حياة الامام الصادق عليه السلام-2
بيان الأحكام وتفسير القرآن وفق ما ورثته مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا النشاط يمكن ملاحظته أيضاً في حياة الإمام الصادق عليه السلام بشكل متميز عما نراه في حياة بقية أئمة ال البيت عليهم السلام، حتى سمي فقه الشيعة باسم "الفقه الجعفري" حتى الذين يغضون الطرف عن النشاط السياسي للإمام الصادق عليه السلام يجمعون على أن الإمام كان يدير أوسع، أو واحدة من أوسع الحوزات الفقهية في زمانه. والذي بقي مستوراً عن أعين أغلب الباحثين في حياة الإمام، هو المفهوم السياسي ومفهوم المواجهة لهذا اللون من نشاطات الإمام، وهذا ما سنتعرض له الان. لابدّ أن نذكر أولاً، أن منصب الخلافة في الإسلام له خصائص متميزة لاجهازاً سياسياً فحسب، بل هي جهاز سياسي ديني، وإطلاق لقب الخليفة على الحاكم الإسلامي يؤيد هذه الحقيقة، فهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما كان يمارسه الرسول من مهام دينية قيادية سياسية في المجتمع. والخليفة في الإسلام يتحمل المسؤوليات السياسية والمسؤوليات الدينية معاً. هذه الحقيقة الثابتة دفعت الخلفاء الذين جاءوا بعد الخلفاء الأولين والذين كانوا ذوي حظ قليل في علوم الدين، أو لم يكن لهم من حظ أصلاً، دفعتهم إلى سدّ هذا النقص عن طريق رجال دين مسخرين لهم. فاستخدموا فقهاء ومفسرين ومحدثين في بلاطهم، ليكون جهازهم الحاكم جامعاً أيضأً للجانبين الديني والسياسي.
والفائدة الأخرى من وجود وعّاظ السلاطين في الجهاز الحاكم، هي أن الحاكم الظالم المستبد كان قادراً متى ما أراد أن يغيّر ويبدّل أحكام الدين وفقاً للمصالح، وكان هؤلاء المأجورون يقومون بهذه العملية إرضاء لأولياء نعمتهم، تحت غطاء من الإستنباط والإجتهاد ينطلي على عامة الناس.
الكتّاب والمؤرخون المتقدمون ذكروا لنا نماذج فظيعة من اختلاف الحديث ومن التفسير بالرأي كانت يد القوة السياسية فيها واضحة، وسنشير إلى جانب منها في أقسام حديثنا التالية. هذا العمل الذي اتخذ غالباً في البداية (حتى أواخر القرن الهجري الأول) شكل وضع رواية أو حديث، راح تدريجياً يأخذ طابع الفتوى: ولذلك نرى في أواخر عصر بني أمية وأوائل عصر بني العباس ظهور فقهاء كثيرين استفادوا من أساليب رجراجة في أصول الإستنباط، ليصدروا الأحكام وفق أذواقهم التي كانت في الواقع أذواق الجهاز الحاكم.
هذه العملية نفسها أنجزت أيضاً في حقل تفسير القران، فالتفسير اتجه غالباً إلى إعطاء مفاهيم عن الإسلام لا تقوم على أساس سوى ذوق المفسر ورأيه المستمد من ذوق الجهاز الحاكم وإرادته.
من هنا انقسمت العلوم الإسلامية: الفقه والحديث والتفسير منذ أقدم العصور الإسلامية إلى تيارين عامين.
التيار الأول: تيار مرتبط بجهاز الحكومة الظالمة الغاصبة، ويتميز بتقديم الحقيقة في موارد متعددة قرباناً على مذبح "المصالح" التي هي في الواقع مصالح الجهاز الحاكم، ويتميز أيضاً بتحريف أحكام الله لقاء دراهم معدودات.
التيار الثاني: التيار الأصيل الأمين الذي لا يرى مصلحة أرفع وأسمى من تبيين الأحكام الإلهية الصحيحة، وكان يصطدم شاء أم أبى في كل خطوة من خطواته بالجهاز الحاكم ووعاظ السلاطين، ولذلك اتجه منذ البدء اتجاهاً شعبياً في إطار من الحيطة والحذر.
انطلاقاً من هذا الفهم نعرف بوضوح أن اختلاف "الفقه الجعفري" مع الفقهاء الرسميين في زمن الإمام الصادق عليه السلام لم يكن اختلافاً فكرياً عقائدياً فحسب، بل كان اختلافاً يستمد وجوده من محتواه الهجومي المعارض أيضاً.
أهم أبعاد هذا المحتوى إثبات خواء الجهاز الحاكم، وفراغه من كل مضمون ديني، وعجزه عن إدارة الشؤون الفكرية للأمة، وبعبارة أخرى، عدم صلاحيته للتصدي لمنصب "الخلافة".
والبعد الاخر تشخيص موارد التحريف في الفقه الرسمي. هذه التحريفات القائمة على أساس فكر "مصلحي" في بيان الأحكام الفقهية ومداهنة الفقهاء للجهاز الحاكم. والإمام الصادق عليه السلام بنشاطه العلمي وتصدّيه لبيان أحكام الفقه والمعارف الإسلامية، وتفسير القران بطريقة تختلف عن طريقة وعاظ السلاطين قد اتخذ عملياً موقف المعارضة تجاه الجهاز الحاكم. الإمام عليه السلام بنشاطه هذا قد يلغي كل الجهاز الديني والفقهي الرسمي الذي يشكّل أحد أضلاع حكومة الخلفاء، ويفرّغ الجهاز الحاكم من محتواه الديني.
ليس بأيدينا سند ثابت يبين التفات الجهاز الأموي إلى هذا المحتوى المعارض لما قام به الإمام الصادق عليه السلام من نشاط علمي فقهي. ولكن أغلب الظن أن الجهاز العباسي وخاصة في زمن المنصور الذي كان يتمتع بحنكة وذكاء وتجربة اكتسبها من صراعه السياسي الطويل مع الحكم الأموي قبل وصوله إلى السلطة، كان يعي المسائل الدقيقة في نشاطات البيت العلوي. وكان الجهاز الحاكم العباسي يفهم الدور الفاعل الذي يستطيع أن يؤديه هذا النشاط العلمي بشكل غير مباشر.
والتهديدات والضغوط والمضايقات التي كانت تحيط بنشاطات الإمام الصادق عليه السلام التعليمية والفقهية من قبل المنصور المنقولة إلينا في روايات تاريخية كثيرة ناتجة من هذا الإلتفات إلى حساسية المسألة. وهكذا اهتمام المنصور بجمع الفقهاء المشهورين في الحجاز والعراق في مقرّ حكومته كما تدل على ذلك النصوص التاريخية العديدة، فإنه ناشئ عن هذا الإلتفات أيضاً.
في حديث الإمام عليه السلام وتعاليمه لأصحابه ومقربيه كان يستند إلى " خواء الخلفاء وجهلهم" ليستدّل على أنهم في نظر الإسلام لا يحق لهم أن يحكموا. ونحن نشهد هذه الصيغة من الهجوم على الجهاز الحاكم بوضوح وصراحة في دروسه الفقهية.
يروى عنه قوله عليه السلام: "نحن قوم فرض الله طاعتنا وأنتم تأتمون بمن لا يُعذر الناس بجهالته"1.
أي إن الناس انحرفوا بسبب جهل حكّامهم وولاة أمورهم، وسلكوا سبيلاً غير سبيل الله، وهؤلاء غير معذورين عند الله. لأن إطاعة هؤلاء الحكام كانت عملاً انحرافياً، فلا يبرّر ما يستتبعها من وقوع من الإنحرافات2.
في تعليمات الأئمة عليه السلام قبل الإمام الصادق وبعده نرى أيضاً تركيزاً على ضرورة اقتران القيادة السياسية بالقيادة الفكرية والأيديولوجية. ففي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن جده الإمام محمد الباقر عليه السلام قال: "إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل أينما دار التابوت دار الملك، (تأمل بدقة المعنى الرمزي في التعبير) وأينما دار السلاح فينا دار العلم.."، وفي رواية أخرى: "حيثما دار السلاح فينا فثمّ الأمر (الحكم)"3.
ويسأل الراوي الإمام عليه السلام: فيكون السلاح مزايلاً (مفارقاً) للعلم؟
قال الإمام عليه السلام: "لا. أي إن قيادة المجتمع المسلم يجب أن تكون في من بيده السلاح والعلم معاً".
الإمام إذن يرى أن علم الدين وفهم القران بشكل صحيح شرط من شروط الإمامة. ومن جهة أخرى فهو بنشاطه العلمي، وجمع عدد غفير من مشتاقي علوم الدين حوله، وتعليمه الدين بشكل يختلف تماماً عن الطريقة المعتادة لدى العلماء والمحدثين والمفسرين المرتبطين بجهاز الخلافة، يثبت عملياً أصالة المحتوى الديني لمدرسته، وزيف الظاهر الديني الذي يتقمّصه جهاز الخلافة ومن لفّ لفّه من علماء بلاطه. وعن هذا الطريق المهاجم المتواصل العميق الهادئ يضفي على جهاده بعداً جديداً.
وكما ذكرنا من قبل، فإن الحكام العباسيين الأوائل الذين قضوا سنين طوالاً قبل تسلّمهم السلطة في نفس أجواء الجهاد العلوي وإلى جانب أنصار العلويين، كانوا على علم بكثير من الخطط والمنعطفات، وكانوا متفهمين لدور الهجوم والمواجهة الذي يؤديه هذا النشاط من الفقه والحديث والتفسير أكثر من أسلافهم الأمويين. وقد يكون هذا السبب هو الذي دفع المنصور العباسي في مواجهاته مع الإمام الصادق عليه السلام أن يمنع الإمام زمناً من الجلوس في حلقات التدريس وعن تردد الناس عليه. حتى أن المفضل بن عمر يقول: "إن المنصور قد كان همّ بقتل أبي عبد الله عليه السلام غير مرة، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله، غير أنه منع الناس عنه ومنعه من القعود للناس، واستقصى عليه أشد الإستقصاء، حتى أنه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم، ولا يصلون إليه فيعتزل الرجل وأهله، فشق ذلك على شيعته وصعب عليهم.."4.
إقامة تنظيم سري إيديولوجي سياسي:
مرّ بنا أن الإمام الصادق عليه السلام قاد في أواخر العصر الأموي شبكة إعلامية واسعة استهدفت الدعوة إلى إمامة الامام علي عليه السلام وتبيين مسألة الإمامة بشكلها الصحيح. وهذه الشبكة نهضت بدور مثمر وملحوظ في أقاصي بقاع العالم الإسلامي، وخاصة في العراق وخراسان لنشر مفاهيم الإمامة.
ونشير هنا إلى جانب صغير من هذه المسألة. مسألة التنظيمات السرية في الحياة السياسية للإمام الصادق عليه السلام وباقي الأئمة من أهم المسائل وأكثرها حساسية، وهي في الوقت نفسه من أغمض فصول حياتهم وأشدّها إبهاماً. وكما ذكرنا، لا يمكن أن نتوقع وجود وثائق صريحة في هذا المجال، حيث لا يمكن أن نتوقع من الإمام أو أحد أصحابه أن يعترف صراحة بوجود هذه التنظيمات السياسية، الفكرية.
فهذا مما لا يمكن الكشف عنه، الشيء المعقول هو أن الإمام ينفي بشدّة وجود مثل هذا التنظيم السري، وهكذا أصحابه، ويعتبرون ذلك تهمة وسوء ظن فيما لو تعرّضوا لاستجواب جهاز السلطة. هذه هي خاصية العمل السري، والباحث في حياة الأئمة‘ أيضاً من حقّه أن لا يقتنع بوجود مثل هذا التنظيم دون دليل مقنع. إذن فلا بدّ أن نبحث عن القرائن والشواهد والحوادث التي تبدو بسيطة لا تلفت نظر المطالع العادي، لنبحث عن دلالاتها في هذا المجال. وبهذا اللون من التدقيق في حياة الأئمة عليه السلام خلال قرنين ونصف القرن من حياتهم يستطيع الباحث أن يطمئن إلى وجود مثل هذه التنظيمات التي تعمل تحت قيادة الأئمة عليه السلام.
ما المقصود بالتنظيم؟ ليس المقصود به طبعاً حزباً منظماً بالمفهوم المعروف اليوم، ولا يعني وجود كوادر منظمة ذات قيادات إقليمية مرتبطة ارتباطاً هرمياً، فلم يكن شيء من هذا موجوداً ولا يمكن أن يوجد. المقصود بالتنظيم وجود جماعة بشرية ذات هدف مشترك تقوم بنشاطات متنوعة تتجه نحو الهدف، وترتبط بمركز واحد وقلب نابض وواحد ودماغ مفكر واحد، وتسود بين أفرادها روابط عاطفية مشتركة.
هذه الجماعة كانت في زمن الإمام علي عليه السلام (أي خلال السنوات الخمس والعشرين بين وفاة الرسول الأكرم وبيعته للخلافة) وكان يجمعها الإيمان بأحقية الإمام علي عليه السلام في الخلافة، وكانت تعلن وفاءها الفكري والسياسي للإمام، غير أنها كانت تحذو حذو الإمام علي عليه السلام في عدم إثارة ما يزلزل المجتمع الإسلامي الوليد، كما كانت تنهض بما كان ينهض به الإمام علي عليه السلام في تلك السنوات من مهام رسالية تستهدف صيانة الإسلام ونشره. ومحاولة الحدّ من الإنحرافات واتخذت لولائها هذااسم "شيعة علي" ومن وجوههم المشهورة: سلمان وعمار وأبو ذر وأبي بن كعب والمقداد وحذيفة وغيرهم من الصحابة الأجلاء.
ولدينا ثوابت تاريخية تثبت أن هؤلاء كانوا يشيعون بين الناس فكرهم بشأن إمامة علي عليه السلام بشكل حكيم، وعملهم هذا كان مقدمة لالتفاف الناس حول الإمام وإقامة الحكم العلوي.
بعد أن استلم الإمام علي عليه السلام مقاليد الأمور سنة 53 هجرية، كان حول الإمام علي صنفان من الناس: صنف عرف الإمام ومكانته وفهم معنى الإمامة وامن بها، وهم شيعته الذين تربّوا على يد الإمام بشكل مباشر أو غير مباشر. وعامة الناس الذين عاشوا أجواء تربية الإمام ونهجه ولكنهم لم يكونوا مرتبطين فكرياً وروحياً بالجماعة التي ربّاها الإمام تربية خاصة.
ولذلك نجد بين أتباع الإمام صنفين من الأفراد بينهما تفاوت كبير: صنف يضم عماراً ومالكاً الأشتر وحجر بن عدي وسهل بن حنيف وقيس بن سعد وأمثالهم، وصنف من مثل أبي موسى الأشعري وزياد بن أبيه ونظرائهم.
بعد حادثة صلح الإمام الحسن عليه السلام كانت الخطوة الهامة التي اتخذها الإمام نشر فكر مدرسة أهل البيت، ولمّ شتات الموالين لهذا الفكر، إذ أتيحت الفرصة لحركة أوسع بسبب اضطهاد السلطة الأموية. وهكذا كان دائماً، فالإضطهاد يؤدي إلى انسجام القوى المضطهدة وتلاحمها وتجذّرها بدل تبعثرها وتشتتها. واتجهت استراتيجية الإمام الحسين عليه السلام إلى تجميع القوى الأصيلة الموالية، وحفظها من بطش الجهاز الأموي، ونشر الفكر الإسلامي الأصيل في دائرة محدودة، ولكن بشكل عميق، وكسب الأفراد إلى صفوف الموالين، وانتظار الفرصة المؤاتية للثورة على النظام وتفجير أركانه، وإحلال الحكم العلوي مكانه.. وهذه الإستراتيجية في العمل هي التي جعلت الإمام الحسن عليه السلام أمام خيار واحد وهو الصلح.
ومن هنا نرى أن جمعاً من الشيعة برئاسة المسيب بن نجية وسليمان بن صرد الخزاعي يقدمون على الإمام الحسن عليه السلام بعد حادثة الصلح في المدينة، حيث اتخذها الإمام قاعدة لعمله الفكري والسياسي بعد عودته من الكوفة، ويقترحون عليه إعادة قواهم وتنظيماتهم العسكرية والإستيلاء على الكوفة والإشتباك مع جيش الشام، والإمام يستدعي هذين الإثنين من بين الجمع، ويختلي بهما ويحدثهما بحديث لا نعرف فحواه، يخرجان بعده بقناعة تامة بعدم جدوى هذه الخطة. وحين يعود الإثنان إلى من جاء معهما يفهمانهم باقتضاب أن الثورة المسلحة مرفوضة، ولا بد من العودة إلى الكوفة لاستئناف نشاط جديد فيها5.
هذه حادثة مهمة لها دلالات كبيرة حدث ببعض المؤرخين المعاصرين إلى اعتبار ذلك المجلس الحجر الأساس في إقامة التنظيم الشيعي.
والواقع أن الخطوة الأولى لإقامة التنظيم الشيعي لو كانت حقاً قد اتخذت في ذلك اللقاء بين الإمام الحسن عليه السلام والرجلين القادمين من العراق، فإن مثل هذه الخطوة قد أوصى بها الإمام علي عليه السلام من قبل حين أوصى المقرّبين من أصحابه بقوله: "لو قد فقدتموني لرأيتم بعدي أشياء يتمنّى أحدكم الموت مما يرى من الجور والعدوان والأثرة والإستخفاف بحق الله والخوف على نفسه. فإذا كان ذلك:
فاعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا...
وعليكم بالصبر والصلاة.
والتقية.
واعلموا أن الله عز وجل يبغض من عباده (التلّون) لا تزولوا عن (الحق وأهله) فإن من استبدل بنا هلك وفاتته الدنيا وخرج منها اثماً"6.
هذا النص الذي يرسم بوضوح الوضع المأساوي في العصر الأموي، ويوجه المؤمنين إلى التلاحم والتعاضد والتنسيق والإنسجام يعتبر أروع وثيقة من وثائق الجهاز التنظيمي في حركة ال البيت عليه السلام. وهذا المشروع التنظيمي يتبلور في شكله العملي في اللقاء بين الإمام الحسن عليه السلام واثنين من الشيعة الخلّص. ومما لا شك فيه أن اتباع أهل البيت‘ لم يكونوا جميعاً مطّلعين على هذا المشروع الدقيق. ولعل هذا يبرّر ما كان يصدر من بعض صحابة الإمام الحسن عليه السلام من اعتراض وانتقاد. وكان المعترضون يواجهون قول الإمام الذي مضمونه: ".. من يدري، لعله اختبار لكم ونفعٌ زائلٌ لأعدائكم..".
وفي هذه الإجابة إشارة خفية إلى سياسة الإمام وتدبيره7.
خلال الأعوام العشرين من حكومة معاوية بكل ما أحاط فيها البيت العلوي من إعلام مكثّف مضاد، بلغ درجة لعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على منابر المسلمين، وبكل ما شهدتها من انسحاب الإمامين الحسن والحسين عليه السلام من ساحة النشاط العلني المشهود، لا نرى سبباً في انتشار فكر أهل البيت عليهم السلام واتساع القاعدة الشيعية في الحجاز والعراق سوى وجود هذا التنظيم.
ولنلق نظرة على الساحة الفكرية في هذه المناطق بعد العشرين عاماً من صلح الإمام الحسن عليه السلام.
في الكوفة نرى رجال الشيعة من أبرز الوجوه وأشهرها. وفي مكة والمدينة بل وفي المناطق النائية نرى أتباع أهل البيت مثل حلقات مترابطة يعرف بعضها ما يلّم بالبعض الاخر.
حين يستشهد بعد أعوام أحد رجال الشيعة وهو "حجر بن عدي" ترتفع أصوات الإعتراض في مناطق عديدة من البلاد الإسلامية، على رغم الإرهاب المفروض على كل مكان، ويبلغ الحزن والأسى بشخصية معروفة في خراسان أن يموت كمداً بعد إعلان الإعتراض الغاضب8.
وبعد موت معاوية ترد على الإمام الحسين عليه السلام الاف الرسائل تدعوه أن يأتي إلى الكوفة لقيادة الثورة. وبعد استشهاد الإمام يلتحق عشرات الالاف بمجموعة "التوّابين"، أو ينخرطون في جيش المختار وإبراهيم بن مالك ضد الحكم الأموي.
ومن حق الباحث في التاريخ الإسلامي أن يسأل عن العوامل الكامنة وراء شيوع هذا الفكر والتحرّك الموالي لال البيت عليهم السلام. هل يمكن أن يتم دون وجود نشاط مكثّف محسوب منظّم متحد في الخطة والهدف؟!
الجواب: لا طبعاً، فالإعلام الهائل، الذي وجهته السلطة الأموية عن طريق مئات القضاة والولاة والخطباء، لا يمكن إحباطه وإفشاله دون إعلام مضاد مخطط مرسوم، ينهض به تنظيم منسجم موحَّد غير مكشوف. وقبيل وفاة معاوية تزايد نشاط هذا الجهاز العلوي المنظّم وتصاعدت سرعة عمله، حتى أن والي المدينة يكتب إلى معاوية ما مضمونه: "أما بعد، فإن عمر بن عثمان عين والي المدينة على الحسين عليه السلام أخبرنا بأن رجلاً من العراق وبعض شخصيات الحجاز يترددون على الحسين بن علي، وتدور بينهم أحاديث حول رفع راية التمرّد والعصيان.. فاكتبوا لنا ماذا ترون"9.
بعد واقعة كربلاء، وشهادة الإمام الحسين عليه السلام تضاعف النشاط التنظيمي لشيعة العراق على أثر الصدمة النفسية التي أصيبوا بها في مقتل الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته في كربلاء، وكان هذا التحرك، مؤطّراً بالألم والحسرة والأسف.
يقول الطبري فلم يزل القوم في جمع الة الحرب والإستعداد للقتال ودعاء الناس في السرّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين فكان يجيبهم القوم بعد القوم والثغر بعد الثغر، فلم يزالوا كذلك حتى مات يزيد بن معاوية10.
وحقاً ما تقوله مؤلّفة جهاد الشيعة إذ تعلّق على قول الطبري بالقول: وظهرت جماعة الشيعة بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام كجماعة منظمة، تربطها روابط سياسية واراء دينية، لها اجتماعاتها وزعمائها، ثم لها قواتها العسكرية، وكانت جماعة "التوابين" أول مظهر لذلك كله11.
ويبدو من دراسة أحداث التاريخ ورأي المؤرخين في تلك البرهة الزمنية، أن الشيعة كانوا يتولّون مسؤولية القيادة والتخطيط، أما القاعدة العريضة الساخطة على بني أمية، فكانت أوسع من المجموعة الشيعية المنظمة، وكانت هذه القاعدة تنضمّ إلى كل حركة ذات صبغة شيعية.
من هنا فإن المتحركين ضد بني أمية، وإن رفعوا شعارات شيعية، لا ينبغي أن نتصورهم جميعاً بأنهم في عداد الشيعة، أي في عداد الجهاز التنظيمي لأئمة أهل البيت عليهم السلام.
انطلاقاً مما سبق، أودّ التأكيد على أن اسم الشيعة بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام أطلقت فقط على المجموعة التي كانت لها علاقة وثيقة بالإمام الحق، تماماً كما كان الحال في زمن أمير المؤمنين عليه السلام.
هذه المجموعة هي التي عمدت بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام إلى تأسيس التنظيم الشيعي بأمر الإمام، وهي التي نشطت في كسب الأفراد إلى التنظيم ودفع أفراد أكثر، لم يرتفعوا في الفكر والنضج العملي إلى مستوى الإنخراط في التنظيم نحو التيار العام للحركة الشيعية.
والرواية التي أوردناها عن الإمام الصادق عليه السلام في بداية هذا الحديث، والتي تذكر أن عدد المؤمنين بعد حادثة عاشوراء لم يتجاوز الثلاثة أو الخمسة، إنما تقصد أفراد المؤمنين بعد حادثة عاشوراء لم يتجاوز الثلاثة لهم الدور الرائد الواعي في مسيرة حركة التكامل الثورية العلوية.
وعلى أثر النشاط المتستر الهادئ الذي قام به الإمام السجاد عليه السلام توسعت قاعدة هذه المجموعة، وإلى هذا يشير الإمام الصادق عليه السلام في الرواية المذكورة: "ثم لحق الناس وكثروا". وسنرى أن عصر الإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الصادق عليه السلام شهد تحرّك هذا الجمع تحركاً أثار الرعب والفزع في قلوب الحكام والظالمين، ودفع هؤلاء الحكام إلى ردود فعل قاسية.
وبعبارة موجزة، فإن اسم الشيعة في القرنين الأول والثاني الهجريين وفي زمن الأئمة‘ ما كان يُطلق على الذين يحبّون ال بيت النبي عليه السلام أو المؤمنين بحقهم وبصدق دعوتهم فقط، من دون اشتراك في مسيرتهم الحركية. بل أن الشيعة كانوا يتميزون بشرط أساسي وحتمي، وهو عبارة عن الإرتباط الفكري والعملي بالإمام، والإشتراك في النشاط الفكري والسياسي، بل والعسكري الذي يقوده لإعادة الحق إلى نصابه، وإقامة النظام العلوي الإسلامي. هذا الإرتباط هو نفسه الذي يطلق عليه في قاموس التشيع اسم "الولاية".
جماعة الشيعة كانت تطلق في الواقع على أعضاء حزب الإمام.. هذا الحزب الذي كان يتحرك بقيادة الإمام عليه السلام، وكان يتخذ من الإستتار والتقية خندقاً له مثل كل الأحزاب والتنظيمات المضطهدة التي تعيش في جو الإرهاب. هذه خلاصة النظرة الواقعية لحياة الأئمة عليه السلام وخاصة الإمام الصادق عليه السلام، وكما ذكرنا من قبل لا يمكن أن يكون لمثل هذه المسألة دلائل صريحة، إذ لا يمكن أن نتوقع من بيت سرّي أن يحمل لافتة تقول: "هذا بيت سرّي"! وكذلك لا يمكن أن نطمئن إلى النتيجة دون قرائن حاسمة.
من هنا ينبغي أن نتتبع القرائن والشواهد والإشارات.
من العبارات العميقة التي تلفت نظر الباحث المدقق في الروايات المرتبطة بحياة الأئمة عليه السلام، أو في كلام مؤلّفي القرون الإسلامية الأولى، عبارة "باب" و"وكيل" و"صاحب السر" وهي عبارات تطلق على بعض أصحاب الأئمة. فمثلاً، يقول ابن شهر اشوب المحدث الشيعي الشهير في سيرة الإمام السجاد عليه السلام: "وكان بابه يحيى بن أم الطويل" وفي سيرة الإمام الباقر عليه السلام يقول: "وكان بابه جابر بن يزيد الجعفي". وفي ترجمة الإمام الصادق عليه السلام يقول: "وكان بابه محمد بن سنان". وفي "رجال الكشي" ترد حول زرارة وبريد ومحمد بن مسلم وأبي بصير عبارة: "مستودع سرّي".
وفي كتب الحديث تروى عن الإمام الصادق عليه السلام عبارة "وكيل" بشأن المعلّى بن خنيس. وكل واحد من هذه التعبيرات، إن لم تكن صادرة عن الإمام، فإنها دون شك حصيلة دراسة موسعة في حياة الأئمة، نهض بها المؤلفون الشيعة القدامى. واختيار هذه التعبيرات العميقة على أي حال ينطلق من معالم بارزة في حياة أئمة أهل البيت عليهم السلام. ولو تأملنا في هذه التعبيرات لألفينا إن كل واحد منها يدل على وجود جهاز فعّال مستتر وراء النشاط الظاهري للأئمة عليه السلام.
مستودع السر:
إذا لم يكن لأحدٍ "سرٌ" فليس له مستودع سر. فما هو هذا السر في حياة الأئمة؟ ما هذا الذي لا يتحمله أصحاب الأئمة عامة، بل ثمة نفر معدود له لياقة وصلاحية تحملّه، وبذلك نال شرف اسم "مستودع السر"؟!
ولقد راحت الذهنية المتأخرة البعيدة عن واقع الأحداث وتمحيصها تفسّر هذا السر بأنه " سر الإمامة". كما راحت تفسّر سرّ الإمامة بأنه الأسرار الغيبية والقدرة على الخوارق والمعاجز.
أنا أؤمن بقدرة هذه الصفوة المقدسة من أهل البيت، الذين اختارهم الله لمواصلة مهمة حمل الرسالة وتبليغها بعد رسول الله، أن يحملوا مثل هذه القدرة ومثل هذه العلوم، كما أؤمن بأن تحلّيهم بهذه القوى والعلوم لا يتنافى أصلاً مع نظرة الإسلام إلى الإنسان والنواميس الطبيعية وسنن الكون. ولكن هذه القوى والعلوم ليست هي "سر الإمام". فمثل هذه القوى والعلوم أوضح دليل على الإمامة وعلى صدق دعوى الإمام. لماذا يكتم الإمام هذه الأمور ويوصي أصحابه بكتمانها في روايات كثيرة، تضافرت حتى أصبحت الكتب الحديثية الشيعية تتضمن باباً يحمل عنوان: "باب الكتمان"12؟ لا بدّ أن يكون هذا السر مما لو شاع لشكل خطراً كبيراً على الإمام وأصحابه، وهذا شيء غير الغيبيات والخوارق.
هل السرّ هو معارف أهل البيت؟ هل هو رؤية مدرسة أهل البيت للإسلام وفقهها وأحكامها؟ لا ننكر أن معارف مدرسة أهل البيت كانت تنشر في عصر الإضطهاد الأموي والعباسي وفق منهج الحكمة والتدبير، لكي لا يخوض فيها كلّ من هبّ ودبّ. ولكن هذه المعارف لا يمكن أن تكون هي سرّ الإمام. فمع كل ما أحاط بهذه المعارف من اختصاص، كانت تدرس في مئات الحوزات الفقهية والحديثية في عدد من كبريات مدن الصقع الإسلامي انذاك، كان الشيعة يتناقلون هذه المعارف ويشرحونها ويتداولونها. بعبارة أخرى كانت هذه المعارف خاصة لا سرية.
واختصاصها يعني أن رواجها كان محدوداً بالدائرة الشيعية، لكنها كانت تصل إلى غير الشيعة أيضاً في ظروف خاصة. لم تكن أبداً محدودة بأفراد معدودين من أصحاب الأئمة وخافية على غيرهم.
الحق أن الأسرار هي ما يتعلق بالمعلومات المرتبطة بالجهاز التنظيمي للإمام.. بالجهاز الذي يخوض معتركاً سياسياً باتجاه هدف ثوري.. بالتكتيك الذي ينتهجه الجهاز.. بالعمليات التي ينفذها.. بأسماء ومهام أعضاء الجهاز.. بمصادر التمويل.. بالأخبار والتقارير المتعلّقة بالأحداث الهامة.. هذه وأمثالها من الأسرار التي لا يجوز أن يطلّع عليها سوى القائد والكوادر المسؤولة. ربما تحين الظروف المناسبة عاجلاً أم اجلاً لإعلان هذه الأسرار وكشفها، ولكن قبل أن تحين تلك الظروف لا يمكن أن يطلع على هذه الأسرار سوى من يرتبط عمله مباشرة بها، وهم "مستودع السر". وكل تسريب لهذه المعلومات إلى أوساط الشيعة فإنه يفتح ثغرة تسرّبها إلى الأعداء، وهو خطأ كبير لا يغتفر، خطأ قد يؤدي إلى انهدام الجهود والأعمال والمجموعة المنتظمة. ومن هنا نفهم ما يعنيه الإمام عليه السلام إذ يقول: "ليس الناصب لنا حرباً بأعظم مؤنة علينا من المذيع علينا سرّنا. فمن أذاع سرّنا إلى غير أهله لم يفارق الدنيا حتى يعضه السلاح"13.
الباب والوكيل:
في الإرتباطات السرية بين الإمام عليه السلام و الشيعة قد يتطلب الأمر إيصال بعض المعلومات إلى الشيعة عن طريق "واسطة"، وهذا تدبير معقول وطبيعي. العيون المتلصصة على كشف ارتباطات الإمام عليه السلام تترصّد التقاءاته بأتباعه في موسم الحج في مكة والمدينة حين تؤمها القوافل من أقاصي العالم، وقد يؤدي رصد هذه اللقاءات إلى اكتشاف خيوط الجهاز المركزي لتنظيم الإمام، لذلك نرى أن الإمام عليه السلام كان يُبعد عنه بعض الأفراد بلهجة لينة أحياناً. ومعاتبة تارة أخرى. يقول لسفيان الثوري مثلاً: "أنت رجلٌ مطلوب وللسلطان علينا عيون فاخرج عنا غير مطرود"14.
ويترحّم الإمام عليه السلام على شخص صادفه في الطريق وأعرض بوجهه عنه، ويذم شخصاً اخر راه في ظروف مشابهة فسلّم عليه باحترام وإجلال15.
مثل هذه الظروف تستلزم وجود فرد يكون واسطة بين الإمام عليه السلام وبين من يحتاج إلى معلومات تصل إليه من الإمام، وهذا الواسطة هو "الباب". ويجب أن يكون من أخلص أتباع الإمام، وأقربهم إليه، وأغناهم بالمعلومات والخطط. يجب أن يكون مثل "نحلة" إذا عرفت الحشرات المضّرة ما تحملّه من عسل قطّعتها وأغارت على شهدها16. وليس صدفة أن نرى تعرّض هؤلاء "الأبواب" غالباً للمطاردة وأقسى ألوان البطش والتنكيل.
إن يحيى بن أم الطويل "باب" الإمام السجاد عليه السلام يُقتل بشكل شنيع17. وجابر بن يزيد الجعفي باب الإمام الباقر عليه السلام يتظاهر بالجنون ويشيع عنه ذلك فينجّيه من القتل الذي صدر الأمر به من الخليفة قبل أيام من اشتهار جنونه. ومحمد بن سنان، باب الإمام الصادق عليه السلام يتعرّض لطرد ظاهري من الإمام رغم أن الإمام أبدى رضاه عنه في مواضع أخرى وأثنى عليه، وما ذلك إلاّ لتعرض محمد بن سنان لمثل هذه الأخطار. كما أن إعلان الإمام براءته من راوٍ معروف مشهور حظي بإعلان رضا الإمام عليه السلام مراراً يعود على الأقوى إلى تكتيك تنظيمي.
مثل هذا المصير يواجهه "الوكيل" أيضاً. مسؤول جمع الأموال المرتبطة بالإمام وتوزيعها، يملك أيضاً كثيراً من الأسرار وأقلّها أسماء الدافعين والقابضين، وليست هذه المعلومات بالتي يستهين بها أعداء الإمام، وأفضل دليل على ذلك مصير المعلّى بن خنيس وكيل الإمام الصادق عليه السلام في المدينة، وتعبيرات الإمام القائمة على أساس التقية بشأن المفضّل بن عمر وكيل الإمام في الكوفة.
هذه العناوين الثلاثة (الباب، الوكيل، صاحب السر) التي نجد مصاديقها في وجوه بارزة من رجال الشيعة تلقي ظلالاً على واقع الشيعة وارتباطهم بالإمام والحركة التنظيمية الشيعية.
يمكننا بهذه النظرة أن نفهم الشيعة بأنهم مجموعة من العناصر المنسجمة الهادفة النشطة المتمركزة حول محور مقدس يشعّ بتعاليمه وأوامره على القاعدة، والقاعدة ترتبط به وتنقل إليه المعلومات وتضبط مشاعرنا وتسيطر على عواطفها بتوصياته الحكيمة، وتلتزم التزاماً دينياً بأساليب العمل السرّي، مثل حفظ الأسرار، وقلّة الكلام، والابتعاد عن الأضواء والتعاون الجماعي والزهد الثوري.
* الحياة السياسية لأئمة أهل البيت عليهم السلام, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الكافي، ج1، ص186، ح3.
2- الكافي، ج1، ص238.
3- الكافي، ج1، ص238.
4- المناقب، باب شهر اشوب، ص238، ط. بيروت.
5- المعنى نفسه جاء في كتاب الشيخ راضي ياسين صلح الإمام الحسن عليه السلام 32 31، بيروت.
6- تحف العقول، ص115، ط2.
7- هذا الوضع يمكن مقارنته وتشبيهه إلى حد ما بوضع المجتمعات المعاصرة التي تحكمها الأنظمة الحزبية.
8- مات الربيع بن زياد الحارثي غماً لمقتل حجر، وذكر ذلك ابن الأثير في الكامل، ج3، ص195، وكان سبب موته أنه سخط قتل حجر بن عدي.. وذكر ذلك في الإستيعاب، وأسد الغاب، والدرجات الرفيعة وغيرها. صلح الحسن عليه السلام 338.
9- ثورة الحسين، ص18، نقلاً عن أعيان الشيعة والأخبار الطوال.
10- الطبري، ج7، ص46، نقلاً عن د. سميرة مختار الليثي جهاد الشيعة، ص28.
11- د. سميرة الليثي (جهاد الشيعة، ص27).
12- رجال الكشي، ص380، ط. مصطفوي.
13- رجال الكشي، ص380، ط. مصطفوي.
14- مناقب ابن شهر اشوب، ج4، ص248.
15- الكافي، ج2، ص219.
16- هذا التعبير مقتبس من أحد نصوص الإمام عليه السلام .
17- قطعت رجله وهو حي ثم قتل. للتعرف على هذه الشخصية الكبيرة راجع: رجال الكشي وسائر كتب الرجال.
بيان الأحكام وتفسير القرآن وفق ما ورثته مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا النشاط يمكن ملاحظته أيضاً في حياة الإمام الصادق عليه السلام بشكل متميز عما نراه في حياة بقية أئمة ال البيت عليهم السلام، حتى سمي فقه الشيعة باسم "الفقه الجعفري" حتى الذين يغضون الطرف عن النشاط السياسي للإمام الصادق عليه السلام يجمعون على أن الإمام كان يدير أوسع، أو واحدة من أوسع الحوزات الفقهية في زمانه. والذي بقي مستوراً عن أعين أغلب الباحثين في حياة الإمام، هو المفهوم السياسي ومفهوم المواجهة لهذا اللون من نشاطات الإمام، وهذا ما سنتعرض له الان. لابدّ أن نذكر أولاً، أن منصب الخلافة في الإسلام له خصائص متميزة لاجهازاً سياسياً فحسب، بل هي جهاز سياسي ديني، وإطلاق لقب الخليفة على الحاكم الإسلامي يؤيد هذه الحقيقة، فهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل ما كان يمارسه الرسول من مهام دينية قيادية سياسية في المجتمع. والخليفة في الإسلام يتحمل المسؤوليات السياسية والمسؤوليات الدينية معاً. هذه الحقيقة الثابتة دفعت الخلفاء الذين جاءوا بعد الخلفاء الأولين والذين كانوا ذوي حظ قليل في علوم الدين، أو لم يكن لهم من حظ أصلاً، دفعتهم إلى سدّ هذا النقص عن طريق رجال دين مسخرين لهم. فاستخدموا فقهاء ومفسرين ومحدثين في بلاطهم، ليكون جهازهم الحاكم جامعاً أيضأً للجانبين الديني والسياسي.
والفائدة الأخرى من وجود وعّاظ السلاطين في الجهاز الحاكم، هي أن الحاكم الظالم المستبد كان قادراً متى ما أراد أن يغيّر ويبدّل أحكام الدين وفقاً للمصالح، وكان هؤلاء المأجورون يقومون بهذه العملية إرضاء لأولياء نعمتهم، تحت غطاء من الإستنباط والإجتهاد ينطلي على عامة الناس.
الكتّاب والمؤرخون المتقدمون ذكروا لنا نماذج فظيعة من اختلاف الحديث ومن التفسير بالرأي كانت يد القوة السياسية فيها واضحة، وسنشير إلى جانب منها في أقسام حديثنا التالية. هذا العمل الذي اتخذ غالباً في البداية (حتى أواخر القرن الهجري الأول) شكل وضع رواية أو حديث، راح تدريجياً يأخذ طابع الفتوى: ولذلك نرى في أواخر عصر بني أمية وأوائل عصر بني العباس ظهور فقهاء كثيرين استفادوا من أساليب رجراجة في أصول الإستنباط، ليصدروا الأحكام وفق أذواقهم التي كانت في الواقع أذواق الجهاز الحاكم.
هذه العملية نفسها أنجزت أيضاً في حقل تفسير القران، فالتفسير اتجه غالباً إلى إعطاء مفاهيم عن الإسلام لا تقوم على أساس سوى ذوق المفسر ورأيه المستمد من ذوق الجهاز الحاكم وإرادته.
من هنا انقسمت العلوم الإسلامية: الفقه والحديث والتفسير منذ أقدم العصور الإسلامية إلى تيارين عامين.
التيار الأول: تيار مرتبط بجهاز الحكومة الظالمة الغاصبة، ويتميز بتقديم الحقيقة في موارد متعددة قرباناً على مذبح "المصالح" التي هي في الواقع مصالح الجهاز الحاكم، ويتميز أيضاً بتحريف أحكام الله لقاء دراهم معدودات.
التيار الثاني: التيار الأصيل الأمين الذي لا يرى مصلحة أرفع وأسمى من تبيين الأحكام الإلهية الصحيحة، وكان يصطدم شاء أم أبى في كل خطوة من خطواته بالجهاز الحاكم ووعاظ السلاطين، ولذلك اتجه منذ البدء اتجاهاً شعبياً في إطار من الحيطة والحذر.
انطلاقاً من هذا الفهم نعرف بوضوح أن اختلاف "الفقه الجعفري" مع الفقهاء الرسميين في زمن الإمام الصادق عليه السلام لم يكن اختلافاً فكرياً عقائدياً فحسب، بل كان اختلافاً يستمد وجوده من محتواه الهجومي المعارض أيضاً.
أهم أبعاد هذا المحتوى إثبات خواء الجهاز الحاكم، وفراغه من كل مضمون ديني، وعجزه عن إدارة الشؤون الفكرية للأمة، وبعبارة أخرى، عدم صلاحيته للتصدي لمنصب "الخلافة".
والبعد الاخر تشخيص موارد التحريف في الفقه الرسمي. هذه التحريفات القائمة على أساس فكر "مصلحي" في بيان الأحكام الفقهية ومداهنة الفقهاء للجهاز الحاكم. والإمام الصادق عليه السلام بنشاطه العلمي وتصدّيه لبيان أحكام الفقه والمعارف الإسلامية، وتفسير القران بطريقة تختلف عن طريقة وعاظ السلاطين قد اتخذ عملياً موقف المعارضة تجاه الجهاز الحاكم. الإمام عليه السلام بنشاطه هذا قد يلغي كل الجهاز الديني والفقهي الرسمي الذي يشكّل أحد أضلاع حكومة الخلفاء، ويفرّغ الجهاز الحاكم من محتواه الديني.
ليس بأيدينا سند ثابت يبين التفات الجهاز الأموي إلى هذا المحتوى المعارض لما قام به الإمام الصادق عليه السلام من نشاط علمي فقهي. ولكن أغلب الظن أن الجهاز العباسي وخاصة في زمن المنصور الذي كان يتمتع بحنكة وذكاء وتجربة اكتسبها من صراعه السياسي الطويل مع الحكم الأموي قبل وصوله إلى السلطة، كان يعي المسائل الدقيقة في نشاطات البيت العلوي. وكان الجهاز الحاكم العباسي يفهم الدور الفاعل الذي يستطيع أن يؤديه هذا النشاط العلمي بشكل غير مباشر.
والتهديدات والضغوط والمضايقات التي كانت تحيط بنشاطات الإمام الصادق عليه السلام التعليمية والفقهية من قبل المنصور المنقولة إلينا في روايات تاريخية كثيرة ناتجة من هذا الإلتفات إلى حساسية المسألة. وهكذا اهتمام المنصور بجمع الفقهاء المشهورين في الحجاز والعراق في مقرّ حكومته كما تدل على ذلك النصوص التاريخية العديدة، فإنه ناشئ عن هذا الإلتفات أيضاً.
في حديث الإمام عليه السلام وتعاليمه لأصحابه ومقربيه كان يستند إلى " خواء الخلفاء وجهلهم" ليستدّل على أنهم في نظر الإسلام لا يحق لهم أن يحكموا. ونحن نشهد هذه الصيغة من الهجوم على الجهاز الحاكم بوضوح وصراحة في دروسه الفقهية.
يروى عنه قوله عليه السلام: "نحن قوم فرض الله طاعتنا وأنتم تأتمون بمن لا يُعذر الناس بجهالته"1.
أي إن الناس انحرفوا بسبب جهل حكّامهم وولاة أمورهم، وسلكوا سبيلاً غير سبيل الله، وهؤلاء غير معذورين عند الله. لأن إطاعة هؤلاء الحكام كانت عملاً انحرافياً، فلا يبرّر ما يستتبعها من وقوع من الإنحرافات2.
في تعليمات الأئمة عليه السلام قبل الإمام الصادق وبعده نرى أيضاً تركيزاً على ضرورة اقتران القيادة السياسية بالقيادة الفكرية والأيديولوجية. ففي رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن جده الإمام محمد الباقر عليه السلام قال: "إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل أينما دار التابوت دار الملك، (تأمل بدقة المعنى الرمزي في التعبير) وأينما دار السلاح فينا دار العلم.."، وفي رواية أخرى: "حيثما دار السلاح فينا فثمّ الأمر (الحكم)"3.
ويسأل الراوي الإمام عليه السلام: فيكون السلاح مزايلاً (مفارقاً) للعلم؟
قال الإمام عليه السلام: "لا. أي إن قيادة المجتمع المسلم يجب أن تكون في من بيده السلاح والعلم معاً".
الإمام إذن يرى أن علم الدين وفهم القران بشكل صحيح شرط من شروط الإمامة. ومن جهة أخرى فهو بنشاطه العلمي، وجمع عدد غفير من مشتاقي علوم الدين حوله، وتعليمه الدين بشكل يختلف تماماً عن الطريقة المعتادة لدى العلماء والمحدثين والمفسرين المرتبطين بجهاز الخلافة، يثبت عملياً أصالة المحتوى الديني لمدرسته، وزيف الظاهر الديني الذي يتقمّصه جهاز الخلافة ومن لفّ لفّه من علماء بلاطه. وعن هذا الطريق المهاجم المتواصل العميق الهادئ يضفي على جهاده بعداً جديداً.
وكما ذكرنا من قبل، فإن الحكام العباسيين الأوائل الذين قضوا سنين طوالاً قبل تسلّمهم السلطة في نفس أجواء الجهاد العلوي وإلى جانب أنصار العلويين، كانوا على علم بكثير من الخطط والمنعطفات، وكانوا متفهمين لدور الهجوم والمواجهة الذي يؤديه هذا النشاط من الفقه والحديث والتفسير أكثر من أسلافهم الأمويين. وقد يكون هذا السبب هو الذي دفع المنصور العباسي في مواجهاته مع الإمام الصادق عليه السلام أن يمنع الإمام زمناً من الجلوس في حلقات التدريس وعن تردد الناس عليه. حتى أن المفضل بن عمر يقول: "إن المنصور قد كان همّ بقتل أبي عبد الله عليه السلام غير مرة، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله، غير أنه منع الناس عنه ومنعه من القعود للناس، واستقصى عليه أشد الإستقصاء، حتى أنه كان يقع لأحدهم مسألة في دينه في نكاح أو طلاق أو غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم، ولا يصلون إليه فيعتزل الرجل وأهله، فشق ذلك على شيعته وصعب عليهم.."4.
إقامة تنظيم سري إيديولوجي سياسي:
مرّ بنا أن الإمام الصادق عليه السلام قاد في أواخر العصر الأموي شبكة إعلامية واسعة استهدفت الدعوة إلى إمامة الامام علي عليه السلام وتبيين مسألة الإمامة بشكلها الصحيح. وهذه الشبكة نهضت بدور مثمر وملحوظ في أقاصي بقاع العالم الإسلامي، وخاصة في العراق وخراسان لنشر مفاهيم الإمامة.
ونشير هنا إلى جانب صغير من هذه المسألة. مسألة التنظيمات السرية في الحياة السياسية للإمام الصادق عليه السلام وباقي الأئمة من أهم المسائل وأكثرها حساسية، وهي في الوقت نفسه من أغمض فصول حياتهم وأشدّها إبهاماً. وكما ذكرنا، لا يمكن أن نتوقع وجود وثائق صريحة في هذا المجال، حيث لا يمكن أن نتوقع من الإمام أو أحد أصحابه أن يعترف صراحة بوجود هذه التنظيمات السياسية، الفكرية.
فهذا مما لا يمكن الكشف عنه، الشيء المعقول هو أن الإمام ينفي بشدّة وجود مثل هذا التنظيم السري، وهكذا أصحابه، ويعتبرون ذلك تهمة وسوء ظن فيما لو تعرّضوا لاستجواب جهاز السلطة. هذه هي خاصية العمل السري، والباحث في حياة الأئمة‘ أيضاً من حقّه أن لا يقتنع بوجود مثل هذا التنظيم دون دليل مقنع. إذن فلا بدّ أن نبحث عن القرائن والشواهد والحوادث التي تبدو بسيطة لا تلفت نظر المطالع العادي، لنبحث عن دلالاتها في هذا المجال. وبهذا اللون من التدقيق في حياة الأئمة عليه السلام خلال قرنين ونصف القرن من حياتهم يستطيع الباحث أن يطمئن إلى وجود مثل هذه التنظيمات التي تعمل تحت قيادة الأئمة عليه السلام.
ما المقصود بالتنظيم؟ ليس المقصود به طبعاً حزباً منظماً بالمفهوم المعروف اليوم، ولا يعني وجود كوادر منظمة ذات قيادات إقليمية مرتبطة ارتباطاً هرمياً، فلم يكن شيء من هذا موجوداً ولا يمكن أن يوجد. المقصود بالتنظيم وجود جماعة بشرية ذات هدف مشترك تقوم بنشاطات متنوعة تتجه نحو الهدف، وترتبط بمركز واحد وقلب نابض وواحد ودماغ مفكر واحد، وتسود بين أفرادها روابط عاطفية مشتركة.
هذه الجماعة كانت في زمن الإمام علي عليه السلام (أي خلال السنوات الخمس والعشرين بين وفاة الرسول الأكرم وبيعته للخلافة) وكان يجمعها الإيمان بأحقية الإمام علي عليه السلام في الخلافة، وكانت تعلن وفاءها الفكري والسياسي للإمام، غير أنها كانت تحذو حذو الإمام علي عليه السلام في عدم إثارة ما يزلزل المجتمع الإسلامي الوليد، كما كانت تنهض بما كان ينهض به الإمام علي عليه السلام في تلك السنوات من مهام رسالية تستهدف صيانة الإسلام ونشره. ومحاولة الحدّ من الإنحرافات واتخذت لولائها هذااسم "شيعة علي" ومن وجوههم المشهورة: سلمان وعمار وأبو ذر وأبي بن كعب والمقداد وحذيفة وغيرهم من الصحابة الأجلاء.
ولدينا ثوابت تاريخية تثبت أن هؤلاء كانوا يشيعون بين الناس فكرهم بشأن إمامة علي عليه السلام بشكل حكيم، وعملهم هذا كان مقدمة لالتفاف الناس حول الإمام وإقامة الحكم العلوي.
بعد أن استلم الإمام علي عليه السلام مقاليد الأمور سنة 53 هجرية، كان حول الإمام علي صنفان من الناس: صنف عرف الإمام ومكانته وفهم معنى الإمامة وامن بها، وهم شيعته الذين تربّوا على يد الإمام بشكل مباشر أو غير مباشر. وعامة الناس الذين عاشوا أجواء تربية الإمام ونهجه ولكنهم لم يكونوا مرتبطين فكرياً وروحياً بالجماعة التي ربّاها الإمام تربية خاصة.
ولذلك نجد بين أتباع الإمام صنفين من الأفراد بينهما تفاوت كبير: صنف يضم عماراً ومالكاً الأشتر وحجر بن عدي وسهل بن حنيف وقيس بن سعد وأمثالهم، وصنف من مثل أبي موسى الأشعري وزياد بن أبيه ونظرائهم.
بعد حادثة صلح الإمام الحسن عليه السلام كانت الخطوة الهامة التي اتخذها الإمام نشر فكر مدرسة أهل البيت، ولمّ شتات الموالين لهذا الفكر، إذ أتيحت الفرصة لحركة أوسع بسبب اضطهاد السلطة الأموية. وهكذا كان دائماً، فالإضطهاد يؤدي إلى انسجام القوى المضطهدة وتلاحمها وتجذّرها بدل تبعثرها وتشتتها. واتجهت استراتيجية الإمام الحسين عليه السلام إلى تجميع القوى الأصيلة الموالية، وحفظها من بطش الجهاز الأموي، ونشر الفكر الإسلامي الأصيل في دائرة محدودة، ولكن بشكل عميق، وكسب الأفراد إلى صفوف الموالين، وانتظار الفرصة المؤاتية للثورة على النظام وتفجير أركانه، وإحلال الحكم العلوي مكانه.. وهذه الإستراتيجية في العمل هي التي جعلت الإمام الحسن عليه السلام أمام خيار واحد وهو الصلح.
ومن هنا نرى أن جمعاً من الشيعة برئاسة المسيب بن نجية وسليمان بن صرد الخزاعي يقدمون على الإمام الحسن عليه السلام بعد حادثة الصلح في المدينة، حيث اتخذها الإمام قاعدة لعمله الفكري والسياسي بعد عودته من الكوفة، ويقترحون عليه إعادة قواهم وتنظيماتهم العسكرية والإستيلاء على الكوفة والإشتباك مع جيش الشام، والإمام يستدعي هذين الإثنين من بين الجمع، ويختلي بهما ويحدثهما بحديث لا نعرف فحواه، يخرجان بعده بقناعة تامة بعدم جدوى هذه الخطة. وحين يعود الإثنان إلى من جاء معهما يفهمانهم باقتضاب أن الثورة المسلحة مرفوضة، ولا بد من العودة إلى الكوفة لاستئناف نشاط جديد فيها5.
هذه حادثة مهمة لها دلالات كبيرة حدث ببعض المؤرخين المعاصرين إلى اعتبار ذلك المجلس الحجر الأساس في إقامة التنظيم الشيعي.
والواقع أن الخطوة الأولى لإقامة التنظيم الشيعي لو كانت حقاً قد اتخذت في ذلك اللقاء بين الإمام الحسن عليه السلام والرجلين القادمين من العراق، فإن مثل هذه الخطوة قد أوصى بها الإمام علي عليه السلام من قبل حين أوصى المقرّبين من أصحابه بقوله: "لو قد فقدتموني لرأيتم بعدي أشياء يتمنّى أحدكم الموت مما يرى من الجور والعدوان والأثرة والإستخفاف بحق الله والخوف على نفسه. فإذا كان ذلك:
فاعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا...
وعليكم بالصبر والصلاة.
والتقية.
واعلموا أن الله عز وجل يبغض من عباده (التلّون) لا تزولوا عن (الحق وأهله) فإن من استبدل بنا هلك وفاتته الدنيا وخرج منها اثماً"6.
هذا النص الذي يرسم بوضوح الوضع المأساوي في العصر الأموي، ويوجه المؤمنين إلى التلاحم والتعاضد والتنسيق والإنسجام يعتبر أروع وثيقة من وثائق الجهاز التنظيمي في حركة ال البيت عليه السلام. وهذا المشروع التنظيمي يتبلور في شكله العملي في اللقاء بين الإمام الحسن عليه السلام واثنين من الشيعة الخلّص. ومما لا شك فيه أن اتباع أهل البيت‘ لم يكونوا جميعاً مطّلعين على هذا المشروع الدقيق. ولعل هذا يبرّر ما كان يصدر من بعض صحابة الإمام الحسن عليه السلام من اعتراض وانتقاد. وكان المعترضون يواجهون قول الإمام الذي مضمونه: ".. من يدري، لعله اختبار لكم ونفعٌ زائلٌ لأعدائكم..".
وفي هذه الإجابة إشارة خفية إلى سياسة الإمام وتدبيره7.
خلال الأعوام العشرين من حكومة معاوية بكل ما أحاط فيها البيت العلوي من إعلام مكثّف مضاد، بلغ درجة لعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على منابر المسلمين، وبكل ما شهدتها من انسحاب الإمامين الحسن والحسين عليه السلام من ساحة النشاط العلني المشهود، لا نرى سبباً في انتشار فكر أهل البيت عليهم السلام واتساع القاعدة الشيعية في الحجاز والعراق سوى وجود هذا التنظيم.
ولنلق نظرة على الساحة الفكرية في هذه المناطق بعد العشرين عاماً من صلح الإمام الحسن عليه السلام.
في الكوفة نرى رجال الشيعة من أبرز الوجوه وأشهرها. وفي مكة والمدينة بل وفي المناطق النائية نرى أتباع أهل البيت مثل حلقات مترابطة يعرف بعضها ما يلّم بالبعض الاخر.
حين يستشهد بعد أعوام أحد رجال الشيعة وهو "حجر بن عدي" ترتفع أصوات الإعتراض في مناطق عديدة من البلاد الإسلامية، على رغم الإرهاب المفروض على كل مكان، ويبلغ الحزن والأسى بشخصية معروفة في خراسان أن يموت كمداً بعد إعلان الإعتراض الغاضب8.
وبعد موت معاوية ترد على الإمام الحسين عليه السلام الاف الرسائل تدعوه أن يأتي إلى الكوفة لقيادة الثورة. وبعد استشهاد الإمام يلتحق عشرات الالاف بمجموعة "التوّابين"، أو ينخرطون في جيش المختار وإبراهيم بن مالك ضد الحكم الأموي.
ومن حق الباحث في التاريخ الإسلامي أن يسأل عن العوامل الكامنة وراء شيوع هذا الفكر والتحرّك الموالي لال البيت عليهم السلام. هل يمكن أن يتم دون وجود نشاط مكثّف محسوب منظّم متحد في الخطة والهدف؟!
الجواب: لا طبعاً، فالإعلام الهائل، الذي وجهته السلطة الأموية عن طريق مئات القضاة والولاة والخطباء، لا يمكن إحباطه وإفشاله دون إعلام مضاد مخطط مرسوم، ينهض به تنظيم منسجم موحَّد غير مكشوف. وقبيل وفاة معاوية تزايد نشاط هذا الجهاز العلوي المنظّم وتصاعدت سرعة عمله، حتى أن والي المدينة يكتب إلى معاوية ما مضمونه: "أما بعد، فإن عمر بن عثمان عين والي المدينة على الحسين عليه السلام أخبرنا بأن رجلاً من العراق وبعض شخصيات الحجاز يترددون على الحسين بن علي، وتدور بينهم أحاديث حول رفع راية التمرّد والعصيان.. فاكتبوا لنا ماذا ترون"9.
بعد واقعة كربلاء، وشهادة الإمام الحسين عليه السلام تضاعف النشاط التنظيمي لشيعة العراق على أثر الصدمة النفسية التي أصيبوا بها في مقتل الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته في كربلاء، وكان هذا التحرك، مؤطّراً بالألم والحسرة والأسف.
يقول الطبري فلم يزل القوم في جمع الة الحرب والإستعداد للقتال ودعاء الناس في السرّ من الشيعة وغيرها إلى الطلب بدم الحسين فكان يجيبهم القوم بعد القوم والثغر بعد الثغر، فلم يزالوا كذلك حتى مات يزيد بن معاوية10.
وحقاً ما تقوله مؤلّفة جهاد الشيعة إذ تعلّق على قول الطبري بالقول: وظهرت جماعة الشيعة بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام كجماعة منظمة، تربطها روابط سياسية واراء دينية، لها اجتماعاتها وزعمائها، ثم لها قواتها العسكرية، وكانت جماعة "التوابين" أول مظهر لذلك كله11.
ويبدو من دراسة أحداث التاريخ ورأي المؤرخين في تلك البرهة الزمنية، أن الشيعة كانوا يتولّون مسؤولية القيادة والتخطيط، أما القاعدة العريضة الساخطة على بني أمية، فكانت أوسع من المجموعة الشيعية المنظمة، وكانت هذه القاعدة تنضمّ إلى كل حركة ذات صبغة شيعية.
من هنا فإن المتحركين ضد بني أمية، وإن رفعوا شعارات شيعية، لا ينبغي أن نتصورهم جميعاً بأنهم في عداد الشيعة، أي في عداد الجهاز التنظيمي لأئمة أهل البيت عليهم السلام.
انطلاقاً مما سبق، أودّ التأكيد على أن اسم الشيعة بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام أطلقت فقط على المجموعة التي كانت لها علاقة وثيقة بالإمام الحق، تماماً كما كان الحال في زمن أمير المؤمنين عليه السلام.
هذه المجموعة هي التي عمدت بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام إلى تأسيس التنظيم الشيعي بأمر الإمام، وهي التي نشطت في كسب الأفراد إلى التنظيم ودفع أفراد أكثر، لم يرتفعوا في الفكر والنضج العملي إلى مستوى الإنخراط في التنظيم نحو التيار العام للحركة الشيعية.
والرواية التي أوردناها عن الإمام الصادق عليه السلام في بداية هذا الحديث، والتي تذكر أن عدد المؤمنين بعد حادثة عاشوراء لم يتجاوز الثلاثة أو الخمسة، إنما تقصد أفراد المؤمنين بعد حادثة عاشوراء لم يتجاوز الثلاثة لهم الدور الرائد الواعي في مسيرة حركة التكامل الثورية العلوية.
وعلى أثر النشاط المتستر الهادئ الذي قام به الإمام السجاد عليه السلام توسعت قاعدة هذه المجموعة، وإلى هذا يشير الإمام الصادق عليه السلام في الرواية المذكورة: "ثم لحق الناس وكثروا". وسنرى أن عصر الإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الصادق عليه السلام شهد تحرّك هذا الجمع تحركاً أثار الرعب والفزع في قلوب الحكام والظالمين، ودفع هؤلاء الحكام إلى ردود فعل قاسية.
وبعبارة موجزة، فإن اسم الشيعة في القرنين الأول والثاني الهجريين وفي زمن الأئمة‘ ما كان يُطلق على الذين يحبّون ال بيت النبي عليه السلام أو المؤمنين بحقهم وبصدق دعوتهم فقط، من دون اشتراك في مسيرتهم الحركية. بل أن الشيعة كانوا يتميزون بشرط أساسي وحتمي، وهو عبارة عن الإرتباط الفكري والعملي بالإمام، والإشتراك في النشاط الفكري والسياسي، بل والعسكري الذي يقوده لإعادة الحق إلى نصابه، وإقامة النظام العلوي الإسلامي. هذا الإرتباط هو نفسه الذي يطلق عليه في قاموس التشيع اسم "الولاية".
جماعة الشيعة كانت تطلق في الواقع على أعضاء حزب الإمام.. هذا الحزب الذي كان يتحرك بقيادة الإمام عليه السلام، وكان يتخذ من الإستتار والتقية خندقاً له مثل كل الأحزاب والتنظيمات المضطهدة التي تعيش في جو الإرهاب. هذه خلاصة النظرة الواقعية لحياة الأئمة عليه السلام وخاصة الإمام الصادق عليه السلام، وكما ذكرنا من قبل لا يمكن أن يكون لمثل هذه المسألة دلائل صريحة، إذ لا يمكن أن نتوقع من بيت سرّي أن يحمل لافتة تقول: "هذا بيت سرّي"! وكذلك لا يمكن أن نطمئن إلى النتيجة دون قرائن حاسمة.
من هنا ينبغي أن نتتبع القرائن والشواهد والإشارات.
من العبارات العميقة التي تلفت نظر الباحث المدقق في الروايات المرتبطة بحياة الأئمة عليه السلام، أو في كلام مؤلّفي القرون الإسلامية الأولى، عبارة "باب" و"وكيل" و"صاحب السر" وهي عبارات تطلق على بعض أصحاب الأئمة. فمثلاً، يقول ابن شهر اشوب المحدث الشيعي الشهير في سيرة الإمام السجاد عليه السلام: "وكان بابه يحيى بن أم الطويل" وفي سيرة الإمام الباقر عليه السلام يقول: "وكان بابه جابر بن يزيد الجعفي". وفي ترجمة الإمام الصادق عليه السلام يقول: "وكان بابه محمد بن سنان". وفي "رجال الكشي" ترد حول زرارة وبريد ومحمد بن مسلم وأبي بصير عبارة: "مستودع سرّي".
وفي كتب الحديث تروى عن الإمام الصادق عليه السلام عبارة "وكيل" بشأن المعلّى بن خنيس. وكل واحد من هذه التعبيرات، إن لم تكن صادرة عن الإمام، فإنها دون شك حصيلة دراسة موسعة في حياة الأئمة، نهض بها المؤلفون الشيعة القدامى. واختيار هذه التعبيرات العميقة على أي حال ينطلق من معالم بارزة في حياة أئمة أهل البيت عليهم السلام. ولو تأملنا في هذه التعبيرات لألفينا إن كل واحد منها يدل على وجود جهاز فعّال مستتر وراء النشاط الظاهري للأئمة عليه السلام.
مستودع السر:
إذا لم يكن لأحدٍ "سرٌ" فليس له مستودع سر. فما هو هذا السر في حياة الأئمة؟ ما هذا الذي لا يتحمله أصحاب الأئمة عامة، بل ثمة نفر معدود له لياقة وصلاحية تحملّه، وبذلك نال شرف اسم "مستودع السر"؟!
ولقد راحت الذهنية المتأخرة البعيدة عن واقع الأحداث وتمحيصها تفسّر هذا السر بأنه " سر الإمامة". كما راحت تفسّر سرّ الإمامة بأنه الأسرار الغيبية والقدرة على الخوارق والمعاجز.
أنا أؤمن بقدرة هذه الصفوة المقدسة من أهل البيت، الذين اختارهم الله لمواصلة مهمة حمل الرسالة وتبليغها بعد رسول الله، أن يحملوا مثل هذه القدرة ومثل هذه العلوم، كما أؤمن بأن تحلّيهم بهذه القوى والعلوم لا يتنافى أصلاً مع نظرة الإسلام إلى الإنسان والنواميس الطبيعية وسنن الكون. ولكن هذه القوى والعلوم ليست هي "سر الإمام". فمثل هذه القوى والعلوم أوضح دليل على الإمامة وعلى صدق دعوى الإمام. لماذا يكتم الإمام هذه الأمور ويوصي أصحابه بكتمانها في روايات كثيرة، تضافرت حتى أصبحت الكتب الحديثية الشيعية تتضمن باباً يحمل عنوان: "باب الكتمان"12؟ لا بدّ أن يكون هذا السر مما لو شاع لشكل خطراً كبيراً على الإمام وأصحابه، وهذا شيء غير الغيبيات والخوارق.
هل السرّ هو معارف أهل البيت؟ هل هو رؤية مدرسة أهل البيت للإسلام وفقهها وأحكامها؟ لا ننكر أن معارف مدرسة أهل البيت كانت تنشر في عصر الإضطهاد الأموي والعباسي وفق منهج الحكمة والتدبير، لكي لا يخوض فيها كلّ من هبّ ودبّ. ولكن هذه المعارف لا يمكن أن تكون هي سرّ الإمام. فمع كل ما أحاط بهذه المعارف من اختصاص، كانت تدرس في مئات الحوزات الفقهية والحديثية في عدد من كبريات مدن الصقع الإسلامي انذاك، كان الشيعة يتناقلون هذه المعارف ويشرحونها ويتداولونها. بعبارة أخرى كانت هذه المعارف خاصة لا سرية.
واختصاصها يعني أن رواجها كان محدوداً بالدائرة الشيعية، لكنها كانت تصل إلى غير الشيعة أيضاً في ظروف خاصة. لم تكن أبداً محدودة بأفراد معدودين من أصحاب الأئمة وخافية على غيرهم.
الحق أن الأسرار هي ما يتعلق بالمعلومات المرتبطة بالجهاز التنظيمي للإمام.. بالجهاز الذي يخوض معتركاً سياسياً باتجاه هدف ثوري.. بالتكتيك الذي ينتهجه الجهاز.. بالعمليات التي ينفذها.. بأسماء ومهام أعضاء الجهاز.. بمصادر التمويل.. بالأخبار والتقارير المتعلّقة بالأحداث الهامة.. هذه وأمثالها من الأسرار التي لا يجوز أن يطلّع عليها سوى القائد والكوادر المسؤولة. ربما تحين الظروف المناسبة عاجلاً أم اجلاً لإعلان هذه الأسرار وكشفها، ولكن قبل أن تحين تلك الظروف لا يمكن أن يطلع على هذه الأسرار سوى من يرتبط عمله مباشرة بها، وهم "مستودع السر". وكل تسريب لهذه المعلومات إلى أوساط الشيعة فإنه يفتح ثغرة تسرّبها إلى الأعداء، وهو خطأ كبير لا يغتفر، خطأ قد يؤدي إلى انهدام الجهود والأعمال والمجموعة المنتظمة. ومن هنا نفهم ما يعنيه الإمام عليه السلام إذ يقول: "ليس الناصب لنا حرباً بأعظم مؤنة علينا من المذيع علينا سرّنا. فمن أذاع سرّنا إلى غير أهله لم يفارق الدنيا حتى يعضه السلاح"13.
الباب والوكيل:
في الإرتباطات السرية بين الإمام عليه السلام و الشيعة قد يتطلب الأمر إيصال بعض المعلومات إلى الشيعة عن طريق "واسطة"، وهذا تدبير معقول وطبيعي. العيون المتلصصة على كشف ارتباطات الإمام عليه السلام تترصّد التقاءاته بأتباعه في موسم الحج في مكة والمدينة حين تؤمها القوافل من أقاصي العالم، وقد يؤدي رصد هذه اللقاءات إلى اكتشاف خيوط الجهاز المركزي لتنظيم الإمام، لذلك نرى أن الإمام عليه السلام كان يُبعد عنه بعض الأفراد بلهجة لينة أحياناً. ومعاتبة تارة أخرى. يقول لسفيان الثوري مثلاً: "أنت رجلٌ مطلوب وللسلطان علينا عيون فاخرج عنا غير مطرود"14.
ويترحّم الإمام عليه السلام على شخص صادفه في الطريق وأعرض بوجهه عنه، ويذم شخصاً اخر راه في ظروف مشابهة فسلّم عليه باحترام وإجلال15.
مثل هذه الظروف تستلزم وجود فرد يكون واسطة بين الإمام عليه السلام وبين من يحتاج إلى معلومات تصل إليه من الإمام، وهذا الواسطة هو "الباب". ويجب أن يكون من أخلص أتباع الإمام، وأقربهم إليه، وأغناهم بالمعلومات والخطط. يجب أن يكون مثل "نحلة" إذا عرفت الحشرات المضّرة ما تحملّه من عسل قطّعتها وأغارت على شهدها16. وليس صدفة أن نرى تعرّض هؤلاء "الأبواب" غالباً للمطاردة وأقسى ألوان البطش والتنكيل.
إن يحيى بن أم الطويل "باب" الإمام السجاد عليه السلام يُقتل بشكل شنيع17. وجابر بن يزيد الجعفي باب الإمام الباقر عليه السلام يتظاهر بالجنون ويشيع عنه ذلك فينجّيه من القتل الذي صدر الأمر به من الخليفة قبل أيام من اشتهار جنونه. ومحمد بن سنان، باب الإمام الصادق عليه السلام يتعرّض لطرد ظاهري من الإمام رغم أن الإمام أبدى رضاه عنه في مواضع أخرى وأثنى عليه، وما ذلك إلاّ لتعرض محمد بن سنان لمثل هذه الأخطار. كما أن إعلان الإمام براءته من راوٍ معروف مشهور حظي بإعلان رضا الإمام عليه السلام مراراً يعود على الأقوى إلى تكتيك تنظيمي.
مثل هذا المصير يواجهه "الوكيل" أيضاً. مسؤول جمع الأموال المرتبطة بالإمام وتوزيعها، يملك أيضاً كثيراً من الأسرار وأقلّها أسماء الدافعين والقابضين، وليست هذه المعلومات بالتي يستهين بها أعداء الإمام، وأفضل دليل على ذلك مصير المعلّى بن خنيس وكيل الإمام الصادق عليه السلام في المدينة، وتعبيرات الإمام القائمة على أساس التقية بشأن المفضّل بن عمر وكيل الإمام في الكوفة.
هذه العناوين الثلاثة (الباب، الوكيل، صاحب السر) التي نجد مصاديقها في وجوه بارزة من رجال الشيعة تلقي ظلالاً على واقع الشيعة وارتباطهم بالإمام والحركة التنظيمية الشيعية.
يمكننا بهذه النظرة أن نفهم الشيعة بأنهم مجموعة من العناصر المنسجمة الهادفة النشطة المتمركزة حول محور مقدس يشعّ بتعاليمه وأوامره على القاعدة، والقاعدة ترتبط به وتنقل إليه المعلومات وتضبط مشاعرنا وتسيطر على عواطفها بتوصياته الحكيمة، وتلتزم التزاماً دينياً بأساليب العمل السرّي، مثل حفظ الأسرار، وقلّة الكلام، والابتعاد عن الأضواء والتعاون الجماعي والزهد الثوري.
* الحياة السياسية لأئمة أهل البيت عليهم السلام, سلسلة المعارف الإسلامية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الكافي، ج1، ص186، ح3.
2- الكافي، ج1، ص238.
3- الكافي، ج1، ص238.
4- المناقب، باب شهر اشوب، ص238، ط. بيروت.
5- المعنى نفسه جاء في كتاب الشيخ راضي ياسين صلح الإمام الحسن عليه السلام 32 31، بيروت.
6- تحف العقول، ص115، ط2.
7- هذا الوضع يمكن مقارنته وتشبيهه إلى حد ما بوضع المجتمعات المعاصرة التي تحكمها الأنظمة الحزبية.
8- مات الربيع بن زياد الحارثي غماً لمقتل حجر، وذكر ذلك ابن الأثير في الكامل، ج3، ص195، وكان سبب موته أنه سخط قتل حجر بن عدي.. وذكر ذلك في الإستيعاب، وأسد الغاب، والدرجات الرفيعة وغيرها. صلح الحسن عليه السلام 338.
9- ثورة الحسين، ص18، نقلاً عن أعيان الشيعة والأخبار الطوال.
10- الطبري، ج7، ص46، نقلاً عن د. سميرة مختار الليثي جهاد الشيعة، ص28.
11- د. سميرة الليثي (جهاد الشيعة، ص27).
12- رجال الكشي، ص380، ط. مصطفوي.
13- رجال الكشي، ص380، ط. مصطفوي.
14- مناقب ابن شهر اشوب، ج4، ص248.
15- الكافي، ج2، ص219.
16- هذا التعبير مقتبس من أحد نصوص الإمام عليه السلام .
17- قطعت رجله وهو حي ثم قتل. للتعرف على هذه الشخصية الكبيرة راجع: رجال الكشي وسائر كتب الرجال.