لمحة عن حياة الامام الصادق عليه السلام
هو الإمام جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام, سادس أئمّة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
ولادته وشهادته:
ولد عليه السلام في المدينة المنوّرة في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 83 للهجرة1 , في اليوم الذي ولد فيه جدّه النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وقبض في المدينة أيضاً في شهر شوال2 سنة 148 للهجرة3 , وقيل في النصف من رجب 4, شهيداً مسموماً5 , ودفن في البقيع إلى جنب أبيه وجدّه وعمّه الإمام الحسن عليهم السلام.
أمّا كنيته: فأبو عبد الله, ويكنّى أيضاً بأبي إسماعيل, وأبي موسى.
وأمّا ألقابه: فالصادق, والفاضل, والطاهر, والقائم, والكافل, والمنجي6 .وكان من أهل العلم الذين سمعوا منه, إذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالم7 . وأشهر ألقابه الصادق, سمّاه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
فعن ابن حمزة ثابت بن دينار الثماليّ عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: "قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فسمّوه الصادق، فإنّه سيكون في ولده سمي له يدّعي الإمامة بغير حقّها ويسمّى كذّاباً"8 .
فلا يعبأ بما ورد من أنّ المنصور الدوانيقيّ هو الذي أضفى عليه هذا اللقب9 .
والدته المكرمة:
والدته الماجدة الجليلة المكرّمة فاطمة, المكنّاة بأمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر, وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
يقول الإمام الصادق عليه السلام في حقّها: "كانت أمّي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت والله يحبّ المحسنين".
وقد كانت من أتقى نساء زمانها, وروت عن عليّ بن الحسين عليهما السلام أحاديث, منها قوله لها: "يا أمّ فروة إنّي لأدعو الله لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرّة ، لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم من الثواب وهم يصبرون على ما لا يعلمون"10 .
وعن معروف بن خربوذ- أحد أصحاب الصادق عليه السلام- في حديث له يقول: أخبرني ابن المكرّمة- يعني أبا عبد الله11 عليه السلام .
مع أبيه الباقر عليه السلام:
عن أبي الصبّاح الكنانيّ قال: نظر أبو جعفر عليه السلام إلى أبي عبد الله عليه السلام يمشي فقال: "ترى هذا؟ هذا من الذين قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾12 .
وعن سدير الصيرفيّ قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "إنّ من سعادة الرجل أن يكون له الولد، يعرف فيه شبه خَلقه وخُلُقه وشمائله، وإنّي لأعرف من ابني هذا شبه خَلقي وخُلُقي وشمائلي، يعني أبا عبد الله عليه السلام"13 .
وعن رجل يقال له طاهر قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فأقبل جعفر عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام: "هذا خير البريّة أو أخير"14 .
فضائله ومناقبه وبعض أحواله
وفضائله صلوات الله عليه أكثر من أن تحصى وتذكر وفوق أن تعدّ وتحصر:
فعن جوده وكرمه وإنفاقه قالوا: كان جعفر بن محمّد يطعم حتّى لا يبقى لعياله شيء15 .
وعن هشام بن سالم قال: كان أبو عبد الله عليه السلام إذا أعتمَ16 وذهب من الليل شطره أخذ جراباً فيه خبز ولحم والدراهم فحمله على عنقه ثمّ ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم ولا يعرفونه فلمّا مضى أبو عبد الله عليه السلام فقدوا ذا فعلموا أنّه كان أبا عبد الله عليه السلام17 .
وروي عنه عليه السلام أنه قال: "المعروف ابتداء, وأمّا من أعطيته بعد المسألة فإنّما كافيته بما بذل لك من وجهه, يبيت ليلته أرقاً متململاً, يمثل بين الرجاء واليأس لا يدري أين يتوجّه لحاجته، ثمّ يعزم بالقصد لها فيأتيك وقلبه يرجف, وفرائصه ترعد, قد ترى دمه في وجهه, لا يدري أيرجع بكآبة أم بفرح"18 .
وكان عليه السلام يتصدّق بالسكّر، فقيل له: أتتصدّق بالسكّر؟ فقال: "نعم إنّه ليس شيء أحبّ إليّ منه, فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ"19 .
وعن أبي الربيع قال: دعا أبو عبد الله عليه السلام بطعام فأُوتي بهريسة فقال لنا: "ادنوا فكلوا"، قال: فأقبل القوم يقصرون, فقال عليه السلام: "كلوا فإنّما يستبين مودّة الرجل لأخيه في أكله (عنده)", قال: فأقبلنا نغصّ أنفسنا كما تغصّ الإبل20 .
وكان عليه السلام يربّي عبيده وغلمانه ويعاملهم باللطف والرحمة:
فقد روي أنّه عليه السلام بعث غلاماً له في حاجة فأبطأ، فخرج أبو عبد الله عليه السلام على أثره لمّا أبطأ، فوجده نائماً، فجلس عند رأسه يروّحه حتّى انتبه، فلمّا تنبّه قال له أبو عبد الله عليه السلام: "يا فلان والله ما ذلك لك، تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار"21 .
وإذا أعتقهم كان لا يريد منهم جزاءً ولا شكوراً سوى الطاعة لله ولرسوله ولأوليائه عليهم السلام, فعن إبراهيم بن أبي البلاد قال: قرأت عتق أبي عبد الله عليه السلام فإذا هو شرحه: "هذا ما أعتق جعفر بن محمّد أعتق فلاناً غلامه لوجه الله لا يريد به جزاءً ولا شكوراً على أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويحجّ البيت ويصوم شهر رمضان ويتولّى أولياء الله ويتبرّأ من أعداء الله، شهد فلان وفلان وفلان, ثلاثة"22 .
وكان يكرم الضيف ويحسن قراه ويكره استخدامه, فعن ابن أبي يعفور قال: رأيت عند أبي عبد الله عليه السلام ضيفاً فقام يوماً في بعض الحوائج فنهاه عن ذلك, وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال عليه السلام: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يستخدم الضيف"23.
وكان يكدّ على رزقه ويعمل بيده, فعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنّي لأعمل في بعض ضياعي حتّى أعرق وإن لي من يكفيني ليعلم الله عزَّ وجلَّ أَنِّي أطلب الرزق الحلال".
وعن أبي عمرو الشيباني قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له والعرق يتصابّ عن ظهره فقلت: جعلت فداك أعطني أكفك، فقال لي: "إنّي أحبّ أن يتأذّى الرجل بحرّ الشمس في طلب المعيشة"24 .
ومن دعائه لبعض أصحابه أنّه كان عليه السلام- يوماً- تحت الميزاب ومعه جماعة إذ جاءه شيخ فسلّم، ثمّ قال: يا ابن رسول الله: إنّي لأحبّكم أهل البيت، وأبرأ من عدوّكم، وإنّي بليت ببلاء شديد وقد أتيت البيت متعوّذاً به ممّا أجد، ثمّ بكى وأكبّ على أبي عبد الله عليه السلام يقبّل رأسه ورجليه، وجعل أبو عبد الله عليه السلام يتنحّى عنه، فرحمه وبكى ثمّ قال: "هذا أخوكم وقد أتاكم متعوّذاً بكم، فارفعوا أيديكم", فرفع أبو عبد الله عليه السلام يديه ورفعنا أيدينا ثمّ قال: "أللهمّ إنّك خلقت هذه النفس من طينة أخلصتها وجعلت منها أولياءك، وأولياء أوليائك، وإن شئت أن تنحّي عنها الآفات فعلت، أللهمّ وقد تعوّذنا ببيتك الحرام الذي يأمن به كلّ شيء، وقد تعوّذ بنا، وأنا أسألك يا من احتجب بنوره عن خلقه أسألك بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين, يا غاية كلّ محزون وملهوف ومكروب ومضطرّ مبتلى, أن تؤمنه بأماننا ممّا يجد، وأن تمحو من طينته ما قدّر عليها من البلاء وأن تفرّج كربته يا أرحم الراحمين", فلمّا فرغ من الدعاء انطلق الرجل فلمّا بلغ باب المسجد رجع وبكى, ثمّ قال: ألله أعلم حيث يجعل رسالته، والله ما بلغت باب المسجد وبي ممّا أجد قليل ولا كثير، ثمّ ولّى25 .
وأمّا صلاته وحضوره بين يدي ربّه فنكتفي بما ورد أنّه عليه السلام كان يتلو القرآن في صلاته، فغشي عليه، فلمّا أفاق سئل ما الذي أوجب ما انتهت حاله إليه؟ فقال- ما معناه-: "ما زلت أكرّر آيات القرآن حتّى بلغت إلى حال كأنّني سمعتها مشافهة ممّن أنزلها"26 .
*صادق العترة, سلسلة مجالس العترة, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- أنظر: الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 472, ابن مكي العاملي الشيخ شمس الدين محمد المعروف بالشهيد الأوّل: الدروس الشرعية في فقه الإمامية ج 2 ص 12, المجلسيّ: بحار الأنوار ج 47 ص 2 عن الكفعميّ في المصباح, ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 279- 280.
2- والمشهور أنّه في الخامس والعشرين من شوّال, وإن لم يوجد شيء يوثق به يدلّ عليه, قال المحدّث القمّي رحمه الله "ولم يعيّن في الكتب المعتبرة اليوم الذي توفّي فيه من شهر شوّال, نعم قال صاحب جنّات الخلود- المتتبّع الماهر- أنّه توفّي في اليوم الخامس والعشرين من ذلك الشهر" انتهى. (منتهى الآمال ج 2 ص 243).
3- المفيد: الإرشاد ج 2 ص 180, الطوسيّ: تهذيب الأحكام ج 6 ص 78, ابن مكي العاملي الشيخ شمس الدين محمد المعروف بالشهيد الأوّل: الدروس الشرعية في فقه الإمامية ج 2 ص 12, ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 280, النيسابوريّ: روضة الواعظين ج 1 ص 212.
4- ابن مكي العاملي الشيخ شمس الدين محمد المعروف بالشهيد الأوّل: الدروس الشرعية في فقه الإمامية ج 2 ص 12, النيسابوريّ: روضة الواعظين ج 1 ص 212, ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 280, المجلسيّ: بحار الأنوار ج 47 ص 2 عن الكفعميّ في المصباح.
5- الطبريّ ابن رستم: دلائل الإمامة ص 246, ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 280, عن أبي جعفر القمّي, المجلسيّ: بحار الأنوار 47 ص 2 عن الكفعميّ في المصباح, وص 8 عن الإقبال لابن طاووس في أدعية شهر رمضان: وضاعف العذاب على من شرك في دمه وهو المنصور, ونسبه إلى "قيل" المسعوديّ في مروج الذهب ج 3 ص 313, وكذا ابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة ج 2 ص 928, إلى غير ذلك.
6- ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 281.
7- اليعقوبيّ: تاريخ اليعقوبيّ ج 2 ص 381. وانظر: ابن مكي العاملي الشيخ شمس الدين محمد المعروف بالشهيد الأوّل: الدروس الشرعية في فقه الإمامية ج 2 ص 12.
8- الصدوق: علل الشرائع ج 1 ص 274. وفي بعض الروايات ما يشير إلى توبته, كما في التوقيع الخارج على السفير محمّد بن عثمان العمريّ في جواب أسئلة سألها إسحاق بن يعقوب: "أمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه السلام" (الصدوق: كمال الدّين وتمام النعمة ص 484). والله العالم.
9- القرشيّ الشيخ باقر: حياة الإمام الصادق عليه السلام ج 1 ص 22- 23.
10- الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 472.
11- الطوسيّ: اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي ج 2 ص 472.
12- الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 306.
13- الكلينيّ: الكافي ج 17 ص 306.
14- المصدر السابق ص 307.
15- الذهبيّ: تاريخ الإسلام ج 9 ص 89.
16- أعتمَ إذا دخل في عتمة الليل وهي ظلمته.
17- الكلينيّ: الكافي ج 4 ص 8.
18- الكلينيّ: الكافي ج 4 ص 23.
19- المصدر السابق ج 4 ص 61.
20- المصدر السابق ج 6 ص 279.
21- المصدر السابق ج 2 ص 112.
22- الكلينيّ: الكافي ج 6 ص 181.
23- المصدر السابق ج 6 ص 283.
24- المصدر السابق ج 5 ص 76- 77.
25- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 47 ص 122, عن الدعوات للراونديّ.
26- المصدر السابق ج 47 ص 58 عن فلاح السائل.
هو الإمام جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام, سادس أئمّة أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
ولادته وشهادته:
ولد عليه السلام في المدينة المنوّرة في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل سنة 83 للهجرة1 , في اليوم الذي ولد فيه جدّه النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.
وقبض في المدينة أيضاً في شهر شوال2 سنة 148 للهجرة3 , وقيل في النصف من رجب 4, شهيداً مسموماً5 , ودفن في البقيع إلى جنب أبيه وجدّه وعمّه الإمام الحسن عليهم السلام.
أمّا كنيته: فأبو عبد الله, ويكنّى أيضاً بأبي إسماعيل, وأبي موسى.
وأمّا ألقابه: فالصادق, والفاضل, والطاهر, والقائم, والكافل, والمنجي6 .وكان من أهل العلم الذين سمعوا منه, إذا رووا عنه قالوا: أخبرنا العالم7 . وأشهر ألقابه الصادق, سمّاه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
فعن ابن حمزة ثابت بن دينار الثماليّ عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: "قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب فسمّوه الصادق، فإنّه سيكون في ولده سمي له يدّعي الإمامة بغير حقّها ويسمّى كذّاباً"8 .
فلا يعبأ بما ورد من أنّ المنصور الدوانيقيّ هو الذي أضفى عليه هذا اللقب9 .
والدته المكرمة:
والدته الماجدة الجليلة المكرّمة فاطمة, المكنّاة بأمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر, وأمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.
يقول الإمام الصادق عليه السلام في حقّها: "كانت أمّي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت والله يحبّ المحسنين".
وقد كانت من أتقى نساء زمانها, وروت عن عليّ بن الحسين عليهما السلام أحاديث, منها قوله لها: "يا أمّ فروة إنّي لأدعو الله لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرّة ، لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم من الثواب وهم يصبرون على ما لا يعلمون"10 .
وعن معروف بن خربوذ- أحد أصحاب الصادق عليه السلام- في حديث له يقول: أخبرني ابن المكرّمة- يعني أبا عبد الله11 عليه السلام .
مع أبيه الباقر عليه السلام:
عن أبي الصبّاح الكنانيّ قال: نظر أبو جعفر عليه السلام إلى أبي عبد الله عليه السلام يمشي فقال: "ترى هذا؟ هذا من الذين قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾12 .
وعن سدير الصيرفيّ قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: "إنّ من سعادة الرجل أن يكون له الولد، يعرف فيه شبه خَلقه وخُلُقه وشمائله، وإنّي لأعرف من ابني هذا شبه خَلقي وخُلُقي وشمائلي، يعني أبا عبد الله عليه السلام"13 .
وعن رجل يقال له طاهر قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فأقبل جعفر عليه السلام فقال أبو جعفر عليه السلام: "هذا خير البريّة أو أخير"14 .
فضائله ومناقبه وبعض أحواله
وفضائله صلوات الله عليه أكثر من أن تحصى وتذكر وفوق أن تعدّ وتحصر:
فعن جوده وكرمه وإنفاقه قالوا: كان جعفر بن محمّد يطعم حتّى لا يبقى لعياله شيء15 .
وعن هشام بن سالم قال: كان أبو عبد الله عليه السلام إذا أعتمَ16 وذهب من الليل شطره أخذ جراباً فيه خبز ولحم والدراهم فحمله على عنقه ثمّ ذهب به إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم ولا يعرفونه فلمّا مضى أبو عبد الله عليه السلام فقدوا ذا فعلموا أنّه كان أبا عبد الله عليه السلام17 .
وروي عنه عليه السلام أنه قال: "المعروف ابتداء, وأمّا من أعطيته بعد المسألة فإنّما كافيته بما بذل لك من وجهه, يبيت ليلته أرقاً متململاً, يمثل بين الرجاء واليأس لا يدري أين يتوجّه لحاجته، ثمّ يعزم بالقصد لها فيأتيك وقلبه يرجف, وفرائصه ترعد, قد ترى دمه في وجهه, لا يدري أيرجع بكآبة أم بفرح"18 .
وكان عليه السلام يتصدّق بالسكّر، فقيل له: أتتصدّق بالسكّر؟ فقال: "نعم إنّه ليس شيء أحبّ إليّ منه, فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ"19 .
وعن أبي الربيع قال: دعا أبو عبد الله عليه السلام بطعام فأُوتي بهريسة فقال لنا: "ادنوا فكلوا"، قال: فأقبل القوم يقصرون, فقال عليه السلام: "كلوا فإنّما يستبين مودّة الرجل لأخيه في أكله (عنده)", قال: فأقبلنا نغصّ أنفسنا كما تغصّ الإبل20 .
وكان عليه السلام يربّي عبيده وغلمانه ويعاملهم باللطف والرحمة:
فقد روي أنّه عليه السلام بعث غلاماً له في حاجة فأبطأ، فخرج أبو عبد الله عليه السلام على أثره لمّا أبطأ، فوجده نائماً، فجلس عند رأسه يروّحه حتّى انتبه، فلمّا تنبّه قال له أبو عبد الله عليه السلام: "يا فلان والله ما ذلك لك، تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار"21 .
وإذا أعتقهم كان لا يريد منهم جزاءً ولا شكوراً سوى الطاعة لله ولرسوله ولأوليائه عليهم السلام, فعن إبراهيم بن أبي البلاد قال: قرأت عتق أبي عبد الله عليه السلام فإذا هو شرحه: "هذا ما أعتق جعفر بن محمّد أعتق فلاناً غلامه لوجه الله لا يريد به جزاءً ولا شكوراً على أن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويحجّ البيت ويصوم شهر رمضان ويتولّى أولياء الله ويتبرّأ من أعداء الله، شهد فلان وفلان وفلان, ثلاثة"22 .
وكان يكرم الضيف ويحسن قراه ويكره استخدامه, فعن ابن أبي يعفور قال: رأيت عند أبي عبد الله عليه السلام ضيفاً فقام يوماً في بعض الحوائج فنهاه عن ذلك, وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال عليه السلام: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يستخدم الضيف"23.
وكان يكدّ على رزقه ويعمل بيده, فعن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إنّي لأعمل في بعض ضياعي حتّى أعرق وإن لي من يكفيني ليعلم الله عزَّ وجلَّ أَنِّي أطلب الرزق الحلال".
وعن أبي عمرو الشيباني قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ يعمل في حائط له والعرق يتصابّ عن ظهره فقلت: جعلت فداك أعطني أكفك، فقال لي: "إنّي أحبّ أن يتأذّى الرجل بحرّ الشمس في طلب المعيشة"24 .
ومن دعائه لبعض أصحابه أنّه كان عليه السلام- يوماً- تحت الميزاب ومعه جماعة إذ جاءه شيخ فسلّم، ثمّ قال: يا ابن رسول الله: إنّي لأحبّكم أهل البيت، وأبرأ من عدوّكم، وإنّي بليت ببلاء شديد وقد أتيت البيت متعوّذاً به ممّا أجد، ثمّ بكى وأكبّ على أبي عبد الله عليه السلام يقبّل رأسه ورجليه، وجعل أبو عبد الله عليه السلام يتنحّى عنه، فرحمه وبكى ثمّ قال: "هذا أخوكم وقد أتاكم متعوّذاً بكم، فارفعوا أيديكم", فرفع أبو عبد الله عليه السلام يديه ورفعنا أيدينا ثمّ قال: "أللهمّ إنّك خلقت هذه النفس من طينة أخلصتها وجعلت منها أولياءك، وأولياء أوليائك، وإن شئت أن تنحّي عنها الآفات فعلت، أللهمّ وقد تعوّذنا ببيتك الحرام الذي يأمن به كلّ شيء، وقد تعوّذ بنا، وأنا أسألك يا من احتجب بنوره عن خلقه أسألك بمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين, يا غاية كلّ محزون وملهوف ومكروب ومضطرّ مبتلى, أن تؤمنه بأماننا ممّا يجد، وأن تمحو من طينته ما قدّر عليها من البلاء وأن تفرّج كربته يا أرحم الراحمين", فلمّا فرغ من الدعاء انطلق الرجل فلمّا بلغ باب المسجد رجع وبكى, ثمّ قال: ألله أعلم حيث يجعل رسالته، والله ما بلغت باب المسجد وبي ممّا أجد قليل ولا كثير، ثمّ ولّى25 .
وأمّا صلاته وحضوره بين يدي ربّه فنكتفي بما ورد أنّه عليه السلام كان يتلو القرآن في صلاته، فغشي عليه، فلمّا أفاق سئل ما الذي أوجب ما انتهت حاله إليه؟ فقال- ما معناه-: "ما زلت أكرّر آيات القرآن حتّى بلغت إلى حال كأنّني سمعتها مشافهة ممّن أنزلها"26 .
*صادق العترة, سلسلة مجالس العترة, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- أنظر: الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 472, ابن مكي العاملي الشيخ شمس الدين محمد المعروف بالشهيد الأوّل: الدروس الشرعية في فقه الإمامية ج 2 ص 12, المجلسيّ: بحار الأنوار ج 47 ص 2 عن الكفعميّ في المصباح, ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 279- 280.
2- والمشهور أنّه في الخامس والعشرين من شوّال, وإن لم يوجد شيء يوثق به يدلّ عليه, قال المحدّث القمّي رحمه الله "ولم يعيّن في الكتب المعتبرة اليوم الذي توفّي فيه من شهر شوّال, نعم قال صاحب جنّات الخلود- المتتبّع الماهر- أنّه توفّي في اليوم الخامس والعشرين من ذلك الشهر" انتهى. (منتهى الآمال ج 2 ص 243).
3- المفيد: الإرشاد ج 2 ص 180, الطوسيّ: تهذيب الأحكام ج 6 ص 78, ابن مكي العاملي الشيخ شمس الدين محمد المعروف بالشهيد الأوّل: الدروس الشرعية في فقه الإمامية ج 2 ص 12, ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 280, النيسابوريّ: روضة الواعظين ج 1 ص 212.
4- ابن مكي العاملي الشيخ شمس الدين محمد المعروف بالشهيد الأوّل: الدروس الشرعية في فقه الإمامية ج 2 ص 12, النيسابوريّ: روضة الواعظين ج 1 ص 212, ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 280, المجلسيّ: بحار الأنوار ج 47 ص 2 عن الكفعميّ في المصباح.
5- الطبريّ ابن رستم: دلائل الإمامة ص 246, ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 280, عن أبي جعفر القمّي, المجلسيّ: بحار الأنوار 47 ص 2 عن الكفعميّ في المصباح, وص 8 عن الإقبال لابن طاووس في أدعية شهر رمضان: وضاعف العذاب على من شرك في دمه وهو المنصور, ونسبه إلى "قيل" المسعوديّ في مروج الذهب ج 3 ص 313, وكذا ابن الصبّاغ المالكيّ في الفصول المهمّة ج 2 ص 928, إلى غير ذلك.
6- ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 281.
7- اليعقوبيّ: تاريخ اليعقوبيّ ج 2 ص 381. وانظر: ابن مكي العاملي الشيخ شمس الدين محمد المعروف بالشهيد الأوّل: الدروس الشرعية في فقه الإمامية ج 2 ص 12.
8- الصدوق: علل الشرائع ج 1 ص 274. وفي بعض الروايات ما يشير إلى توبته, كما في التوقيع الخارج على السفير محمّد بن عثمان العمريّ في جواب أسئلة سألها إسحاق بن يعقوب: "أمّا سبيل عمّي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف عليه السلام" (الصدوق: كمال الدّين وتمام النعمة ص 484). والله العالم.
9- القرشيّ الشيخ باقر: حياة الإمام الصادق عليه السلام ج 1 ص 22- 23.
10- الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 472.
11- الطوسيّ: اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشّي ج 2 ص 472.
12- الكلينيّ: الكافي ج 1 ص 306.
13- الكلينيّ: الكافي ج 17 ص 306.
14- المصدر السابق ص 307.
15- الذهبيّ: تاريخ الإسلام ج 9 ص 89.
16- أعتمَ إذا دخل في عتمة الليل وهي ظلمته.
17- الكلينيّ: الكافي ج 4 ص 8.
18- الكلينيّ: الكافي ج 4 ص 23.
19- المصدر السابق ج 4 ص 61.
20- المصدر السابق ج 6 ص 279.
21- المصدر السابق ج 2 ص 112.
22- الكلينيّ: الكافي ج 6 ص 181.
23- المصدر السابق ج 6 ص 283.
24- المصدر السابق ج 5 ص 76- 77.
25- المجلسيّ: بحار الأنوار ج 47 ص 122, عن الدعوات للراونديّ.
26- المصدر السابق ج 47 ص 58 عن فلاح السائل.