَ فَوْقَ الْمَفَارِقِ
وعاد الإمام الكاظم عليه السلام ، إلى بيت أبيه الإمام الصادق عليه السلام ، الذي كان يسكنه, وقام بإشعال السراج هناك..
ابلحده وسّده والقلب مكسور
اونيران الحزن كانونها ايفور
بس احسين جدّه بيوم عاشور
بعد القتل عاري على الترب تم
سيّدي يا جعفر بن محمّد..لقد تحمّلت من ظلم حكّام عصرك الكثير, فقد وجّه أبو جعفر المنصور إلى الحسن بن زيد- وهو واليه على الحرمين- أن أحرق على جعفر بن محمّد داره، فألقى النّار في دار أبي عبد الله عليه السلام ، فأخذت النّار في الباب والدهليز، فخرج أبو عبد الله عليه السلام يتخطّى النّار ويمشي فيها ويقول: أنا ابن أعراق الثرى، أنا ابن إبراهيم خليل الله عليه السلام..
سيّدي يا أبا عبد الله..لقد أرادوا إحراق دارك عليك, وأضرمت النيران بباب دارك, ولكن لم يسلبوا لك عيالك وبناتك كما فعلوا بعيال جدّك الحسين عليه السلام , فعندما أضرموا بخيامهنّ النّار فَرَّتْ بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في البيداء بلا حامٍ ولا معين, وهنّ يصحن وا محمّداه, وا عليّاه..
يفترّن خوات احسين من خيمة العند خيمه
ينادن وين راحوا وما ظل بالعرب شيمه
كل خيمة تشب ابنار فرّن ضربن الهيمه
والسجاد اجو سحبوه ودمعه على الوجن ساله
سيّدي يا جعفر بن محمّد..لقد كنت تذكر جدّك الحسين عليه السلام في كلّ أحوالك وتحزن لمصابه, وتعلّم الناس كيف يبكون عليه. فما ذُكر الحسين عليه السلام ، عندك في يوم قطّ ورآك أحد من الناس في ذلك اليوم مبتسماً, وكنت تقول: "الحسين عليه السلام عبرة كلّ مؤمن".
كنت تطلب الماء لتشرب فتستعبر عند شربه، وتغرورق عيناك بالدموع وتقول: "..لعن الله قاتل الحسين عليه السلام.."..
لقد كان يدخل عليك الشعراء فتأمرهم برثاء جدّك الحسين عليه السلام:
فلمّا استأذن عليه في إحدى المرّات السيّد الحميريّ رحمه الله, أقعد الإمام عليه السلام ، حرمه خلف ستر، ودخل السيّد فسلّم وجلس فاستنشده, فأنشد قوله:
أُمْرُرْ عَلَى جَدَثِ الْحُسَيْنِ فَقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّكِيَّهْ
يَا أَعْظُماً لَا زِلْتِ مِنْ وَطْفَاء سَاكِبَةٍ رَوِيَّهْ
فَإِذَا مَرَرْتَ بِقَبْرِهِ فَأَطِلْ بِهِ وَقْفَ الْمَطِيَّهْ
وَابْكِ الْمُطَهَّرَ لِلْمُطَـ ـهَّرِ وَالْمُطَهَّرَةِ النَّقِيَّهْ
كَبُكَاءِ مُعْوِلَةٍ أَتَتْ يَوْماً لِوَاحِدِهَا الْمَنِيَّهْ
قال الراوي: فرأيت دموع جعفر بن محمّد تتحدّر على خدّيه، وارتفع الصراخ والبكاء من داره، حتّى أمره بالإمساك فأمسك..
تَبْكِيْكَ عَيْنِيْ لَا لِأَجْلِ مَثُوْبَةٍ لَكِنَّمَا عَيْنِيْ لِأَجْلِكَ بَاكِيَهْ
تَبْتَلُّ مِنْكُمْ كَرْبَلَا بِدَمٍ وَلَا تَبْتَلُّ مِنِّيْ بِالدُّمُوْعِ الْجَارِيَهْ
*مجالس الأئمة المعصومين2,سلسلة مجالس الأئمة المعصومين, اعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني
1- القصيدة للشيخ محمّد سعيد المنصوريّ.